بن بولعيد زوّد منطقة القبائل بـ 100 قطعة سلاح عشيّة الثورة
عباس لغرور: “أنا هنا باسم الله .. وليس باسم مصالي”
بن بولعيد قدّم رشاوى لطمس قضية مخزن المتفجرات
يواصل ضابط جيش التحرير عن الولاية الأولى أوراس النمامشة “الرائد محمد صغير هلايلي”، في الجزء الخامس من هذه الشهادة التاريخية الثرية، رواية سلسلة الاجتماعات الخمسة المتتالية التي ضُبطت بها عقارب ساعة الثورة، وضرورة تجاوز القيادة الشرعية الممثلة في حزب الشعب المنقسم على نفسه، وحتمية الكفاح المسلح، وكيف هيأ له الرجال بسيكولوجيا وقتاليا، وانتقاء المغاوير، ومسالك العبور، وحرصه الشديد على شمولية الثورة لنجاحها ولو كان شرف الرصاصة الأولى من الأوراس، منبها المناضلين إلى تخضير أنفسهم لرد فعل العدو، وأسلوبه المقيت بين الترهيب والترغيب، ورسم حدود الأوراس، وتقسيم الجبهات والجهات، وترسيم الصحراء كقاعدة جنوبية آمنة تضل مهمتها الإمداد والإسناد والعتاد وتمرير القوافل والرجال، وتحديد مناطق الانسحاب والانتشار، وبناء الحواضن الجبلية والغابية المخصصة للمؤونة والاختباء، وطريقة استدعاء المناضلين لتنفيذ العمليات شفويا وفرديا من “الأذن إلى الفم”، وكلمة السر الخاصة بكل فوج. كل هذه المعطيات والمعلومات وحقائق الدقائق الأخيرة من موعد إعلان الثورة المباركة تتصفحونها في الجزء الخامس من هذه الشهادة الحصرية.
ــــــــــــــــــــ فـاروق مـعـزوزي ــــــــــــــــ
نواصل معكم، في هذه الحلقة، رصد اللمسات الأخيرة التي سبقت إعلان الثورة في الأوراس، كيف عايشتم لحظات الميلاد بعد مخاضها العسير؟
ثمة قصة ينبغي لفت القراء إليها، تعكس مدى قدرة بن بولعيد على الاستشراف والتخطيط، ثمة فيها درس على مدى تحمله المسؤولية التامة، عندما تخرج الأمور عن السيطرة، فأثناء إعداده للثورة رأى بن بولعيد من الضروري خلق ورشة لصناعة القنابل والألغام في مرآب داخل مدينة باتنة، دون علم قيادة الحزب في تصرف سري منه، شاءت الأقدار أن ينفجر هذا المستودع، الذي هز مدينة باتنة فحأدث هلعا لدى كل من المواطنين والسلطات الفرنسية.
مقاطعا..ماهي أسباب الانفجار، وكيف تصرفت الإدارة الفرنسية التي علمت بالانفجار، وما هو موقف بن بولعيد كونه المسؤول الوحيد والمباشر على هذه الورشة؟
الراجح أن سبب الانفجار ناتج عن شرارة من ذخيرة البارود المستعملة في التصنيع، أما الإدارة الفرنسية فلقد فاجأها التفجير الذي كان قريبا من احد مراكز شرطتها، التي باشرت تحقيقاتها على الفور. أما بن بولعيد فتصرف بسرعة فائقة عندما استغل وجود موظفين في الإدارة تمكن من الاتصال بهم مثل التواتي ومحامين منهم معلم ومواطنين، حيث سخر ماله الشخصي، عندما قدم رشاوى مقابل طمس القضية، وأستطاع بنفوذه وماله من “تخييط” القضية، وهذه تحسب له كمسؤول يتحمل العواقب، ولا يتنصل منها.
كيف كان موقف الحزب، وكيف تصرف بن بولعيد أمام هذه القضية التي فلتت من يديه؟
بعد علم قيادة الحزب بالأمر، تم استدعاء بن بولعيد وتعرض للمساءلة، وكاد أن يصدر في حقه عقوبة قاسية، كونه تصرف بطريقة سرية ومنفردة ودون علم الحزب، وكونه عضو اللجنة المركزية يحق للحزب معاقبته، لكن بأسلوبه السياسي اقنع المسؤولين بأن هذه الألغام من مخلفات المنظمة الخاصة لوس 1947 – 1948، وهكذا أفلت بأعجوبة من قبضة الحزب والإدارة والقضاء.
نعود إلى أجواء التحضيرات الأخيرة التي سبقت الإعلان عن موعد تفجير الثورة، هل من تفاصيل هامة؟
ثمة عدة اجتماعات قد أطرها وأشرف عليها بن بولعيد شخصيا، وكانت هذه الاجتماعات متقاربة زمنيا، فالاجتماع الأول تم في بيت مسعود بلعقون، بحي الزمالة وسط باتنة يوم 30 مارس 1954 وح، ضره عاجل عجول عن قسم الثاني أريس، والطاهر نويشي عن قسم بوعريف وعباس لغرورعن قسم خنشلة وعن قسم باتنة بوشمال المحسوب على مصالي (بصفته الشخصية).
مقاطعا..ما لذي دار في هذا الاجتماع، سواء ما تعلق بجدول الأعمال أو الأهداف أو التوصيات؟
تقرر في هذا الاجتماع تبني العمل المسلح وتجاوز القيادة الشرعية للحزب المنشق على نفسه، هنا نبه بن بولعيد الحاضرين بضرورة تحمل مسؤوليتهم بان المهمة جسيمة وليست سهلة كما يعتقد البعض، وضرورة الصبر على تداعياتها ومآلاتها. وفي هذا الاجتماع،
أكد بن بولعيد على ضرورة شمولية الثورة وهو الذي عاهد رفقائه في القيادة بأنه سيفجر الثورة ويضمن صمودها مدة عام، دون أن يبلغ الحاضرين بموعد الثورة ولكن أكد لهم أنها قاب قوسين أو أدني، كما دعاهم إلى جملة مراجعات حول مدى جاهزية المناضلين جسديا ونفسيا للموعد الجلل، كما نبههم إلى أخذ الحيطة والحذر واليقظة التامة، بخصوص الفئات التي لم تشارك في الثورة، وقد تتحول إلى عيون وأذان للمستعمر، لافتا انتباههم لرد فعل العدو سواء بالترغيب أو الترهيب، وكان شديد الحرص على ترتيب وتنظيم الأمور، دون أن يترك الفرصة للصدفة.
مقاطعا..هل من مثال على ذالك؟
قام بعقد اجتماع مع العقلاء وأولي النهى، ليجس النبض حول ردة فعل السكان ومدى تجاوبهم مع الثورة، وفي هذا المقام تقدم الشيخ الوقور ناجي ناجي ليقدم مسحا دقيقا عن قابلية الأعراش والقبائل في تبني الثورة ونصرتها، وقد أنصفته الأيام فيما تنبأ به.
هل ثمّة اجتماعات أخرى؟
عقد الاجتماع الثاني، الذي تم على المستوى الجهوي، بقسنطينة، ولم يحضره بن بولعيد وقد مثله عاجل عجول وعباس لغرور، تكلم كل الخطباء باسم مصالي الحاح، قام عباس الغرور وقال أنا سأتكلم باسم الله، وقعت مشاحنات وملاسنات حتى وصلت لتشابك بالأيدي والكراسي، احتجاجا على كلمة لغرور.
كيف تواصلت باقي الاجتماعات وما أهم ما تمخض عنها؟
جاء الاجتماع الثالث كحصاد من تقييم وتقويم الاجتماع الأول، من خلال الوقوف على أخر اللمسات والروتوشات، حول أخر الاستعدادات واستدراك ما تبقى من ثغرات وهفوات.
أما الاجتماع الرابع، فتم بمزرعة بن بولعيد الموجودة بتازولت، حضره وعباس لغرور(خنشلة) والطاهر نويشي (بوعريف)وبلعقون مسعود(أريس) عجول، وشيحاني بشير(باتنة) وخنتري محمد (بريكة) وحاجي موسى (خروب)وعاجل عجول، ناقشوا فيه نقاطا أساسية، منها رصد النقائص واختيار المناضلين المكلفين بالعمليات الأولى وكيفية تسليحهم والطريقة التي يتم استدعائهم بها قبل يومين من الموعد، وتم الاتفاق على أن يكون الاستدعاء شفويا وفرديا، ناهيك عن جملة الاحتياطات الضرورية لتأمين العدد الكافي من المناضلين وضمان نجاح العمليات.
ما هو أخر اجتماع تم عقده وما الذي دار فيه، وما انتهى إليه؟
جاء الاجتماع الخامس، والذي يعتبر خلاصة الخلاصة للاجتماعات السابقة، حيث ضبطت كل الترتيبات الضرورية لتفجير الثورة، حيث تمت مراجعة كل الترتيبات من تحديد الأفواج والأماكن المستهدفة ووسائل نقل الطلائع والمسالك المتبعة وكلمة السر المخصصة لكل فوج، والأماكن التي ينسحبون إليها بعد تنفيذ العمليات، وختاما كيفية حمايتهم وإيوائهم وتموينهم، حيث تم إسناد إطعام المناضلين المستدعين الطلائعيين (300) نفر إلى عرش أولاد موسى بدشرة الحجاج وقرينتها بقرين (بوعريف).
ما هو أخر استعداد قام به بن بولعيد قُبيل تفجير الثورة؟
عطفا على سؤالكم، هل ممكن أن أكمل ما خلص إليه الاجتماع الخامس والأخير؟
تفضل سيدي..
في هذا الاجتماع، طبع بيان أول نوفمبر وبقية المناشير التي تعرف بالثورة وأهدافها لتوزيعها على نطاق واسع ليلة الفاتح من نوفمبر، وقد تولى عاجل عجول طباعتها بالعربية وعباس لغرور بالفرنسية، وتم طبع القانون الأساسي لجيش التحرير، وإعداد التوصيات الضرورية لضبط تصرفات المواطنين والمناضلين والمسؤولين، كما تم ترسيم حدود المنطقة الأولى الاوراس، والإبقاء على منطقة الصحراء كمصدر امن يوفر التموين وجمع السلاح ومأرب أخرى، وختم هذا الاجتماع بأداء اليمين والقسم، وتفرق الجميع على أمل اللقاء الأخير الذي تم بدار برغوث علي، بدوار الشمول بالمدينة، الذي تم فيه الوقوف على الاستعدادات النهائية قبل استدعاء الأفواج، والتي وكلت مهمتهم للرؤساء الثلاثة عاجل عجول الذي يشرف على قسم أريس الذي كان عددهم 280 مغوار، أما عباس لغرور فكلف باستدعاء المناضلين بيوم واحد قبل 1نوفمبر، نظرا لبعد المسافة، التي عين لها مكان اللقاء بعين السيلان قرب الحامة غربي خنشلة، أما الطاهر نويشي فكلف باستدعاء مناضلي بوعريف وفم الطوب والشمرة وخنقة الحدادة وكان عددهم يربو عن 70 مغوارا.
في الربع الساعة الأخير قُبيل تفجير الثورة، ما مدى صحة ما يشاع حول تزويد بن مصطفى بولعيد كريم بلقاسم بالسلاح؟
بالفعل، قد تعهد مصطفى بن بولعيد لكريم بلقاسم عشية اللقاء الأخير الذي وافق فيه كريم على الالتحاق بمجموعة الخمسة كعضو سادس يمثل منطقة القبائل، بأن يزوده بـ : 100 قطعة سلاح، وقد نفذ وعده وأرسل له 100 بندقية، وقد وصلت لقلب جرجرة واستلمها كريم بلقاسم شخصيا.