من خلالي تصفحي لمنصات التواصل الاجتماعي أصادف بعض من ( يدّعون) المعرفة بالعلوم المخفية عن العامة، التي تسمى العلوم السرية أو علوم النخبة، وهي ليست سرية لأنها صعبة الإدراك والفهم بسبب ندرة المراجع والكتب التي تتناولها وأيضا بسبب حظر تعليمها بحجة أنها خطيرة على البشرية اذا ما استخدمت في الشر.
يقول المنادون بنشر بعض تلك العلوم أن ما يتم تدريسنا إياه خلال مسارنا التعليمي هي مجرد معارف فقط، أما العلوم التي يُبحث فيها من طرف نخبة معينة فلا تتعدى الـ5% من العلوم التي تخفي أسرارا كثيرة على كوكبنا، وهي مسموحة بالقدر الذي يفيد الإنسان في فهم حياته و التعامل مع مختلف الظواهر الطبيعية التي تحيط به، أما بقية العلوم فيُحرص كل الحرص على بقائها مخفية عن الأنظار و بعيدة عن الاهتمام و لا نعرف منها سوى اسمها، كعلوم الطاقة اللامتناهية و علم الأهرامات و طاقة الظل و الكهرباء المجانية و غيرها، يقال أنها بقايا من علوم الحضارات المتطورة في العصور الغابرة و التي اندثرت بسبب الحروب الشرسة أو تغير المناخ و الكوارث الطبيعية.
بقيت تلك العلوم في يد مجتمعات سرية حاولت الحفاظ عليها من التسرب مثل ( كهنة التبت، والفيدا في الهند، والشامانيون …). فكان كل منتسب لتلك المجتمعات يقسم على عدم كشفها لأي أحد تحت أي ظرف. لأن العارف بها يمكن أن يستخدمها في السحر والأذى و دمار الناس كما يستخدمها في التطبيب وإصلاح النفوس والأخلاق.
كما يحرص أصحاب العلوم السرية على إخفائها عن العامة، ورغم أنها تجتذب إليها الفضوليين في هذا العصر الذي سهلت فيه التكنولوجيا كل شيء، نجد هناك من يرفضها ولا يصدقها إطلاقا، ويتهم أصحابها بالخبل أو الكفر أو الانتماء لمنظمات ظلامية معروفة باستحواذها على أسرار العالم و التحكم فيه.
انتشرت في المنصات التكنولوجية صفحات و شخصيات أو قنوات تحاول أن تسلط الضوء على تلك العلوم الممنوعة، لكنهم لم يستطيعوا غير إعلان وجودها، أما عن كنهها أو العمل بها فهم بعيدون جدا. إنهم يكشفون فقط أن علوما سرية ما موجودة و قائمة عند نخبة النخبة، مع بعض التسريبات الطفيفة يستخدمونها في جذب المتابعين.
هل تلك العلوم قائمة حقا؟ وهل تقتصر على فئة معينة ؟
في سنة 1928 كتب شخص يدعى ‘ مانلي بالمر هول’ و هو كاهن في الرتبة 33 أعلى رتبة في المنظمة الماسونية، كتاب (التعاليم السرية لكل العصور). ليفضح فيه المحفل الظلامي والمجتمع السري الذي استحوذ على تلك العلوم و الأسرار. وهذا إنما يدل على وجود احتكار لنوع من العلوم لاستخدامها فيما يعود عليهم بالنفع ويمكنهم من استمرار حكمهم و سيطرتهم على العالم، في حين يسمحون بعلوم أخرى ومعارف ليعتقد الناس أنهم يتقدمون ويتطورون و أنهم منتجين.
هناك علوم أخرى ليست ممنوعة بشكل كلي لكنها صعبة التحصيل و مرفوضة في الأعراف وهي علوم روحانية و فلسفية و طبيعية مثل علم التنجيم و الأبراج الذي يستخدمه المنجمون في قراءة الطوالع و التنبؤ بالمستقبل، وهنا يجدر الذكر أن التنبؤ و التنجيم لمعرفة المستقبل والخفايا محرم شرعا، أما الاطلاع في مجال الفلك و غيره فهو معرفة. وهناك علم الجفر الذي يدرسه الشيعة إدعاء أن مصدره كتاب للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يدعون أن ذلك الكتاب يحوي كل أسرار الكون و أسرار الأولين و الآخرين، و الجفر هو علم مبني على معرفة أسرار الحروف و الأرقام، يتنبئون به عن مستقبل العالم وموعد نهايته وغيره. وغير ذلك الكثير من العلوم التي تفتح للمزيد من التساؤلات و تزيد العطشان عطشا.
أما العلوم النفعية التي تستحوذ عليها نُخب ومنظمات معينة و أكاديميات خاصة فهي ممنوعة على العامة ولا مصادر لها في المتناول. وهم منذ بداية النهضة الصناعية وانتشار الاختراعات عملوا على مراقبة وتقييد المخترعين و تصفيتهم إن تطلب الأمر التصفية. لتبقى العلوم السرية سرية.
و علوم أخرى ما تزال غامضة و غير مفهومة، نادرا ما يتجرأ أحد على التطرق لها كطاقة الظل الذي ظهر من خلال التطور العلمي و الاكتشافات الحديثة أنه علم قائم بذاته و زاد على غموضه ما جاء في الاية 45 من سورة الفرقان ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل و لو شاء لجعله ساكنا ثم جعل الشمس عليه دليلا). و هي اية تدعو للبحث و التفكر.
ومن أخطر ما يمكن أن يصيب العلوم و التبحر فيها اختلاطها بالزيف و الخرافة خاصة في زمن التكنولوجيا حيث كل شيء متاح في شكل صور او مقاطع أو نصوص. لذلك يبقى على المعلمين و الباحثين عن المعرفة تحري الحقيقة و التأكد من المصدر و تبيانه قبل طرح الفكرة أو الإخبار بالأمر. ففي زمن المنصات و الكلام المجاني وتمرير الأجندات و حياكة المؤامرات على أجيال بأكملها فلنحذر من زيف المعلومة سواء العلمية أو التاريخية أو الدينية، حتى لا ترتدي الخرافة ثوب العلم و ننخدع بالعلماء المزيفين.
لويزة موهوب
#مساحة_حرة