في الجزائر، لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي، فضاء للتواصل والتعارف وتقريب المسافات واختصار الوقت، وتحقيق التكامل المعرفي من خلال سرعة تداول المعلومات ونشرها. فهذه الوظيفة النبيلة، للوسائط الاجتماعية، لم تعد لها أهمية تذكر، في مجتمعنا، إذ عملت مجموعات معقدة نفسيا، مفلسة اجتماعيا، متطرفة سياسيا، غير منتجة اقتصاديا، متكلسة فكريا،عديمة الأخلاق،على تحويل هذه الوسائط إلى حلبة مفتوحة للسب والشتم والقذف، بسبب ودونه، من يعرفونه ومن لا يعرفونه، من يختلف معهم، وحتى من يتفق معهم في موضوع ويختلف في جزئية. يسبون الأحياء، ولا يتأخرون عن سب وشتم الأموات، في الصباح، كما في المساء، من يشتمون المفكرين، العلماء، الأئمة ،الأساتذة، المعلمين، الأطباء، الساسة، الصحافيين…، كما يسبون ويشتمون البسطاء الأميون، منهم والمتعلمون، العاملون والبطالون، يقذفون النساء، ويعتدون على حقوق البراءة.
في وسائل التواصل الاجتماعي، التي ينشط فيها الجزائريون بكثرة، الكل في السب سواسية كأسنان المشط، ولكل منا نصيبه، حيث تحرص هذه الميليشيات الفيسبوكية، على استخدام ذخيرتها من السب والشتم والقذف بالعدل بين الضحايا،لكنها تخصص الأسلحة الثقيلة من القذف، لكل من يقترب من مواضيع ذات طابع فكري محدد، أو وديني أو هوياتي.
هل مجبر أنت أيها الفيسبوكي، أن تعلّق على كل المواضيع والمنشورات في الفيسبوك؟
هل مجبر أنت أن تناقش في كل المواضيع: في الطب، في الرياضة، في الفكر، في الدين، في مسائل التاريخ والأنتربولوجيا، في علم الفلك وعلم البحار، في الطبيعة وما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا)،في الصحافة، في مسائل الحكم،
في العلاقات بين الأمم، في الاقتصاد، في الصناعة، في الفلاحة..؟
صحيح، قد يقول قائل، هذه هي وسائط التواصل الاجتماعي، غايتها؛ دمقرطة النشر والتعبير للجميع، لكن الأصح؛ أن مخترعي هذه الوسائط لم يجعلوها للسب والشتم والانحراف بالنقاشات إلى التخوين وقذف كل ما يتحرك في هذا الفضاء. ولعل أكبر دليل هو أن الفيسبوك نفسه، وضع قواعد ومبادئ إن تجاوزتها، ستنال عقابك إما بتعليق النشر، أو التفاعل أو الحظر لمدة ما!
وهذا يعني: أن هناك مجموعة من القواعد والأخلاق يُحتكم إليها (من منظور مارك زوكريبرك)، فلماذا لا يُحتكم غالبية الناشطين في “الفيسبوك” في الجزائر، إلى الأخلاق، في تعاملهم مع الآخر؟ لماذا غاب الاحترام؟
هل نتجه، لنكون مجتمعا دون أخلاق!