التّصلبُ في المواقف يؤدي حتما إلى التّطرف، والتّطرف سينْجرُّ عنه الاصطدام، عاجلا أم آجلا ؛ هكذا أخبرتنا التجارب الناجمة عن تسيير الأزمات بدلَ البحثِ عن حلول لها.
في الواقع، نقول هذا الكلام لأن الاحتكاك السّياسي المسجّل بين السلطة القائمة والعديد من القِوى الاجتماعية والمِهنية المناوئة لخياراتها في التعامل مع مختلف الأزمات التي يشهدها المجتمع سياسيا واجتماعيا ومهنيا، قد يؤدي إلى ما لا يُحمد عُقباه؛ فالسّلطة التي قررت الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية كمخرج أقلّ ضررا وأكثر أمنا للأزمة متعددة الأوجه، تعتقد أن لا مجال للتراجع عنه ولا تفاوض مع أي حركة احتجاجية قد تؤثر سلبا على تجسيد هذا الخيار. ومن هنا، يمكن فهم الأسلوب القاسي الذي تتعامل به الحكومة كأداة للسلطة مع إضراب القضاة بغضّ النّظر عن شرعية الإضراب من عدمها. فالاعتقاد بأن حركة القضاة لها أبعاد سياسية تتجاوز مشكل التحويلات التي تخضع للقانون المسيِّر لمهنة القاضي وحده من سيحدد طريقة وأسلوب التعامل، وهنا – برأينا – سنصبح أمام تسيير أمني لأزمة القضاء، تسيير له تكلفته السّياسية والنّفسية والمادية؛ إذ سيزيد من الاحتقان الاجتماعي وسيضرّ حتما بسمعة البلد ويخدش صورتها.
ولهذا، نعتقد أنه مهما كانت تعقيدات الأزمة سواء في القضاء أو التعليم أو الجبهة الاجتماعية، فان حلّها لن يكون إلا في إطار حوار شفّاف وصريح، ذلك لأن الحوار الاجتماعي أو المهني وحتى السّياسي وحده من يضع كلّ واحد أمام مسؤولياته وينزع عن كل وجه قناعه الذي يتخفّى به.
صحيح أن هناك نقاطَ ظلٍّ تُغشِّى إضراب القضاة وتعنّتهم، لكن هذا لا يبرر ولا يسمح للسلطة التنفيذية بالدّوس على حرمة العدالة بالاستعانة بقوات الأمن والدرك؛ وخلاصة القول:
إن الجزائر الجديدة التي نتطلّع إليها ينبغي أن تكون بعيدة عن مثل هذه الأساليب والذهنيات التي انقرضت حتى في المجتمعات الأكثر تخلفا، بل ينبغي أن تُبنى بالحوار؛ فالحوار وحده من يحدّد مسافة الأمان بين طرفي الأزمة، ووحده مفتاح الحلّ لأي معضلة مهما عظُمت.