لستُ من الذين يؤمنون بكون السِّلَطُ يمكن أن تكون صادقة في الاحتفاء بالصحفيين؛ لعدة اعتبارات تاريخية وواقعية تتعلق في الأساس باختلاف التصورات والأهداف. وفي الجزائر – وإن سارع الإخوان إلى الاحتفال تحت رعاية فلان أوعلان – فإنهم يتناسون مسلَّمةً أساسية حكمت العلاقة بين السلطة الرابعة وغيرها من السِّلَطُ؛ وهي محاولة التدجين والاحتواء. ولم يكن الأمر أعسره أكثر مما كان في عهد بوتفليقة، وهو الذي أهان القطاع وعطل استكمال مسارات التصحيح فيه، من خلال عمليات تواطؤ مفضوحة بين ملاك المؤسسات الإعلامية وعصابة الرئيس المخلوع.
ولست هنا في مقام الرمي على – سيارة الإسعاف – بالقدر الذي أحاول فيه سرد وقائع وأحداث مرحلة كاملة أخذت منا نصف العمر وأكثر، فقد تاه الصحفيون بين القوالب الجاهزة والتي تعطي الانطباع بكون الإعلامي – في النهاية – شخص “واصل ” ويمكنه أن يتدبر أموره.
وبين واقع مهني تَعِس أتى على ما تبقى من أوهام العظمة، لأن ما في داخل قاعات التحرير هو العار ذاته.
ولست ألوم هنا عصابة بوتفليقة التي تمكنت من تدجين الإعلام بقدر ما أقسو على نفسي وزملائي الذين استكانوا وخضعوا لأوامر أصحاب دكاكين الإعلام. أذكر هنا فقط حادثة تعبر عن واقع ما عشناه في الأيام الأخيرة لعصابة بوتفليقة، وهي حقيقة معبرة؛ فقد حررت رفقة الزملاء رياض هويلي ورشدي رضوان وفطاني الطاهر بيانا إعلاميا نشجب فيه محاولات التدجين والتعتيم على الحَراك، بل ودعونا إلى انتفاضة الإعلاميين فقامت الدنيا علينا ولم تقعد. وإن كنت ارغب في الاحتفاظ بالكثير من التفاصيل لأن المجالسَ أسرارٌ، فإن ما حز في نفسي أن الكثير من الإعلاميين رفضوا حتى التجاوب مع الموقف بسبب خوفهم وجبنهم وكثير منهم كتب تقارير وافية شافية عن “المشوشين الأربعة” أرسلت إلى مخزن العصابة في وادي حيدرة، واطلعت على واحد منها! فكيف تتوقعون ونحن بهذه الضحالة والهُزال أن يُرفع الغبن عنا؟ نحن من يصنع الرأي العام ويوجه السياسات ويكسر شوكة المستبدين. ..لكن ذاك شيء في حكم المفترض.