بقلم: رياض هويلي
- على مدار الثلاثين سنة الأخيرة، ظل الشعب الجزائري يقاوم من أجل، ثلاثية الحرية، الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ثلاثية ظل يحملها في صدره قبل أن يصدح بها في الشارع عام 1988 ، ولأن الحرية والعدالة والديمقراطية من حيث هي قيم تحتاج إلى رعاية للنمو، فقد أجهض العنف السياسي الذي شهدته الجزائر مطلع التسعينيات المسار الديمقراطي واغتال الحلم في العدالة الاجتماعية، وباتت الحرية أسيرة العنف..
في سنوات النار والدمار، حيث بلغ الجنون مداه، وأصبح البقاء على قيد الحياة، وحده أمل الجزائريين، انسحب المواطنون من العمل السياسي، مما زاد الأمر تعقيدا سيما في ظل انهيار مؤسسات الدولة. هنا برزت المؤسسة العسكرية بفروعها الأمنية كفاعل في العمل السياسي، وظهرت النخبة ضعيفة، متهلهلة، تلاحقها نظرات الاتهام على خلفية الانحدار نحو العنف..فازداد الوضع سوءا، إنها القطيعة بين: الشعب، النخبة،الجيش، فما العمل؟
في مثل هذه الأزمات المجتمعية، بإبعادها السياسية والأمنية، يعود الحديث عن التعبئة والتجنيد، وتعود الحاجة إلى خطاب التصالح، ومحاولة كل طرف النأي بنفسه عن حجم الدمار الذي خلفه الاعتداء على فضائل الحوار، اغتصاب الحق في الاختلاف، السعي للسيطرة بدل التكامل، إبعاد الشعب من معادلة الحكم، الاستخفاف بالانتخابات كآلية حضارية للتعبير الديمقراطي الحر، وسلوك مواطناتي يجسد قواعد الديمقراطية التشاركية. في مثل هذا المستوى عاد الغمز واللمز بين المؤسسة الأمنية المستترة والنخبة السياسية والفكرية الظاهرة، الأولى تتهم النخبة بالعطب السياسي المفضي إلى عدم تحمل المسؤولية، والثانية تتهم الأولى بانتهاج سياسة الاحتواء بدل التكامل، وبينهما شعب كتم صوته وأخفى ما في سريرته، فطيلة حكم الرئيس المخلوع، عبد العزيز بوتفليقة، استسلم الجزائريون لنزوات الحكم الفردي الذي أيدته ودعمته قوى المصالح،فتحالفت البيروقراطية الإدارية المتعفنة مع الواجهة السياسية الفاسدة بحضور المال السياسي المشبوه،… عاد الخوف من جديد، الخوف على وطن أسقط في مستنقع الفساد، والخوف على مجتمع ظهرت عليه ملامح التفكيك من الداخل، والخوف على إنسان أصبح مرادف للفساد والضياع..المرحلة صعبة، والمصاب جلل، هل استسلم الجميع؟ هل سلمنا أنفسنا للانهيار؟ أين الجيش؟ أين السياسيون؟ أين الشعب؟
مرة أخرى، تقتضي الأزمة العودة إلى ثلاثية: الشعب، الجيش، النخبة، ومرة أخرى تعود ثلاثية: الحرية، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، لكن هذه المرة أيضا يعود سؤال مصيري: من يحكم من؟ على شاكلة ما عشاه تسعينيات القرن الماضي: من يقتل من؟
في نهاية المطاف، انتفض الشعب، وتعهد الجيش بالمرافقة، واختلفت النخبة حول طرق واليات الحل…عدنا مرة أخرى للمربع الأول: احتواء أم تكامل، مرافقة أم سيطرة، شرعية شعبية أم دستورية؟
بين أكتوبر وفبراير، آمال شعب في الحرية والعدالة والديمقراطية، وبين أكتوبر وفبراير، جيش بمنهجين: سيطرة ومرافقة.
وبين أكتوبر وفبراير تبقى الجزائر تنادي أبناءها من اجل تكامل قوامه الحوار والتعايش.