- بوضياف “فلتكن ثورتنا بالجــــماعة لا بالـــــزعامة”
- بوضياف” خلوني نفجر ثورة حتى بالقرودة نتاع خراطة”
- مصالي”من أنتم ؟ حتى تفجرون ثورة من دوني”
الـحــلــقة الرابعة :
يستكمل ضابط جيش التحرير عن الولاية الأولى أوراس النمامشة الرائد محمد صغير هلايلي، في الجزء الرابع من هذه الشهادة التاريخية الثرية،عن لقاء مجموعة 22 واللجنة الثورية للوحدة والعمل،والستة المفجرين،الذين عرضوا زعامة الثورة على مصالي الذي رفضها،والثورة حسبه وجب أن تبدأ على المركزين قبل الاستعمارين،ثم عرضها القادة الستة على الدكتور لمين دباغين،ورفضها تحت مقولته الشهيرة”لا أركب قطار قد انطلق” ثم تم عرضها على الحكيم عبد الحميد مهري،الذي لم يقبلها ولم يرفضها،هنا قرر القادة الستة أن يخوضوا ثورة تحت قيادة الجماعة والتخلي عن الزعامة،باقتراح من محمد بوضياف، أشد المتحمسين والمستعجلين للثورة،حتى قال غاضبا وحانقا، في اجتماع 22 عندما رأى ثمة متلكئين ومتململين “خلوني نفجر الثورة حتى بالقرودة نتاع خراطة”، وأتبعه بكاء سويداني بوجمعة وصرخته وهو يردد في الاجتماع”هل نحن مناضلين حقا” في هذه الأجواء جاء ميلاد اللجنة الثورية للوحدة والعمل،لتباشر على الفور الإعداد الأخير ما قبل التفجير،كل هذه الشؤون وتلك الشجون،تتطلعون عليها في الجزء الرابع من هذه الشهادة الحصرية.
ــــــــــــــــــــ فـاروق مـعـزوزي ــــــــــــــــ
كان قد تنقل بن بولعيد إلى العاصمة لحضور اجتماع دعت إليه قيادات لوس،والذي تحول إلى ماعرف عليه بإجتماع 22 الشهير،ماهي تفاصيل هذا اللقاء من خلال ما تناهى لكم عنه؟
كان كل من محمد بوضياف والعربي بن المهيدي وديدوش مراد..وغيرهم،قد اقتنعوا أن خطاب الصالونات لا تنفع،والدليل أن المركزيين و المصاليين وافقوا على حل المنظمة الخاصة مباشرة بعد كشفها سنة 1950،وهذا كان سندا كافيا لمضيهم في الحل الثوري الذي بات خيار لا مناص منه في ظل،الاستقطاب الحاد والاصطفاف الفج بين المصالين والمركزين،وكان جدول أعمال هذا الاجتماع،يتمحور على النقاط التالية: تقيم نضال ربع قرن من العمل السياسي دون جدوى،وتقيم نتائج مجزرة 8 ماي 1948 والتعهد بعدم ذهاب دماءهم سدى،ومناقشة قرار حل لوس من طرف الحزب،وتقيم عمل المناضلين المطاردين الذين لم يعودوا يطيقون الاستمرار في ضل المضايقات والاعتقالات والسجون،وتقيم مطالب المجتمع الذي ينتظر منهم حل،قبل أن ينفض يديه منهم ومن انقساماتهم وتجاذباتهم.
كيف كانت كواليس الجلسة وكيف سيّر النقاش الذي طبع عليه الاختلاف والتباين في الرأي والمواقف الحادة والمواقف المضادة؟
من خلال النقاش ظهرت ثلاث خيارات متباينة حول الفعل الثوري وتوقيته ومن يدعوا له،وفعلا كان النقاش حاد ومحتدم،وكل فريق كان يدافع عن خياره بشراسة.
مقاطعا..ماهي الخيارات الثلاثة ومن تزعمها؟
فالخيار الأول تزعمه محمد بوضياف والعربي بن مهيدي وديدوش مراد،ومصطفى بن بولعيد،وخلاصته المضي مباشرة لتفجير الثورة تحت عدة مبررات أهمها ما احتل بالقوة لا يخرج إلا بالقوة،والخيار الثاني تزعمه المركزين،ومفاده نعم نحن مع تفجير الثورة ولكن ضرورة التحضير لها،والخيار الثالث تزعمه المصالين،وفحواه أنهم يرفضون الثورة رفضا باتا،إلا إذا ناد بها مصالي،والثورة دونه لن تكون.
كيف تم حسم الجلسة في ظل خيارات جد متباينة،وإصرار كل طرف على التمسك برأيه وموقفه؟
في ضل هذه الأجواء المشحونة بالمدة والجزر في النقاش،انتفض بوضياف،وقال “خلوني ندير ثورة وحدي حتى مع القرودة نتاع خراطة”،فيما مصطفى بن بولعيد قدم حوصلة شاملة على ما حضره في الاوراس من رجال وسلاح وقال لهم” نضمن لكم تفجير ونضمن لكم كذالك الصمود و الاستمرار لعام كامل” أما المصالين والمركزين ظلوا على تنابزهم وتنازعهم،في هذه الذروة من نقاش صرخ وبكى سويداني بوجمعة،حتى ساد السكوت والسكون الاجتماع،وهو يررد” ياخاوتي قولونا هل نحن رانا مناضلين”.
مالذي حدث بعد هذه الصرخة المؤلمة والمكلومة؟
تم الاتفاق على تكوين أمانة أو هيئة،من خمسة مناضلين،تتكفل بالتحضير للمؤتمر الوحدة.
كيف تم اختيار أعضاءها؟
العملية تمت عبر الاقتراع السري،أشرف على فرزه بن بولعيد،الذي وجد اسمه قد فرزه الصندوق، ولدهائه أعلن أمام الحضور أن التصويت كان من نصيب محمد بوضياف،تم إعادة التصويت للمرة الثانية،كون محمد بوضياف لا يمثل حالة إجماع داخل اجتماع 22 كونه يجنح لخيار الثورة المسلح والمباشر والسريع،وفي التصويت الثاني،تم اختيار بن بولعيد للمرة الثانية،ليخبر الحضور أن المصوت عليه مرة ثانية هو محمد بوضياف،ورفعت الجلسة.
مقاطعا..مالذي جعل مصطفى بن بوبلعيد يعزف على اسمه ويقدم اسم محمد بوضياف؟
هنا تبرز عبقرية مصطفى بن بولعيد، في هذه الظروف كان قد قطع أشواط كبيرة وكثيرة من الإعداد والتحضير لتفجير الثورة في الأوراس،وفي حالة قبوله أي منصب أو دور أو مهمة قيادية وطنية،لا محالة سيشغله على الفعل المقدس وهو تفجير الثورة،وبهذا السلوك النضالي النزيه آثار بوضياف على نفسه.
مقاطعا..لماذا تحديدا محمد بوضياف دون غيره؟
أعتقد مخلصا،أن مصطفى بن بولعيد،الذي قال للحضور،انه يمكنه تفجير الثورة ويضمن استمرارها سنة كاملة، كان صادقا في كلامه وهو ماحدث بالفعل،وكل ما كان يحتاجه بن بولعيد ان تكون ثورة وطنية لا أوراسية فقط،فكان ينقصه فقط الشرارة وربما بوضياف كان هو الشرارة،كونه كان متحمسا لحد التطرف لإشعال الثورة ولو بقردة خراطة كما قال في الاجتماع،ناهيك عن تفرغ بوضياف للمهمة،لان بن بولعيد كان نصب عينه أمرا واحدا،وهو العودة لأوراس وتفجير الثورة وهو ما حدث بالفعل،وفي هذا المقام لا ننسى قولته الشهيرة “لازم نخلقوا الثورة أي “نولّدوا التاريخ “حسب قوله.
كيف تم اختيار الأعضاء الخمسة و ماهو الدور المنوط لهذه الأمانة أو اللجنة .
قبل الإجابة،نحن نتذكر كيف عاد محمد بوضياف من فرنسا،وهو يحمل بيان يعد خارطة طريق في جيبه سميت “نداء العقل” وهي خلاصة تحاوره وتشاوره مع مناضلين الحزب في المهجر،والذي بدأ لي انه انتزع منهم موافقة ولو مبدئيا لتوجه للعمل المسلح،وعلى إثرها تكونت اللجنة الثورية للوحدة والعمل،بهدف التحضير وعقد مؤتمر للوحدة،لوضح حد لانقسام،ثم التوجه لتحضير الثورة.
مقاطعا..حدثني عن أعضاء،اللجنة الثورية للوحدة والعمل،وكيف تم اختيارهم؟
من أعضاء محمد بوضياف ومصطفى بن بولعيد وديدوش مراد وبن مهيدي ورابح بيطاط،ولإضفاء المصداقية على هذه اللجنة وقبولها من طرف المركزين تم إلحاق عضوين منهما أساسين،وهما بشير دخلي مسؤول التنظيم في الحزب،وبشبوبة المراقب العام في الحزب،وهذين المذكورين عندما رغب الحزب في حل اللجنة الثورية للوحدة والعمل،أوعز لهم بالانسحاب،وتم حلها في اكتوبر 1954 ولم يأسف بوضياف ورفاقه على حلها،لأنها لم تحقق الهدف المنشود وهو عقد مؤتمر الو
عود على بدء،إلى اجتماع 22،الذي انتخبت فيه أمانة الخمسة ولكن سجل غياب ممثلا عن منطقة القبائل؟؟
لأمانة في هذه الظروف وفي هذا الاجتماع بالذات رفض بن بولعيد أن يفجر الثورة دون منطقة القبائل،التي كانت يمثلها كريم بلقاسم عن حزب الشعب،والذي لم يحضر اجتماع 22 كونه مازال وفي للنخاع لأطروحات مصالي،هذا الأخير يرى في نفسه أن الثورة بدونه باطلة.
كيف تم الاتصال بكريم ومن اتصل به وكيف كان رد فعله؟
إتصل مصطفى بن بولعيد بمعية محمد بوضياف بكريم بلقاسم عن طريق عمر أوعمران،رفيق وصديق كريم بلقاسم،وتم اللقاء الأول في مقهى العريش،وكانت النتيجة رفض كريم لمقترحهم والتمسك بخيار مصالي الحاج،هذا الأخير يرى أن الثورة الأولى لابد أن تكون على المركزيين قبل الفرنسيين الاستعماريين،ليعاود بن بولعيد الكرة ثانية ويلتقي بكريم بلقاسم في بيت نذير قصاب،وكان رفقة كريم كل من موح الطويل ومحمد زعموم،وسعيد،وبعد نقاش طويل رفض كريم بلقاسم العرض للمرة الثانية،وتجدد لقاء ثالث بين الخمسة وكريم وجماعته،هذا الأخير طلب منهم ” مخ الهدرة” حول كيفية إشعال الثورة،فأجابوه بأنهم صادقون في مسعاهم،لكن لا يملكون خاتم سليمان،وكل ما يملكون هو العزيمة والإرادة والإصرار،هنا رد عليهم كريم “هذا الكلام لي نحب نسمعه” ثم طلب منهم أن يتركون له فرصة للتفكير والتشاور.
مقاطعا ..مع من يتشاور؟
بعد هذا اللقاء ذهب كريم لمقر الحزب المركزي والتقاء بأعضاء المكتب السياسي منهم المقربين من مصالي،وطرح عليهم،سؤلا واحدا،هل انتم مع الثورة أم ضدها؟هنا رد عليه مولاي مرباح بقول خشن” كون تزيد تعاود هذه الهدرة راك تتعاقب عليها” عاد كريما غاضبا وحاسما أمره،والتقاء مع مصطفى بن بولعيد ورفاقه،وأعلن انضمامه ممثلا لمنطقة القبائل وصارت مجموعة الخمسة،مجموعة الستة التاريخية،التي حضت بشرف إعلان الثورة.
لماذ رفض مصالي تزعم الثورة،قبل أن يقرر الستة إعلانها؟
الحقيقة كان القادة الستة،يبحثون عن زعيم يتزعم الثورة ويتبناها،حتى تنجح وتعم الثورة في كل أرجاء الوطن،وتقنع الجماهير بها،لأنهم وقتها لم يكونوا معروفين لدى الشعب بما يكفي لإشعال ثورة،لم يفكرون قط بأن يتزعمونها،وهنا تم تكليف مصطفى بن بولعيد،الذي ظلت تربطه علاقة جد ودية مع مصالي الحاج،هذا الأخير كان يرى بعين الرضا لبن بولعيد،الذي عرضها عليه في أول لقاء،فرد عليه مصالي بقول فيه كثير من احتقار” وشكون نتوما لي تفجروا ثورة من دوني”،عاد إليه بن بولعيد مترجيا مرة ثانية وكان الرفض هو الرد،ليذهب له بن بولعيد في المرة الثالثة مسافرا له حتى إلى فرنسا وهي كانت أخر زيارة لمصالي ولفرنسا،وحاول جاهدا إقناعه،لكنه رفض وعاد وبلغ المجموعة.
كيف كان ردهم على رفض مصالي؟
قرروا عرضها على الدكتور لمين دباغين المقيم في مدينة العلمة(سطيف) ورد عليهم بقوله المشهور” لن أركب قطار قد انطلق” واعتذر منهم،ليتوجهوا لعبد الحميد مهري،الذي رد بصمت دون ان يقول نعم أو لا،هنا قرر القادة الستة وباقتراح من محمد بوضياف،بضرورة التخلي عن فكرة الزعامة وتبني فكرة الجماعة،بمعنى الذهاب للقيادة جماعية.