في اليوم التاسع عشر لاستئناف آلة الحرب الصهيونية عدوانها المفتوح على قطاع غزة، يتواصل مشهد الإبادة الجماعية الذي يطال البشر والحجر، دونما رادع أو مساءلة.
ومع كل غارة جوية ، تُطوى صفحات من حياة الفلسطينيين، وتُطمس معالم مدن وقرى كانت شاهدة على صمود طويل.
رفح، خان يونس، النصيرات، دير البلح، وغيرها، تتحول إلى أطلال، وبيوتها تنسف على رؤوس أهلها، في حين تقف الإنسانية عاجزة أمام مشهد الدمار الهائل.
لم يرتوِ الكيان الصهيوني من دماء المدنيين منذ السابع من أكتوبر، بل رفع من وتيرة جرائمه مع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، مستهدفا كل ما يتحرك، ووفق معطيات رسمية صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، فإن حصيلة الشهداء بلغت 50,669 شهيدا و115,225 مصابا.
ندى عبروس
وفي ظل هذه الاوضاع الصعبة، فإن فرق الإسعاف تسابق الزمن وسط الركام والدمار بحثا عن ناجين، أو انتشال أجساد الشهداء، كما أن غزة باتت ساحة مفتوحة للعذاب، حيث نزح نحو 1.9 مليون إنسان، في مشهد يُعيد إلى الأذهان نكبة 1948، ولكن بأدوات أكثر حداثة ووحشية.
” الرماد يسابق الدخان .. مدن تُطمس من الخارطة “
منذ استئناف العدوان، بدا واضحا أن جيش الاحتلال الصهيوني قد غيّر استراتيجيته نحو تدمير شامل للبيئة الحضرية في قطاع غزة، فمدينة رفح وحدها شهدت عمليات نسف شاملة لمبان سكنية غرب المدينة، ليُحوّلها الاحتلال إلى فناء مفتوح للموت.
لم تكد تمر ساعات قليلة حتى توسّعت الغارات لتشمل وسط وجنوب القطاع، مخلفة عشرات الشهداء والجرحى، في قصف لا يفرّق بين مدني أو مقاوم، بين طفل أو شيخ.
قصف متواصل على مدار الساعة، في ظل انعدام الكهرباء والماء والغذاء، وغياب أي ممر آمن للمدنيين.
أحياء بأكملها اندثرت، وبلدات سويت بالأرض، في مشهد يعيد إلى الأذهان مجازر الحرب العالمية.
“طفولة تُذبح تحت أنقاض الصمت”
في يوم الطفل الفلسطيني، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بيانا كشفت فيه أن العدوان الصهيوني أدى إلى استشهاد نحو 19 ألف طفل، فيما فقد 39 ألفا أحد والديهم أو كليهما. أرقام صادمة تؤكد أن الاستهداف ليس عرضيا، بل ممنهج، يرمي إلى قتل الأمل في مهده، وإنهاء جيل بأكمله من الفلسطينيين.
وأكدت الحركة أن جرائم الاحتلال ضد الأطفال لا تسقط بالتقادم، داعية المنظمات الحقوقية لتحمل مسؤولياتها في فضح جرائم الاحتلال و العمل على حماية أطفال فلسطين .
إلا أن الإفلات من العقاب، كما أشار البيان، يشجع الكيان على المضي قدما في جرائمه بحق الطفولة الفلسطينية، مستفيدا من التقاعس الدولي الذي يُغلف مجازره بغلاف “الدفاع عن النفس”.
” رهائن في مهبّ العدوان .. القسام يُحذّر “
في خطاب لافت، خرج الناطق العسكري باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” بتصريحات حاسمة حول مصير أسرى الكيان الصهيوني المحتجزين في غزة، مؤكدا أن نصفهم يوجدون في مناطق طلب جيش الاحتلال إخلائها مؤخرا، ما يعرضهم لخطر الموت في ظل القصف العشوائي.
وأضاف في بيان له “قررنا عدم نقل هؤلاء الأسرى من هذه المناطق و إبقاءهم ضمن إجراءات تأمين مشددة لكنها خطيرة على حياتهم ” .
“إذا كان الاحتلال معنيا بحياة أسراه، فعليه التفاوض فورا لإجلائهم أو الإفراج عنهم، و قد أعذر من أنذر”، بهذه العبارة حذّر أبو عبيدة من أن الوقت ينفذ، والمسؤولية تقع على عاتق حكومة نتنياهو التي تماطل وتضحي بجنودها.
في المقابل، يواصل جيش الاحتلال لقاءاته مع أهالي المحتجزين، فيما تتزايد الضغوط الشعبية، وسط اعترافات بأن “الضغط العسكري لم ينجح في استرجاعهم منذ أكثر من عام ونصف”.
“حصيلة الإبادة ..شهداء بالآلاف في أقل من شهر “
العدوان الصهيوني، الذي عاد بقوة في 18 مارس بعد خرق وقف إطلاق النار، خلّف خلال أقل من شهر أكثر من 1300 شهيد و3184 جريحا.
وفي الساعات الأخيرة فقط، استشهد 60 فلسطينيا وأصيب 162 آخرون، فيما لا تزال طواقم الإنقاذ عاجزة عن الوصول إلى العديد من الضحايا تحت الأنقاض.
النازحون يعيدون الكرّة، وهذه المرة بأعداد هائلة بلغت 142 ألف نازح جديد خلال 5 أيام فقط، بحسب تقارير الأونروا.
” عدسة المسعف تفضح جريمة الاحتلال و تُسقط رواية الكيان”
أكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن الفيديو الذي وثّقه أحد المسعفين الفلسطينيين بهاتفه المحمول قبل استشهاده، يوثّق لحظة استهداف متعمد لطواقم الإسعاف والدفاع المدني من قِبل جيش الاحتلال الصهيوني في مدينة رفح، جنوبي القطاع، في الثالث والعشرين من مارس الماضي.
وأوضح المكتب الإعلامي، في بيان له، أن الفيديو عُثر عليه داخل الهاتف الذي كان بحوزة المسعف الذي استُشهد ودفن لاحقا في مقبرة جماعية إلى جانب 14 من زملائه من طواقم الإغاثة.
ويُظهر المقطع أن مركبات الإسعاف والإطفاء كانت تحمل إشارات واضحة تدل على طبيعتها الإنسانية، وأن مصابيح الطوارئ كانت مضاءة خلال استهدافها من قبل قوات الاحتلال، ما يفنّد الرواية الصهيونية التي زعمت أن المركبات “اقتربت بطريقة مريبة” ودون تمييز.
وأكد المكتب أن هذه اللقطات توثّق جريمة حرب متكاملة الأركان، تم تنفيذها بسبق الإصرار والترصد، في تحد فجّ للقانون الدولي الإنساني، لاسيما اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر استهداف الطواقم الطبية والإنسانية وتلزم بحمايتهم في جميع الظروف.
ووصف البيان ما حدث بأنه “استباحة للضمير الإنساني”، إذ لا يتورع الاحتلال الصهيوني عن قصف من يحمل الضمادات بدلا من البنادق، ومن يطفئون النيران بدلًا من إشعالها.
وطالب المكتب الإعلامي بتحقيق دولي عاجل ومستقل، يكشف تفاصيل جريمة الإعدام الجماعي التي راح ضحيتها 15 مسعفا من الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني، إضافة إلى موظف يتبع لوكالة أممية، محمّلا المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية مسؤولية الصمت المستمر تجاه هذه الانتهاكات التي ترتقي إلى “إبادة جماعية منهجية” لشعب أعزل.
من جانبها، وصفت فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، ما ورد في الفيديو بأنه “دليل دامغ على جريمة مخفية عمدا”، مؤكدة أن ما يحدث في غزة هو “إبادة جماعية ممنهجة”، يقودها جيش الاحتلال الصهيوني وسط صمت دولي مريب.
وأضافت أن استهداف المسعفين وعمال الإغاثة لم يكن حادثا منفردا، بل جزء من خطة شاملة للتصفية والإخفاء، مشيرة إلى أن جثث الضحايا ومركباتهم تم دفنها عمدا في محاولة لطمس الأدلة.
وبدعم أمريكي وأوروبي، يواصل الكيان الصهيوني منذ السابع من أكتوبر 2023 ارتكاب مجازر يومية في قطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 165 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود تحت الأنقاض.
وخلال هذا العدوان المستمر، استُشهد 27 من كوادر الهلال الأحمر أثناء تأديتهم لواجبهم الإنساني، كما تم استهداف مئات الصحفيين والعاملين في القطاع الصحي، ما حوّل غزة، بحسب المقررة الأممية، إلى “ساحة مفتوحة على القانون الدولي بلا محاسبة”.
