تونس اليوم درس عربي حقيقي في التداول السلمي على السّلطة، وميلادُ ديمقراطية شعبية أثبتت أن صوت الشعب بإمكانه صناعة الفارق، بعيدا عن حسابات الغرف المظلمة، وعن سياسات المحاصصة و”الكوطات” والقفز فوق الإرادات التي ميزت المنطقة العربية، منذ عقود من الزمن.
ولأن المسارات الديمقراطية ارتبطت ارتباطا وثيقا بالغرب، فإن التجربة التونسية – من بدايتها إلى يوم تنصيب قيس سعيد رئيسا للجمهورية التونسية، أعادت الأمل لربوع المنطقة العربية التي أفنتها حروب السلطة والتناحر على الكراسي، وجعلت من المنطقة بؤرة من بؤر التّوتر والتّخلف والحروب.
ماجرى اليوم في تونس خلاصته مايلي:
يمكن للدول والشعوب العربية أن تختار بكل حرية وشفافية رئيسا ومؤسسات، شريطة الإقرار بحق كل مواطن في الاختلاف السياسي والاجتماعي والثقافي والعقائدي، واعتراف كل طرف بأحقية الآخر في الحرية والدفاع عنها كمكسب غير قابل للصّرف ولا للاختزال ولا للقسمة.هذان الشرطان (الإقرار بالاختلاف والاعتراف بالحرية للآخر) حتما سيقودان إلى إرساء قاعدة التعايش السلمي وفق قواعد مضبوطة وصارمة ستشكل لا محالة مع تراكم التجارب عقدا اجتماعيا يلتزم به كل ساكنة البلد ومؤسساته.
في تونس اليوم، المواطن رابح لأنه اختار بكل حرية واختياره مجسّد في الميدان، وفي تونس ذاتها، مؤسسات الدولة رابحة اليوم، لأنها كسبت احترام المواطن ولكن الأهم نالت ثقته، والنتيجة أن التلاحم الآن بين مؤسسات الدولة والمواطنين لابد أن تكون به تونس قوية ومتينة، وهذه هي غايات الديمقراطية التي لم تستطع استيعابها أنظمة القمع والفساد.