تضيع أعمار الجزائريين في الزحمة، حيث لم تعد الطرقات تستوعب عدد المركبات المتزايد يوميا، فبات أصحاب المركبات عرضة للضغط ونوبات القلق والغضب، الأمر الذي يهدد صحتهم بأمراض سميت بـ”أمراض العصر” !
تشير إحصائيات المديرية العامة للأمن الوطني إلى وجود 7461 نقطة سوداء على المستوى الوطني، منها 7333 نقطة مرتبطة بحوادث المرور! و”تحظى” ولاية الجزائر بحصة الأسد من النقاط السوداء بـ 718 نقطة ؛ إذ يقضي الجزائري – على الأقل – ثلاث ساعات يوميا في الزحمة بحسب تصريحات رئيس جمعية حماية المستهلك لـ “أخبار الوطن”.
وأوعز رابح زواوي رئيس مكتب الاتصال بمديرية الأمن العمومي في تصريحات خص بها “أخبار الوطن” أسباب الزحمة المسجلة على مستوى مختلف طرقات الوطن إلى توسع الحظيرة الوطنية للمركبات من مختلف أحجامها، والتمركز السكاني في المدن الكبرى وندرة المواقف التي يمكنها استعاب العدد الكبير من المركبات، كون الموجودة لا تلبي الطلب، أضف إلى ما تقدم نفور الجزائريين من النقل الجماعي بسبب سؤ تنظيمه علاوة على النسيج العمراني غير الملائم وشبكات الطرقات المهترئة، كلها أسباب تؤدي إلى الزحمة.
وهذه الإشكالية مطروحة في غرب العاصمة، حيث تغيب وسائل النقل الحضري العمومي على غرار القطار التراموي.
ويضيف المتحدث أنه أمام تفاقم الظاهرة بات من الجدي تظافر جهود كل الفئات، فالحل الأمني لا يكفي، فيجب تشخيص الواقع واقتراح حلول والاستعانة بالتجارب الأجنبية التي حققت نتائج مقبولة.
إذ يوجد تمركز سكاني رهيب حول المدن الكبرى، للبحث عن الرفاهية والعمل والمؤسسات الاستشفائية والجامعية والإدارية، علاوة على تمركز الهيئات العمومية والمرافق العامة خاصة كون الوزارات تتمركز في العاصمة.
التأثيرات السلبية
عدد رئيس مكتب الاتصال بمديرية الأمن العمومي الآثار السلبية للازدحام المروري في عديد النقاط، على غرار المساس بالصحة والسكينة العمومية خاصة مع تسرب الغازات والضجيج وغيرهما، أضف إلى هذا بروز سلوكيات غير لائقة تؤدي إلى تجاوز القانون الخاص بالمرور، والمساس بضوابط السلامة المرورية، علاوة على تسبب الزحمة في حوادث المرور، خاصة في الطرقات السريعة وتعطيل المصالح الاقتصادية بالنسبة إلى المؤسسات المرتبطة بالميناء والتلوث البيئي والمحيط.
الحلول التي تقترحها مصالح الأمن
وأكد المتحدث أن كل هذه المعطيات هي نتاج دراسة قامت بها المديرية العامة للأمن الوطني، بالتعاون مع خبراء من قطاعات أخرى.
ويضيف أنه يجب البحث عن أسباب ومسببات الظاهرة ليكون التشخيص دقيقا عن طريق دراسة النقاط الكبرى التي يحدث فيها الازدحام المروري، وتحديد توقيته، ومن الحلول المقترحة هي استحداث لجان وطنية تسهر على تطوير وتحسين ضوابط السيرورة المرورية من خلال إشراك باقي القطاعات وإشراكها في الحل بعيدا عن الحل الأمني، كقطاع الأشغال العمومية والنقل والعمران والبيئة بحيث يتم بلورة حلول تكون دائمة.
وإلزامية التنسيق بين ثلاثية النسيج العمراني وشبكات الطرقات والكثافة السكانية بحيث يتم اقتراح حلول بعيدة المدى تأخذ بعين الاعتبار شق طرقات جديدة وإنجاز ممرات أو توسيع الطريق وتنظيم حركة الوزن الثقيل، بضبط توقيت الشحن أو التفريغ والاعتماد على التكنولوجيات الحديثة على غرار الكاميرات الذكية والرادارات والقارئ الذكي للوحة الترقيم.
تعميم وتوسيع النقل الحضري لتقليل الضغط على شبكة الطرقات، وهي التراموي والنقل بالحافلات كإيتوزا والقطار والميترو والنقل بالهوائيات.
واستحدث حظائر كبرى على مداخل المدن الكبرى وربطها بوسائل النقل الجماعي، وكمثال على ذلك مشروع جامع الجزائر الذي يحتوي على حظيرة كبيرة تستوعب 1800 سيارة.
كما يجب دعم برامج التكوين المتخصص لفائدة السواق لتقديم خدمة عمومية جذابة، خاصة في النقل العمومي، من خلال الهندام واحترام التوقيت وغيرهما.
ودعم المدن بالمنشآئات بتدعيم البنى التحتية كالجسور والأنفاق لتجنب الزحمة، وكذا الطرق الاجتنابية حول المدن الكبرى لتجنب دخول المدن. والاستعمال العقلاني للمركبات، أي استعمالها للضرورة واستعمال النقل العمومي كالتراموي والميترو.
التنسق بين مخططات النقل كالمحطات والحافلات وخطوط النقل بحيث يتم دراسة كل هذه المعطيات لتحرير الطريق ومخططات المرور، وهي من اختصاص مصالح الأمن بحيث يتم دراسة وضع السدود ونقاط المراقبة.
علاوة على تكثيف الوجود الأمني في النقاط السوداء التي يبلغ عددها 7461 نقطة، والاستعانة بالمراقبة الجوية والسهر على الانسيابية واستحداث فرق أمن الطرق لمواجهة عدم احترام قانون المرور في الطرق السريعة، خارج نقاط المراقبة.
العاصمة الأكثر تضررا من الزّحمة
تعرف حركة المرور بالجزائر العاصمة ازدحاما فضيعا، فبحسب إحصائيات توجد بالعاصمة 475 مقر هيئة عمومية و13 دائرة إدارية و5 مناطق صناعية و165 مركبا فندقيا، علاوة على مواقع تاريخية و5 مستشفيات و12 مؤسسة استشفائية متخصصة و8274 مصحة خاصة.
وبحسب إحصائيات المديرية العامة للأمن الوطني، توجد بالعاصمة 718 نقطة سوداء منها 427 نقطة تحدث بها حوادث مرور، وتم حل 249 نقطة وإزالة 49 نقطة.
وعن سؤال حول السدود التي تقوم بها مصالح الأمن في الطرقات السريعة والطرق الجانبية ومدى مساهمتها في تعطيل حركة المرور، قال رابح زواوي رئيس مكتب الاتصال بمديرية الأمن العمومي “بالعكس، هناك تعطيل جزئي لأربع دقائق لكن الإشكالية في غلق الطرقات الجانبية التي تسبب الزحمة.
الخبير في السلامة المرورية الدكتور كواش امحمد:
الزحمة تسبب الأمراض وحوادث المرور
اعتبر الدكتور امحمد كواش الخبير في السلامة المرورية، في تصريح أدلى به لـ “أخبار الوطن” الازدحام المروري مشكلة عالمية تشتكي منها أغلبية الدول والمجتمعات بفعل مالها من تأثير على الاقتصاد والسياحة والنشطات اليومية، وأصبح هذا المشكل الشغل الشاغل للمواطن بفعل ما يسببه من تعطيل في المواعيد وتأخر على العمل وإجبارية النهوض مبكرا للتجنب الوقوع في الاختناقات المرورية.
وأضاف الخبير يقول: “ولكن رغم كل التدابير أصبحت يوميات المواطن لا تخلو من الوقوع في الازدحام المروري، إما بعد العودة من العمل أو وقت الغذاء بفعل ما يعرف بالذروة وأحيانا نتيجة حوادث المرور التي تغلق الطريق أو الأشغال التي تجرى على مستواها وسوء برمجتها.
وعن التأثيرات الصحية التي تسببها الزحمة، يقول الدكتور “إن تعايش المواطن مع ظاهرة الازدحام المروري خاصة سكان المدن الكبرى أثر بشكل سلبي على الصحة العامة والنفسية من خلال القلق والتوتر والانفعال وانخفاض مستوى الأداء الوظيفي والعملي والتحصيل الدراسي. وزاد الطين بلّه الإصابة بالضغط الدموي وداء السكري والانهيار العصبي”!
وأضاف ” كما أن أغلبية السواق بعد الخروج من الازدحام المروري أو الاختناقات يتحررون مباشرة وتتضح العصبية في طريقة سياقتهم فيقمون بمنوارات خطيرة وسرعة جنونية لاستدراك التأخر، وتحدث بعدها الكوارث؛ وهذا ما يعرف بنظرية الفرس والفارس اي ان الفارس يزيد في السرعة بعد الاقتراب من نقطة الوصول.
م.رفيق
عبد القادر بريش:
سكان المدن الكبرى يخسرون 36 ساعة سنويا في الزحمة
يقضي سكان المدن الكبرى 180 دقيقة يوميا في الزحمة المرورية، وعليه يخسرون 36 ساعة سنويا خلال وقت الذروة، حيث تحتل العاصمة رأس القائمة الأكثر ازدحاما، في حين قسم خبراء في السلامة المرورية ساعات الذروة يومي الأحد والخميس إلى ثلاث أقسام منها ساعتان صباحا وساعة في الظهيرة وساعتان مساء، وبهذا يضيع الجزائريون عمرهم في ساعات في طوابير انتظار على الطرقات.
أسماء بوصبيع
معدل التأخير في كل رحلة يصل إلى 3 ساعات
أوضح رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي، في تصريح أدلى به لـ”أخبار الوطن” أن أوقات الذروة في الجزائر تختلف من منطقة إلى أخرى ومن توقيت لآخر، حيث يصل معدل التأخير في كل رحلة إلى 3 ساعات، بمعنى أنه في الوقت الذي يقطع المواطن في مدة معينة يمكن أن يتضاعف إلى 3مرات أو أكثر في الزحام المروري، ما يشكل خسائر يتحملها اقتصاد الجزائر سنويا – على حد تأكيده.
وفصل الدكتور زبدي توقيت الذروة في العاصمة والمدن الكبرى، خلال الفترة الصباحية والتي تمتد من 7 صباحا إلى 9 والنصف صباحا. وبالنسبة إلى الفترة المسائية من 4 والنصف إلى 6 والنصف، حيث أرجع سبب الاختناق المروري في هذه الفترة إلى خروج ودخول الموظفين والتلاميذ في وقت واحد.
وعدد مصطفى زبدي أسباب الاختناق المروري في ثلاث نقاط أساسية، أولها ضيق الطرقات الناجم عن غياب مخطط وطني مدروس يخص تقييم معايير التخطيط والتصميم، وكذا التقسيم الوظيفي للمدينة.
وعليه، يقترح الدكتور ضرورة تبني إستراتيجية ديناميكية تتماشى مع التخطيط العمراني وتعزيزها بمشاريع تخطيطية مدروسة.
الخبير والأستاذ المحاضر بالمدرسة العليا للتجارة عبد القادر بريش:
قطاع النقل والشحن ورجال الأعمال يخسرون الملايين عن كل ساعة تأخير
قدم المحلل والخبير الاقتصادي، وأستاذ محاضر بالمدرسة العليا للتجارة بالعاصمة، عبد القادر بريش، من جهته، في تصريح لـ”أخبار الوطن”، قراءته الاقتصادية حول الخسارة التي تتكبدها المؤسسات والإدارات في مردودية العمل نتيجة الوقت التي يهدره الجزائريون في الطرقات، حيث قال إن ظاهرة الزحام المروري تؤثر بشكل سلبي وفادح على النمو الاقتصادي والجاذبية الاستثمارية، كما تؤثر سلبا على التكلفة الإجمالية للشركات ذات المبيعات، بسبب ارتفاع أعبائها المالية الناجمة عن لجوئها إلى زيادة عدد الموظفين للتغلب على عامل الوقت.
وأضاف الخبير أن قطاع النقل والشحن والتوزيع الأكثر تضررا من الازدحام المروري، جراء الصعوبات التي يواجهها التجار والوكلاء الاقتصاديون لإيصال بضائعهم خصوصا التي تقع في المدن الكبرى، إلى جانب الخسائر التي يتكبدها رجال الأعمال جراء كل ساعة تأخير، دون أن ينسى تكلفة الوقود.
ويقترح الخبير كحلول لتجاوز أزمة التكلفة الاقتصادية التي يسببها الزحام المروري، تغيير مواعيد الخروج الرسمية للموظفين والتلاميذ، من أجل تخفيف الضغط على الطرقات وتحقيق الانسيابية المرورية، وضرورة تغيير نوعية نظام النقل وتطوير وسائل النقل الجماعي وتأمينها من طرف الدولة، التي من شأنها التقليل من استخدام السيارات الفردية، أضف إلى ذلك إدراج التنقل السريع لربح الوقت الضائع، والتوجه إلى الرقمنة من خلال تقديم خدمات إدارية عن بعد وضرورة الاعتماد على هذا النظام في جميع الإدارات والوزارات، مما يساهم في تقليص تكلفة الوقود والوقت، إلى جانب القضاء على البيروقراطية.
كما اقترح أيضا إعادة هيكلة الوزارات من خلال إخراج المصالح الإدارية المركزية من العاصمة للتقليص من تدفق المركبات.
الخبير في السلامة المرورية الدكتور عياسني محمد:
استحداث تسعيرة الطرقات لزيادة القدرة الاستيعابية
يقترح الخبير في السلامة المرورية، الدكتور عياسني محمد، من جهته،خلال حديث خص به “أخبار الوطن” وضع تسعيرة الطرقات من خلال تخصيص رسوم على مستخدمي الطرقات، وهي الفكرة التي تعتمد عليها غالبية الدول، من أجل دفع أصحاب المركبات إلى وسائل النقل الجماعي، وزيادة الطاقة الاستيعابية لشبكات الطرقات.