في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ القضاء الجزائري، يمثل غدا ثلاثة من كبار المسؤولين في الدولة أمام قضاة المحكمة العسكرية بالبليدة، بتهم تتعلق بالمساس بوحدة الجيش والتأمر على سلطته والمساس بسلطة قائد تشكيلة عسكرية، الأمر هنا يتعلق بالسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المخلوع والحاكم الفعلي للجزائر منذ عام 2013، أي بعد الجلطة الدماغية التي أقعدت شقيقه عبد العزيز، ومحمد مدين المشهور باسم الفريق توفيق، الذي ترأس دائرة المخابرات والأمن لفترة فاقت الربع قرن، والذي كان مجرد ذكر اسمه يرعب الموالين قبل الخصوم، فالرجل لم يعرف له الجزائريين على مدار ربع قرن من الزمن، لا صوت ولا صورة (كانت هناك صورتان تتداولان على الانترنت)، هذه السرية التي ضربت على الرجل، والحكايات التي نسجت عنه من قبل بعض المقربين من الأجهزة، جعلت الفريق توفيق ،يبدو كشبح، بل أسطورة وصلت إلى حد وصفها من قبل الخصوم بـ”رب الدزاير”، أما منسق المصالح الأمنية، بشير طرطاق، الذي سطع نجمه مباشرة بعد إقالة الفريق توفيق وأصبح مقرب من القصر بأميره الغاصب – السعيد بوتفليقة – فهو أيضا من بين الذين يحكى عنهم جبروتهم وطغيانهم لما كان، ولكن أيضا ميله للسعيد بوتفليقة والانصياع لشهوته في بسط نفوذه على مؤسسات الدولة.
صور هؤلاء الثلاث التي بثها التلفزيون الرسمي منتصف نهار يوم 04 ماي داخل حرم المحكمة العسكرية بالبليدة، وهم مرفقون بضباط الأمن، لتقديمهم أمام الوكيل العسكري، حطمت كل الأساطير، وأسقطت كل الأوهام، وأدرك الجزائريون حينها أن التواطؤ والتزلف وحده من صنع من هؤلاء “جبابرة” مستغلين مؤسسات الدولة وإمكانياتها وأدواتها القانونية والسياسية والأمنية والمالية لبسط سيطرتهم والتحكم في أغلال الناس، ولأن ثقل الصورة لم تكن أقل ثقلا من التهم الموجهة لهؤلاء، وهي تهم أقلها عقوبة الإعدام مثلما تنص عليه المادة 284 من القانون العسكري، والمادتين 77 و88 من قانون العقوبات، فقد استبشر الرأي العام خيرا، بإمكانية انتقال الجزائر إلى عهد جديد، عهد يقوم على المحاسبة ومتابعة كبار المسؤولين، فيما تحفظت أقلية من الجزائريين واعتبروا الأمر تصفية حسابات، خاصة وان عملية اعتقال السعيد بوتفليقة والفريق توفيق واللواء بشير طرطاق سبقتها تحذيرات من قائد الأركان نائب وزير الدفاع الوطني، الفريق احمد قايد صالح، بعد تسريب معلومات عن اجتماع مشبوه للثلاث يوم 30 مارس 2019 في خضم تصاعد الحراك الشعبي ضد العهدة الخامسة، وانحياز الجيش آنذاك لمطالب الجزائريين وإعلان قائد الأركان صراحة بضرورة تطبيق المادة 102 من الدستور قبل أن يطالب صراحة بضرورة الاستقالة الفورية للرئيس بوتفليقة، الاجتماع المشبوه الذي كان يستهدف إقالة قائد الأركان الفريق احمد قايد صالح، وإعلان حالة الطوارئ، ومنع المظاهرات، وتشكيل قيادة انتقالية برئاسة الرئيس السابق ليامين زروال، تم كشف خيوطها في حينها من قبل الجيش، ثم اعتراف الرئيس ليامين زروال ولاحقا اللواء خالد نزار الذي اقر باستشارته من قبل السعيد بوتفليقة حول فرض حالة الطوارئ والدخول في مرحلة استثنائية.
محاكمة الفريق توفيق والسعيد بوتفليقة و اللواء بشير طرطاق بعد استكمال التحقيق معهم، إن لم تتأجل غدا، من شأنها أن تكشف ملابسات مرحلة حرجة من تاريخ الجزائر، مرحلة عرف فيها القصر دسائس ومؤامرات وصراعات ونهب مبرمج لثروات الجزائر. كما من شأنها أن تعيد أمل الجزائريين في إمكانية استعادة العدالة لدورها وبناء دولة القانون.