بوباكير، هذا الإنسان المثقف والمثقف الإنسان، درس أيام الاتحاد السوفياتي هنالك فأتقن اللغة الروسية واطَّلع على روائع الأدب الروسي والعالمي ونبش خفايا المكتبات الشرقية. لكنَّه يقرأ بوعي حاد. فلا ينقل إليك إلا ما قام بغربلته.
فهو حين يقع عليه الاختيار ليُحرِّر مذكرات الرئيس الشاذلي بن جديد أو يترجم مذكرات أحمد طالب الإبراهيمي أو غيرهما من المسؤولين المعروفين، فليس لأنه هو الذي بحث عن ذلك أو تودَّد إلى أهل السلطة، بل لأنَّ كفاءته المُميَّزة هي التي تجرُّهم إليه اعترافاً منهم بقدراته الفريدة.فهو يتقن الفرنسية وينقلها إلى العربية بلغة راقية.وحين يُعوِّل على الحديث في السياسية -وإنْ هو استحضر وجوه السياسيين الذين عرفهم- إلا أنَّه لا يشعر بحرج تجاههم ليتنازل بل، لا يتردَّد في التعبير عن مواقفه بوضوح وجرأة نادرة.لذلك ترى الجنرال يهدِّد بمقاضاته. وهو الذي قال: ((ليس الرئيس هو المريض.. الدولة هي المريضة))ويقول اليوم: ((إن الحَراك سيكون درساً لجميع العرب).كما قال يوسف إدريس عن الثورة الجزائرية: ((إن الدروس التي نشهدها اليوم، وإن كانت تكلف الشعب الجزائري آلاف الأرواح، إلا أنها أرواح لن تضيع…ثورة الجزائر لا تطهر الخونة فقط، إنها تطهر العالم،ولا تدافع عن نفسها، إنها تدافع عنَّا، لا تُعلِّم شعبها فقط،ولكنها أيضاً تُعلِّمنا))(1).
ومن غير شك أنَّ معاشرته مسؤولا مثل الرئيس الشاذلي سنوات طوالاً قد جعلته يسمع منه كثيراً ويكتب، لكنَّه لا شك يحتفظ بأسرار أخرى لم تُنشرْ وهذا من طبيعة الوفاء لمبادئ أخلاقية نبيلة.
وإني، إذْ أقول إنه صندوق الحقائق الغائبة، فلأنَّه يخبرك بأن(شارلي شابلين) كان من بيْن من دشَّنوا فندق الأوراسي، وأن الرئيس البرتغالي(مانييل تكسيرا غوميز) نُفي إلى بجاية وأنَّ تشي غيفارا حين زار الجزائر نجا من حادث مات فيه سائقُه فبكاه كما يبكي أخاه. ويحدثك عن لقاء عملاقيْن: بن شنب وكراتشفسكي وغيرهم كثير.
إنَّه يفيدنا بمعلومات لا يعرفها إلا قليلون، فيقول عن أمير القصة العربية (يوسف إدريس): ((لكن يوسف إدريس جمع في احتضانه للقضية الجزائرية بين القول والفعل، بين القلم والرّشاس، ففي عام 1961 التحق بجبال الجزائر وحارب العدوّ الفرنسي، وأصيب بجرح، وبعد الاستقلال قلَّدَه الجزائريون وساماً عرفاناً له بكفاحه إلى جانبهم))(2).
يختار بوباكير عناوينه بعناية فهي أدبية تستهويك وتجتذبك، وقد تنطوي على قدر من السخرية أحياناً لكنَّها لا تخلو من واقعية الحدث مثل: ((الإمبراطور نابليون ونصّ قنطار زلابية؟)).
وهو حين يتحدَّث عن الكبار، فإنَّه لا يتطاول على أحد ،لكنَّه- في الوقت ذاته- لا يتردَّد في أنْ يستجْلي مواقفهم تجاه الوطن أو أية قضية تخصُّ البُعْد الإنساني.كذلك هي الحال مع أمثال: (سارتر وفرانسوا مورياك ومحمد عبده والطهطاوي).كما لا يتردَّد في التصريح بموْقفه تجاه أقرب الناس إليه ولو كان (الطاهر وطار أو رشيد بوجدرة).عبد العزيز بوباكير) استمرَّ دائم الحضور في الصحافة الوطنية بمقالاته المُميَّزة، وبجهوده في الترجمة، فهو من أبرز الوجوه في الثقافة الوطنية علْماً وخُلقاً. ولولا ظروفه الصحية القاسية لكان في وسْعه أن يزوِّد المكتبة الوطنية بتُحف ثمينة.
هكذا نجد متعة في لغته الميسَّرة وتكتمل المتعة حتماً ونحن تكتشف شخصيات ووقائع غير معهودة. وأكاد أقول إنَّ ذاكرته التي ظلَّت حيَّة على الدوام بالرغم ممَّا يلاحقه من أمراض، هي أشبه بصندوق من العجائب.
من أعماله:
1. مذكرات الشاذلي بن جديد
2. الأدب الجزائري في مرآة استشراقية
3. مذكرات محمد حربي(ترجمة عن الفرنسية).
4. مذكرات أحمد طالب الإبراهيمي(ترجمة عن الفرنسية).
5. الأنتليجنسيا المغاربية، أفكار ونزعات(ترجمة عن الفرنسية).
6. النخبة الجزائرية في مطلع القرن العشرين (ترجمة عن الفرنسية).
7. بوتفليقة رجل القدر
فإذا قُدِّر لك وأنْ جالستَ هذا الإنسان، فلا تتعجَّلْ أن تخطب عليه،واحْترزْ أنْ تحتكر الكلمة في حضْرته،فهو سيفضِّل الصمت على أنْ يقمعك. إنما من الأفيد أنْ تتواضع قليلاً أو كثيراً وأنْ تُوطّن نفسك على السماع ما استطعت. فإذا فعلت، فإنَّك –بالتأكيد- ستعود مُزوَّداً بما ليس لك به عِلْم.
فشكراً لك عبد العزيز حيث لا أملك إلا أن أتمنَّى لك تمام الصحة والعافية، وعذراً على قِصَر هذه الكلمة التي لا يمكنها أنْ توفِّيك حقَّك أبداً في بلد ينزع دوْماً نحو إطفاء الأنوار.
ألا-أيها الناس-اذْكروا أحياءَكُم بخير.