- رياض هويلي
بمصادقة مجلس الوزراء، في اجتماعه أول أمس، على نص المشروع المانع للعسكريين من الترشّح بعد التقاعد ولمدة خمس سنوات كاملة أو ممارسة أي نشاط حزبي، تكون المؤسسة العسكرية قد استكملت – أو تكاد – مشروع تحييد العسكريين عن السياسة. فما هي خلفيات هذه الخطوة؟ وهل صحيح أن الجيش ماض في ترسيم القطيعة مع الحياة السياسية أم أن الأمر مجرد حسابات تكتيكية ظرفية؟
في الواقع، إن التعديل الذي أقدم عليه مجلس الوزراء المنعقد أول أمس، برئاسة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح وبتقديم من نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس هيئة أركان الجيش، الفريق قايد صالح، وإن ظهر جديدا وظرفيا، إلا أن جذوره تعود إلى ثورة التحرير المباركة وبالتحديد إلى مؤتمر الصومام، حيث أثيرت مسألة ضبط العلاقة بين السياسي والعسكري. طرحٌ وإن كان في سياقه التاريخي قد لقي نوعا من الرفض بين قيادات الثورة لحسابات تاريخية يجب أن تفهم في سياقها وظرفها، إلا أنها في المدة الأخيرة أصبحت أكثر قبولا وأكثر إلحاحا من قادة الجيش أنفسهم من السياسيين أحيانا.
يقول التبرير الذي استند إليه الفريق قايد صالح، لدى عرضه مشروع القانون المتمم للأمر رقم 06-02 المؤرخ في 28 فيفري 2006 والمتضمن القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين، إن العسكري المقبل على التوقف نهائيا عن الخدمة في صفوف الجيش يبقى في وضعية العسكري الاحتياطي، وهي فترة تجعله في وضعية قانونية “متعارضة مع أي نشاط سياسي حزبي أو الترشح لوظيفة انتخابية عمومية”، وهذا لمدة خمسة (05) سنوات ابتداء من تاريخ التوقف. ومعنى هذا، ان تهافت العسكريين سيما الضباط منهم على النشاط الحزبي، وانخراطهم في الجدال السياسي سيصبح ممنوعا. وبحسب بعض المراقبين ممن تحدثت إليهم ” أخبار الوطن”، فإن دخول العسكريين في النقاشات السياسية قد يودي بهم إلى التأثير على المؤسسة العسكرية، خاصة أن الأحداث الأخيرة أثبت أن انخراط بعض الضباط في الجدال السياسي جعل البعض يتخذه مطيّة لإقحام الجيش في اللعبة السياسية أو إعطاء إيحاءات بأن الجيش يأخذ موقفا معينا.
وبالعودة إلى الأحداث التي شهدتها الجزائر، فإن الجيش ظل دائما حاضرا في المعادلة السياسية سواء بضميره الحاضر أو قبعته المستترة، ففي سنة 1999 وبعد انسحاب المترشحين الستة، قال السياسيون إن الجيش اختار مرشحه والذي طرده الشعب بعد 19 سنة من الحكم وبدعم الجيش أيضا. وفي 2004، تحدثت وسائل الإعلام وحتى كبار المسئولين، عن اختلاف بين رأسي المؤسسة العسكرية آنذاك، حيث تحدثت مصادر عن دعم قائد الأركان – وقتها- الفريق محمد العماري للمترشح علي بن فليس، فيما اختار الفريق توفيق مدير دائرة الاستعلامات والأمن دعم بقاء المخلوع في الحكم، وقد ترتب على هذا الاختلاف إعادة النظر في تركيبة المؤسسة العسكرية، ومع اشتداد المرض على الرئيس المخلوع بداية من 2013، طالبت الطبقة السياسية الجيش بضرورة التدخل لإبعاد بوتفليقة المريض، إلا أن الفريق احمد قايد صالح كان دائما يرد بأن الجيش لن يكون له موقفا سياسيا وسيظل في إطار دوره الدستوري، واستمر الوضع على ما هو عليه إلى غاية انفجار الشارع في 22 فبراير 2019 ضد نظام العصابات، وإعلان قائد الأركان أن الجيش يسطف مع الشعب ويرافقه في مطلبه قبل أن يطلب من المخلوع في مارس تقديم استقالته فورا، استجابة لنداء الشعب. ورغم هذه الخطوة إلى أن منحى الأحداث لاحقا جعل الكثير من الناشطين يعتقدون أن الجيش صادر القرار السياسي، وانه يريد تحديد معالم المرحلة المقبلة لوحده، وهو ما جعل الفريق أحمد قايد صالح يتعهد، في خطاباته المتكررة كل يوم ثلاثاء، بأن الجيش ليس له أي طموح سياسي وهو شخصيا ليس له أي طموح، وأن الانتخابات التي يرافع عنها تعتبر المخرج الأوحد للازمة في ظل رفضه لأي حل غير دستوري – على حد وصف خطابات الجيش.
وفي كل الأحوال، فإن النأي بالعسكريين عن السياسة، والنأي أيضا بالمؤسسة العسكرية عن الصراعات السياسية والمواقف ذات العلاقة بالحياة اليومية للجزائريين، يجب أن يوضع في سياق مشروع الاحترافية الذي شرعت فيه المؤسسة العسكرية منذ مطلع الألفية، والذي يعتمد على التكوين والعصرنة والابتعاد عن تجاذبات الشأن العام، حتى تكون المؤسسة العسكرية الضامن للأمن والاستقرار، والجامع لكل الجزائريين.