اتخذ من الموسيقى حياتا له، فاعتزل أنامله وصوته في “القيتارة والموندول”، فأضحى بذلك ملكا لدى الشعب، ومحب الزوالية لتواضعه وحياءه الشديد، الفنان “أعمر الزاهي” الملقب بالشيخ الشيوخ في الفن الشعبي، المدلل بـ “عميمر”، المعروف بـاسم “وليد الشعب” و”الزوالية”، صاحب “يا العذراء”، و”أنا الكاوي”، يرحل لتبقى بصماته وإبداعاته في الأغنية الشعبية.
صارة بوعياد
شيخ الشيوخ للفن الشعبي بالجزائر، من مواليد الفاتح جانفي عام 1941 بعين الحمام ولاية تزي وزو، انتقل صغيرا إلى الجزائر العاصمة، في حي الربوة الشعبي بباب الوادي، تعلم أبجديات الفن ولم يكن على علم أنه سيصبح يوما من رواده ومحب الجماهير الفن الشعبي، حيث حمله الكثير في قلبوهم حتى بعد رحليه عن سماء الحياة ليبقى نجما عاليا رغم غيابه الجسدي.
يجيد استعمال القيتارة والمندول، حيث أمتع متذوقي الأغنية الشعبية بأنامله وبصوته جميل، فلطالما غنى بصدق فكان صديقا للزوالية، وكم غنى مجانا في أعراسهم وأدخل الفرحة في قلوبهم ونفوسهم، إنه الفنان الشعبي القدير الذي لم يتماثل للعلا فعاش متواضعا بين أهله وجيرانه، حيث لم يشأ الصعود للقمة والعيش في أبراج العلا، فاختار الشعب ليصبح بذلك “وليد الشعب”.
صاحب روائع الخاتم، مريومة، يالوشام، بالصلاة على محمد، يا قاضي ناس الغرام، هو المطرب أعمر الزاهي الملقب بعميد الأغنية الجزائرية عام 1963 بعد مقابلته للشيخ لحلو ومحمد الإبراهيمي المعروف باسم الشيخ القبايلي، حيث يعتبر أحد رموز الغناء الشعبي الأصيل اسمه الحقيقي محمد أيت الزاهي، تميز برنة رائعة وصوت رخيم، الأمر الذي أهله لاعتلاء عرش الغناء الشعبي العاصمي وأبدع فيه.
أول أغنية في ريبرتواره الفني “يا العذراء”
سجل أول أغنية له سنة 1968 بعنوان “يا العذراء” ثم تالتها أغنية يا المقنين الزين، ورغم أدائه لعدد ضخم من القصائد المتميزة إلا أن أعماله لم تسوق في سوق الطرب إلا عددا قليلا منها، ومن أشهر ما غنى الفنان، يا رب العباد، زينوبة وأغاني أخرى من التراث الجزائري والمغاربي أبرزها (الحراز) للشيخ المكي المغربي، إضافة إلى أغنية يا ضيف الله، الكاوي، الجافي، الفرجية، يوم الخميس ويوم الجمعة وغيرها.
ولقد جعل الزاهي من موسيقى الشعبي سبب وجوده، فاختلى بقيتارته حيث ابتعد عن عالمه وعن هواجسه المادية، فامتنع عن الظهور في مختلف الوسائط الإعلامية، ورفض العديد من الدعوات التي وجهت له للمشاركة في المهرجانات والتظاهرات الثقافية التي تنظمها وزارة الثقافة في الجزائر لأسباب نجهلها.
واكتفى الزاهي بإحياء الأعراس العائلية وحفلات الختان وبعض القعدات الخاصة، ورغم انعزاله وانطوائه عن الخرجات تحت الوزارة الوصية، إلا أنه حظي بشعبية واسعة وحضور قوي في أذهان عشاق ومحبي الموسيقى الشعبية خاصة في العاصمة، وعليه أصبح من ألمع نجوم الفن في الساحة الفنية الجزائرية، حيث يعتبر الزاهي المعروف بتواضعه وحيائه الشديد الأكثر شعبية وموهبة في عصره لغزا حقيقيا في عالم الموسيقى الجزائرية.
“شمس الأغنية الشعبية تغيب عن “الرونفالي”
غيّب الموت عن الساحة الفنية، الفنان المدعو “عميمر” كما يحب البعض أن يلقبه، وكما لقبه البعض الأخر بشيخ شيوخ، الفنان القدير “أعمر الزاهي” وفته المنية عن عمر ناهز 75سنة، في الثلاثين نوفمبر عام 2016 بالعاصمة، حيث شهد يوم دفنه موكب جنائزي تصمت له الأقلام وتدق له القلوب، كيف لا وهو صاحب الأغاني الرومنسية والحزينة، والأغاني المستمدة من التراث الوطني لعشقه لبلد المليون والنصف مليون شهيد.
امتلك حنجرة ذهبية تذوقها الجميع، وأنامله السحرية التي تسحر محبيه عند العزف على “المندول والقيتار”، حيث كان محبوب الكبير والصغير نظرا لأخلاقه الراقية وتواضعه الشديد دون أن ننسى حياءه الكبير الذي كان يمتاز به طيلة حياته.
“رحل وترك “زينوبة” و”مريومة” تبكيان لموته”
“عميمر” كان شخصا يقتدى به، فسكان حييه بـ “رونفالي” كانوا يلقبونه بـ “عمر الزوالي”، فنان الزاولية، وكذا بـ “وليد الشعب”، نسبتا لتضامنه وتعاونه مع الفقراء، حيث باب بيته لم يغلق أبدا، فكان مفتوحا ومرحبا لمن يريد المساعدة، حيث اتسم بطبته حتى أنه في بعض الأحيان كان يغني في حفلات الختان والأعراس بلا مقابل لصالح “الزواولة، ليرحل إلى الأبد شيخ الشيوخ ووليد الشعب، وترك “زينوبة” و”مريومة” تبكيان لرحيله.