الجزائر – أخبار الوطن | لم تشهد العلاقة بين الصحافة والمواطن توترا مثل ذاك الذي شهدته منذ اندلاع الحَراك الشعبي السلمي يوم 22 فيفري 2019؛ حيث بدا واضحا للعيان أن العلاقة بين الطرفين غير عادية أو – على الأقل – تعاني اختلالا عميقا.
فما هي أسباب هذا التوتر؟ هل هناك تقصير من قبل الصحافة في خدمة المواطن، ومنه المجتمع؟ أم أن المواطن يطالب الصحافة بما يفوق طاقاتها؟ ما الذي يمنع الصحافة من خدمة المواطن؟ أليست السلطة هي سبب هذه الأزمة بين الصحافة والمواطن؟ لماذا لا يتجه المواطن لدعم الصحافة ضد ضغوط السّلطة وجماعات المصالح؟ أم أن الصحافة تواطأت لخنق صوت المواطن؟!
بادئٍ ذي بدْء، وجب الاعتراف بأن الاحتفال باليوم الوطني للصحافة الذي أقرّه الرئيس المخلوع شعبيا، عبد العزيز بوتفليقة، يأتي في أجواء غير سعيدة بسبب نظرات الخيانة التي تلاحق صاحبة الجلالة وأبناءها من قبل شريحة واسعة من الجزائريين؛ فمنذ خروج الشعب الجزائري في مسيرات شعبية عمّت أرجاء الوطن، وتقاعس الصحافة في نقل انشغالاته ورفع مطالبه مباشرة بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع، بدا التشنج الذي سرعان ما أخد شكلا لازمة حقيقية، حيث أصبح وجها من الحَراك يطارد الصحفيين والقنوات مقابل رفعه شعارات ممجدة لقنوات تبثّ من وراء البحار، انخرطت في مسعى دعائي غير موضوعي لما يشهده الوضع في الجزائر. هذا الوضع فجر نقاشا حادا على المنصات الاجتماعية، وفتح المجال واسعا للتساؤل حول استقلالية الصحافة، وإمكانية خضوعها لشبكات الولاء وجماعات المصالح.
في الواقع، تؤشر المعطيات المتوفرة ميدانيا على أن الأزمة بين الصحافة والمواطن هي أزمة مجتمع برمّته قائم على علاقات غير سليمة؛ فلا البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعكس الواقع الحقيقي الذي هو عليه مجتمع ا يبقى دون تأطير واضح المعالم. ففي الشق المتعلق بالممارسة الصحفية، نجد أن صاحبة الجلالة ما تزال دون تأطير قانوني، ولعلّ عدم تنصيب الهياكل المؤطرة للمهنة – منها سلطة الصحافة المكتوبة، وتطبيق قانون السمعي البصري، وقانون الإشهار والاتصال وسبر الآراء، والمجلس الأعلى لأخلاقيات المهنة- واحد من الأسباب التي جعلت كل السلطة واللوبيات وجماعات المصالح تتكالب على الصحافة، في محاولة لاحتوائها أو توجيهها باستخدام الفراغ القانوني أحيانا، ومصادر التمويل في كثير من الأحيان.
هذا الواقع المرير الذي تعيشه الصحافة بإصرار من الحكومات المتعاقبة وبتواطؤ من بعض ملاّك وسائل الإعلام، الذين تحولوا إلى أباطرة يصارعون من أجل اقتسام الريع، وضع المهنة في مواجهة حقيقية مع المجتمع، مجتمع ظل يأمل في الصحافة أن تبقى صوته في ظل الخناق الممنهج الذي مارسته عليه كل القوى الفاعلة – سواء السلطات المتعاقبة أو جماعات المصالح. وزاد تشبت المجتمع بالصحافة بصفتها لسان حاله عندما شعر أن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني خانته، بل باعته في سوق النخاسة تحت عناوين عريضة، لكن خلاصتها تقاسم المغانم والمكاسب الناتجة عن تأييد ودعم سياسات الحكومات المتتالية.
ولأن المجتمع يشهد تحولات كبيرة في نضاله من أجل الحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فقد كان ينتظر من الصحافة أن تكون صوته، إلا أن الضغوط التي عرفتها وسائل الإعلام من قبل السلطة، باعتراف أصحابها أو بإقرار القائمين عليها، وضعت الصحافة في مواجهة مفتوحة مع المواطنين، ليبلغ الأمر درجةَ الاعتداء على رجال الصحافة ونسائها في الشارع.
والحقيقة أن رجال ونساء الصحافة، وإن كانوا يتحملون الوِزر الأكبر في تدهور علاقاتهم بمحيطهم الاجتماعي، إلا أنه لا يمكن تبرئة المجتمع الذي وقف في الكثير من الأحيان وفي العديد من المحطّات متفرجا على غلق مؤسسات إعلامية، وجرّ صحفيين إلى السجون وتجويع عائلاتهم؛ لذلك وجب فتح نقاش موضوعي من أجل تحصين الصحافة وتأمينها وتحقيق استقلاليتها بما يضمن الخدمة العمومية ويجعلها في مرتبة المُقدس.