د/عزالدين معزة
يوم 8 جانفي 1961. تم إجراء أول استفتاء فرنسي حول مصير الجزائر، وهو أول استفتاء في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، حيث دعي الشعب الفرنسي وأهالي المستعمرات في 8 جانفي 1961 للاستفتاء حول تقرير المصير في الجزائر.
والسؤال الذي طرح على الشعوب الفرنسية ومستعمراتها آنذاك هو:
“هل توافقون على مشروع القانون المقدم للشعب الفرنسي من قبل رئيس الجمهورية بشأن تقرير مصير الشعب الجزائري وتنظيم السلطات العامة في الجزائر قبل تقرير المصير؟”
تنص المادة الأولى من هذا المشروع على أنه عندما تسمح الظروف الأمنية بذلك، فإن المصير السياسي للجزائر في علاقتها بالجمهورية الفرنسية سوف يقرره الشعب الجزائري. وتنص المادة الثانية منه على أنه إلى حين تقرير المصير، تنظم المراسيم المتخذة في مجلس الوزراء إنشاء هيئة تنفيذية ومجالس تشريعية في الجزائر، والتعاون بين المجتمعات المحلية.
وقد لاقى قبولاً واسعاً من الشعب الفرنسي. وشارك في التصويت الناخبون من فرنسا والجزائر (إدارتي الجزائر والصحراء)، وكذلك من الأقاليم الفرنسية فيما وراء البحار، حيث كان عليهم أن يقرروا مصير الجزائر. وأعلن المجلس الدستوري الفرنسي النتيجة النهائية في 14 جانفي 1961.
شارك في الاستفتاء 24 مليون مواطن من فرنسا والجزائر وبقية المستعمرات الفرنسية، وصوت 72.7% منهم بـ “نعم”.
خلال الاستفتاء، كان رئيس الجمهورية هو شارل ديغول، ورئيس وزرائه ميشيل ديبريه. وكان المرسوم رقم 60-1299 المؤرخ 8 ديسمبر 1960 هو الوصول إلى هذا الاستفتاء أملته عدة عوامل، أولها الثورة الجزائرية التي بدأت في نهاية 1954 والتي كانت تكبد القوات الفرنسية الكثير من الخسائر البشرية والاقتصادية وأدت إلى مفاوضات سياسية مع حزب جبهة التحرير الوطني والذي توج بـ “اتفاقيات إيفيان”
بهذا التصويت أعرب الفرنسيون في الداخل، عن رغبتهم في الانتهاء مع الحرب، بينما داخل الجزائر، كانت الأمور أصعب للسكان الأصليين للمشاركة في التصويت بسبب تطرف المستعمرين الفرنسيين ورفضهم التفريط في الجزائر واعتبارهم أن ديغول وفرنسا خانا الجزائر الفرنسية.
الفترة التي تلت استفتاء 8 جانفي كانت صعبة داخل الجزائر وفرنسا، حيث ارتكب الجيش الفرنسي عدة أعمال إرهابية أودت بحياة المدنيين الجزائريين ونفذتها القوات الفرنسية التي ترفض استقلال الجزائر، كما كانت هناك محاولة انقلاب فاشلة على الرئيس شارل ديغول. محاولة الانقلاب أدت إلى قطيعة نهائية مع تيار المتطرفين الفرنسيين من أنصار إبقاء الجزائر تحت الاحتلال، وأدت إلى استمرار تفاوض باريس مع زعماء الثورة الجزائرية حتى إعلان استقلال الجزائر في جويلية 1962.
لقد كان نجاح استفتاء 8 جانفي 1961، رهانا حاسما أسس عليه الجنرال ديغول سياسته الجزائرية لهذا كان يريد من الناخبين أن يقبلوا بكثافة على صناديق الاقتراع ويوافقوا بأغلبية مريحة على منحه سلطة تقرير المصير بالنسبة للجزائريين على أساس الجزائر جزائرية وسلطة وضع وتنظيم جديد للسلطات العمومية، غير أن الحكومة المؤقتة وقفت بالمرصاد لهذا الاستفتاء وعملت على إفشالها لما له من خطورة على مستقبل الشعب الجزائري.
وأعلن رئيس الحكومة المؤقتة الجزائرية، فرحات عباس، في خطاب له يوم 1 يناير 1961، أنه يؤيد سياسة تقرير المصير، لكنه يصر على حقيقة أن المفاوضات يجب أن تتم بمساواة وليس بواسطة التنازلات.
كما دعت الحكومة المؤقتة إلى رفض ومقاطعة الاستفتاء، وهو نفس الموقف التي أعلنته جبهة التحرير الوطني التي قادت الكفاح ضد الفرنسيين.
تشكل أحداث 8 جانفي 1961 التي شهدتها منطقة “قلتة سيدي سعد” بولاية الأغواط واحدة من الملاحم الشعبية التي تعكس رفض السكان القاطع للهيمنة الاستعمارية ورفض مشاركتهم في استفتاء 8 جانفي 1961.
أن تلك الأحداث تعبر عن مدى الرفض الشعبي القاطع لتلك المهزلة الانتخابية التي أقرتها الإدارة الاستعمارية حول ما سمته “فرنسية الجزائر”، حيث كان السكان يريدون من وراء هذه الملحمة التعبير أيضا عن عدم زجهم في مؤامرة فاضحة ضد وطنهم وتصديهم المستميت لمغتصب أرضهم.
إن سكان المنطقة وعلى قلة عددهم وعدتهم بقوا صامدين وعلى قلب رجل واحد، وأبوا المشاركة في مهزلة الاستفتاء رغم علمهم المسبق بأن المستعمر لن يسكت على تصرفهم بل وسيقابله بممارسات وحشية، ولكن ذلك لم يثن من عزيمتهم بل زادهم إصرارا على الثبات.
إن تزايد حدة استفزازات الاستعمار الفرنسي أدت إلى التصادم الحتمي بمهاجمة السكان لجنود العدو ليسقط أول شهيد معلنا عن بداية معركة ستبقى فخرا للأجيال المتعاقبة.
أن من بين الشواهد التاريخية لوقوف الشعب الجزائري ندا للاستعمار الفرنسي بولاية الأغواط هي أحداث الثامن من يناير 1961 والتي لجأت حينها الإدارة العسكرية الفرنسية لإرغام سكان المنطقة على التصويت في استفتاء شعبي تم تنظيمه آنذاك لتكريس “فرنسية الجزائر” عن طريق جمعهم جميعا داخل محتشد كبير بالمنطقة المسماة الوادي الطويل القريب من قلتة سيدي سعد (حوالي 140 كلم شمال غرب الأغواط) من أجل قمع أي تمرد أو عصيان محتمل ضد عملية الاستفتاء.
مما دفع بقوات الاحتلال إلى ممارسة القمع الوحشي ضدهم. ورغم اختلال موازين القوى، إلا أن السكان قاوموا في معركة غير متكافئة بين عزل لا يملكون سوى بعض الأسلحة البيضاء، وجيش مدجج بالأسلحة.
وتمثلت حصيلة الشهداء في أوساط السكان في ارتقاء 11 شهيدا وعديد الجرحى الذين خلدت أسماؤهم بمداد من ذهب في سجلات التاريخ المجيد للثورة التحريرية المظفرة.
ومن تداعيات نتائج الاستفتاء التي خولت للجنرال ديغول بدء مفاوضات مع جبهة التحرير الوطني، أنها “منحته ورقة بيضاء للتصرف وتخليص فرنسا من المشكلة الجزائرية كما كان يردد الجنرال ديغول” عن سلطات واسعة لديغول بعد الاستفتاء شرع على إثرها في الاتصال بقادة الثورة الجزائرية أدى ذلك الاستفتاء إلى تخلص فرنسا من مشكلتها في الجزائر، وأفضى إلى سلسلة مفاوضات انتهت بإعلان وقف إطلاق النار يوم 19 مارس 1962 واستقلال البلاد في 5 يوليو 1962.
فإن استفتاء 8 يناير 1961 كان بداية “الخروج الديغولي” من المأزق الجزائري.
أن نتائج الاستفتاء “كانت ضد جنرالات حرب الجزائر الذين هزمهم ديغول سياسيا بتزكية من الشعب الفرنسي، وأحبط تمسكهم بالجزائر” رغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها قواتهم.
بعد خمسة عشر شهراً من استفتاء الثامن من جانفي 1961، سيُطلب من الشعب الفرنسي مرة أخرى، في الثامن من أبريل/نيسان، الموافقة على السياسة الجزائرية التي انتهجها الجنرال ديغول.
وفي القانون، الأمر مختلف. لقد حدد الدستور بشكل صارم نطاق إجراء الاستفتاء المنصوص عليه في المادة 11. إن اتفاقيات إيفيان ليست اتفاقيات جماعية ولا معاهدة دولية – لا تدخل ضمن نطاق الاستفتاء، وليست هذه النصوص هي التي تقدم للموافقة عليها في البلاد. وهو مشروع قانون يخول رئيس الجمهورية سلطة استخلاص النتائج.
وفي النهاية ما يبقى من استفتاء 1961 أنه كرس انقسامات داخل المجتمع الفرنسي، ما زالت آثاره مستمرة إلى الآن وتطفو على السطح عندما يكون هناك ملف يخص العلاقات الجزائرية الفرنسية.
للمقال مراجع