أكد ممارسوا المسرح بالجزائر لـ “أخبار الوطن”، أن الجنوب مقصي من الحركة المسرحية في الجزائر، رغم أنه يعد جزء من تاريخ المسرح الجزائري، إذ لابد أن يسجلها التاريخ في ربيرتوار أبي الفنون.
صارة بوعياد
فتحت “أخبار الوطن” ملف حول الحركة المسرحية في الجنوب، كنوع من إعادة الاعتبار للفن المسرحي بالجنوب لأنه جزء لا يتجزأ من الجزائر، ولم يكن يوما باقي الوطن، وإنما يعد نبض قلبه، غير أنه ومن المعيب أن يكون جنوبنا الكبير مغيب في كل المجالات منها الاقتصادية والمشاريع الخاصة بالتنمية وحتى على المستوى الثقافي والفني.
بالرغم من أن هناك فرق مسرحية عبرت حدود الجزائر وشاركت ومثلت الجزائر أحسن تمثيل عربيا ودوليا، وبإمكانياتها الخاصة وبإبداعها المتميز، وتتوج بالمراتب الأولى وتحصد جوائز تشرف بها الجزائر، بقت في حانة التهميش واللامبالاة.
المخرج المسرحي علي قربون: “هناك مسرح حقيقي في الجنوب يحتاج إلى تنويه”
قال المخرج المسرحي علي قربون ورئيس جمعية الدرب الأصيل للفنون الدرامية من الأغواط لـ “أخبار الوطن”: “إن الحركة المسرحية في جنوب الجزائر، ليست وليدة اللحظة وإنما هناك تاريخ طويل يحكي الحركة المسرحية في ولايات الجنوب، مثل الأغواط، الجلفة، البيض، النعامة، تمنراست، أدرار وغيرها. ومن خلال تاريخ الحركة المسرحية بمدينة الأغواط كنموذج تعود إلى فترة العصور القديمة انطلاقا من العصور الصخرية.
وعليه نستنتج أنه فعلا كان فن الرسم والتمثيل فيما مضى، ولقد اعترف الكثير من المثقفون أن المسرح بدايته كانت من الجنوب وهو ما نفتخر به، علما أن هناك أجيال عملت من قبل في مجال الفن التمثيل، وما نحن إلا هنا لنواصل هذه المسيرة من أجل أبو الفنون.”
وفي حديثه عن تجربته قال قربون: “تكونت وعمري لا يتعدى إحدى عشر سنة بمدينة قسنطينة، وبمدينة مستغانم الرائدة في مسرح الهواة عند كل من الشيخ بلعالم وبن صابر وغيرهم الكثير. وإذا عدنا إلى تاريخ المسرح نجد مسرح الحلقة في أسواق مدن الجنوب، التي كانت تتضمن القوال، المداح، وانطلاقا من هذا التراث تطور المسرح، ولكن أن نجزم ونقول بعدم وجود حركة مسرحية في الجنوب، هذا غير صائب لأن هناك أجيال سبقتنا وهناك مشايخ مارست المسرح قبلنا، وهناك قاعات أنشئت في عهد الاستعمار وما بعده، وفي مدن الجنوب نجد كل من مسرح بسكرة، ومسرح الجلفة ونتمنى أن نحظى بمسرح بمدينة الأغواط التي هي الأخرى تتنفس مسرح.”
وعن التكوين قال قربون رئيس جمعية الدرب الأصيل للفنون الدرامية: “نحن وبإمكانياتنا الخاصة ننتقل إلى التكوين، وهنا أطلب من المختصين في التكوين أن يتصلون بنا ويتقدموا لنا يد العون من أجل التكوين، فمدينة الأغواط لها ممثلين وسينوغرافين معروفين، كما لها ممثلين ومختصين لهم باع طويل في الفن الرابع، فهناك مسرح في الجنوب الكبير مع أني لا أحبب هذه الكلمة إلا أني أقصد بها أن في جنوب الجزائر محترفين في المسرح على جميع الأصعدة التمثيل والإخراج وكذا السينوغرافيا.”
الممثلة المسرحية وهيبة بعلي: “في الجنوب أعمال مسرحية مميزة أبدعت خارج الجزائر”
قالت الممثلة المسرحية وهيبة بعلي لـ “أخبار الوطن”: “توجد بالفعل حركة مسرحية في الجنوب الجزائر وبقوة، حيث نلاحظ أن هناك مهرجانات وأيام مسرحية ونشاطات يقدمها ممارسين المسرح في الجنوب باستمرار، منها مهرجان النخلة الذهبية بأدرار، أيام المونودرام بالأغواط، الأيام الولائية للفرجة والضحك بأدرار، إذ نجد أعمال مسرحية مميزة وبطاقات شبانية مبدعة تمثل الجزائر عربيا ودوليا، فنجد عزوز عبد القادر في تمنراست، عقباوي الشيخ في أدرار، وغيرهم.
وعليه هناك ثمرة مسرح في الجنوب، لكن ليست واضحة المعالم في الجزائر، فكممثلة أمثل الجزائر من تمنراست خارج الوطن، ولدي أعمال أشارك بها خارج الوطن، وتتوج بعدة جوائز وتنال الاستحقاق من الأخر، لكن هنا في الجزائر لا صدى لأعمالنا، فلا ندري أين يكمن المشكل.”
تواصل بعلي عرض المشاكل التي تتعقبها كممثلة مسرحية من تمنراست قائلة: “وإن تحدثنا عن برمجة عروضنا يقال لنا دائما نفس سلسلة الأحاديث التي تنطوي تحت شعار “سياسة التقشف” التي قضت على الابداع والمبدعين.”
تتساءل المبدعة بعلي، “لماذا هذا القطع المتواجد في الجزائر، وحتى الجمهور العاصيمي لا يلاحظ ولا يتعب نفسه لمشاهدة العروض المبرمجة في إطار أيام مسرح الجنوب، وحتى الممارسين المسرح في العاصمة لا يكلفونا أنفسهم لمشاهدتنا إلا القلة منهم، فنتساءل من هو المتلقي، فهل نأتي من الجنوب إلى العاصمة بحكم بناية كالمسرح الوطني، أو على أساس يوجد جمهور يشاهدنا، فنحن كجمعية صرخة الركح من تمنراست لا تصلنا العروض المسرحية، فمن حقنا مشاهدتها وبرمجتها في ولايات الجنوب.”
وبخصوص التكوين قالت: “كانت لنا فرصة في أيام مسرح الجنوب، في مجال التكوين حيث التقى ممارسين من الجنوب بالعاصمة للمشاركة في ورش خاص، لكن نتمنى أن تكون مثل هذه المبادرات مستمرة على مدار الدهر وليس فقط مرتبطة بالمهرجانات لنخرج من نمط المناسباتية، ورغم كل هذه النقائص نحن موجودون فهناك من يبدع ويشتغل بإمكانياته الخاصة، حيث نتمنى أن الأولوية الدعم تكون لصالح الجنوب، وبعيدا عن فكرة الشمال والجنوب هناك فرق وعروض مسرحية تنتج ومن حقها أن توزع ليراها الأخر.”
مستشار ثقافي بحصن 23 جمال سعداوي: “هناك مسرح قائم في الجنوب وليس مجرد ممارسات“
أوضح جمال سعداوي المستشار الثقافي بمركز الفنون والثقافة بقصر رؤساء البحر “حصن 23” لـ أخبار الوطن”، “هناك حركة مسرحية في الجنوب، إذ هناك تجارب تأسست في الجنوب على مدار عقود من الزمن، أسس لها أشخاص وأجيال متعاقبة وأصبحت لهذه التجارب ملامح وخصوصيات، والجميل أن التجربة في الجنوب متعددة ومتنوعة، نجد مثلا تجربة المسرح الشعري الغنائي في واد سوف مع المخرج المسرحي فتحي صحراوي، الذي أسس لهذه التجربة على مر عقود، حيث استطاع أن يستثمر في الثورة الشعرية التي تزخر بها مدينة ألف قبة ويوظفها في المسرح، ومن مدينة توقرت هناك حركة مسرحية بنيت على الفكرة المحلية المعروفة بالمسرح الشعبي، واستطاعت هذه الحركة أن تستمر وتؤسس لنفسها من روادها “مكي السوداني” المختص في مسرح الكبار، وأحمد بوسنينة في مسرح الطفل.”
مبرزا سعداوي تجارب أخرى قائلا: “هناك تجربة توظيف التراث في المسرح بأدرار، خاصة ونحن نعلم أنها مدينة تزخر بالمخطوطات التاريخية وزاخرة بالتراث المادي والشفوي، من روادها “نور الدين بلغيث” الذي أسس لهذه التجربة، واستطاع أن يكشف عن الكثير من الهواة، كما نجد تجربة مسرح الأغواط مع هارون الكيلاني، المعروف بمسرح الطقس وخصوصيات، عن طريق حضوره الخاص وفضائه الخاص، واستطاع مواصلة التجربة إلى غاية اليوم، وكذا نجد في مسرح تندوف اشتغالهم على مسرحية هاملت لشكسبير، ومسرحية نهاية اللعبة لصامويل بكيت، ومن مؤسسيها حليم زربيع وبلى.”
مؤكدا في نفس السياق، “هناك مسرح قائم في الجنوب وليس مجرد ممارسة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف لهذه التجربة والمواهب الجديدة التي اكتشفت أن تظهر وتحترف الفن الرابع أكثر، فمن بينهم الممثلة وهيبة بعلي الممثلة الراقية والموهوبة والتي تستطيع أن تقدم الكثير للحركة المسرحية في الجزائر، لو نستثمر في موهبتها، فضلا على الممثلة مبروكة سرقمة من أدرار، صبرينة هابة من تمنراست.”
متساءل سعداوي، “كيف لنا أن لا نستثمره في إثراء الحركة المسرحية في الجزائر بشكل عام، إذ لابد أن ننظر إلا احتياجات المنطقة التي تحتاج بالدرجة الأولى مرافق للتكوين، من معاهد متخصصة في المسرح بالجنوب، وفتح الجامعات في الجنوب تخصص فنون المسرحية، ونحتاج إلى بناء هياكل في الجنوب للمسرح من أجل الفعل المسرحي للخروج من دائرة المبادرة الشخصية إلى مبادرة المؤسسات، مع خلق فضاءات ومسارح في كل مدن الجنوب مثل ما هو قائم في بسكرة والجلفة، لأن المسافة بين المدن طويلة جدا وبالتالي نوفر عناء التنقل الشاق.”
المخرج المسرحي جمال قرمي: “هناك عروض مسرحية كبيرة في الجنوب أحسن من الشمال“
قال المخرج المسرحي جمال قرمي: “لا نستطيع أن نجزم بعدم وجود حركة مسرحية في الجنوب، لو نتجه إحصائيا نجد تعدد الفرق المسرحية في الجنوب، نسجل تضاعف مستمر للفرق والجمعيات التي تعنى بالفن الرابع، لتبقى الإشكالية في عملية الترويج للعمل وللإبداع هذه الفرق، وعملية التكوين والتوجيه.”
وعن فائدة أيام الجنوبية للمسرح في الجزائر العاصمة، قال: “هذه الأيام يتخللها نشاط مسرحي وترويج وكذا فرصة للتكوين، لأن العاصمة كقطب يستطيع الهاوي التعريف بنفسه وبفرقته بتواصله مع الإعلام، الجمهور وكذا الممارسين، وأجزم أن هناك عروض مسرحية كبيرة في الجنوب أحسن من الشمال، وهي شهادة أقدمها لقيمة بعض العروض، التي تتميز بروح الجماعة الصدق والإيمان في العمل، كيف لا والمقولة تقول “إذا أردت أن تعرف ثقافة بلد فزر مسارحها”.
الممثل المسرحي عبد النور فران: “الحركة المسرحية في الجنوب أعطت نقلة نوعية في السنوات الأخيرة“
قال الممثل المسرحي عبد النور فران ورئيس جمعية أسود الخشبة بأدرار: “إن الحركة المسرحية في الجنوب أعطت نقلة نوعية خاصة في السنوات الأخيرة، فكان التحدي بميلاد فرق وجمعيات جديدة في جنوب، وأدرار كمدينة تضم لوحدها أكثر من 18 فرقة مسرحية، وتضم مهرجان الفرجة والضحك، الذي حاولنا فيه لمس جميع جوانب اللعبة المسرحية المتمثلة في التكوين كونه أساس الإبداع، ففتحنا ورش للتمثيل والإخراج، ومن خلال أيام الجنوب للمسرح بالعاصمة، أولى القائمين عليه أهمية كبيرة للتكوين، فوجدناه كتحفيز منهم، وخطورة رائدة بعد انقطاع المهرجان لسنتين، إذ عاد بنفس قوي من تنظيم ورش للتكوين وملتقيات وندوات وعروض مسرحية، إضافة إلى مناقشات وطاولة حوار وهو الشيء الإيجابي في هذه الأيام.”