الـحــلــقة السادسة :
يسترسل ضابط جيش التحرير عن الولاية الأولى،أوراس النمامشة الرائد محمد صغير هلايلي،في الجزء السادس من هذه الشهادة التاريخية الثرية،حيث يسرد اللحظات المقدسة عند ساعة الصفر،وتفجّر الثورة المجيدة في الأوراس،والتي ألقت ببارودها على ربوع الوطن،الذي احتضنها واحتواها،وكيف تلقفها شعبها،بالنصر والتأييد،معرجا على ردود فعل العدو،الذي جاءته الثورة من حيث لايحتسب. ،والذي أخذ يتخبط كأن به مس من الثورة والثوار، بدءا من السلطات العسكرية والسياسية،التي سادها الارتباك والهلع والفزع،مرورا بالصحافة التي هامت على وجها تبحث عن فتيل الثورة،التي نسبتها تارة للقاهرة وتارة أخرى لقطاع الطرق “الفلاقة” والخرجين عن القانون،وانتهاء بالعملاء من أبناء جلدتنا الذي كانوا مالكين أكثر من الملك،عندما زايدوا بمواقفهم التي تتراوح بين الخيانة والعمالة،عن العدو ذاته،عندما وصفوا المجاهدين بالمجرمين والمأجورين،كل هذه التفاصيل من الشرّارة إلى المرارة،تجدونها في الحلقة السادسة من هذه الشهادة الحصرية “لأخبار الوطن”.
ــــــــــــــــــــ فـاروق مـعـزوزي ــــــــــــــــ
سلطات العدّو: إنها ثورة قطاع الطرق و الخارجين عن القانون.
صحافة العدّو: إنها ثورة من وحي القاهرة.
عملاء العدّو: إنها ثورة المجرمين والمأجورين،ونحن منها بـرّاء.
بن بولعيد :عنوّن كلمة سرّ الثورة ومنحها للمجاهدين تحت اسم” خالد عقبة”
حدثنا عن اللحظة المقدسة “الرصاصة الأولى” في الأوراس،عند ساعة الصفر؟
يوم 31 أكتوبر 1954 عند الساعة صفر حضرت الطلائع الأولى وأبلغت بالمهمة وحددت الأهداف وعينت الأفواج وفرزت إلى مواقعها المحددة ومنح السلاح لمن لا يملك السلاح ،ومنحت كلمة السر (خالد عقبة) تيمنا بالصحابي خالد بن الوليد(سيف الله المسلول) والتابعي عقبة بن نافع الفهري القريشي الفاتح الاسلامي في شمال افريقيا،فباتنة كانت من نصيب الحاج لخضر وبلقاسم قرين وبسكرة من نصيب حسين برحايل وخنشلة من نصيب عباس لغرور وختم بن بولعيد الاجتماع الأخير قبل ساعة الصفر بإجراءين أمنيين.
مقاطعا..ماهما؟ ومالهدف من هذين الاحترازيين الأمنيين؟
الإجراء الأول لم يترك أي اثر للاجتماع في هذه الدشرة،حماية لأهلها من بطش وقمع العدو،والإجراء الثاني تم فيه تكليف المناضل عزوي مبارك لتولي تبليغ مصطفى بن بولعيد بكل المستجدات بمثابة همزة وصل ونقطة ربط لكل الاتصالات المدنية والعسكرية بهدف تمكين القائد بن بولعيد من التعامل مع كل الظروف،كما ربط الاتصال بين الأفواج وانسحبت القيادة (بن بولعيد عجول مدور ،ومصطفى بوستة)إلى قمة جبل الظهري المطل على أريس حيث يمكنهم من رصد تحركات العدو أول بأول،والتي ضلت تحت عين وأذن القيادة،بعد التنفيذ الناجح ليلة 1 من نوفمبر1954.
كيف كانت نتائج الليلة الأولى من الثورة؟
نجحت جل العمليات،مع بعض النقائص التي يمكن تصنيفها في خانة الفشل الجزئي،فقد نجح المغوار عباس لغرور ورفاقه من تصفية الملازم الأول “دارنو” قائد الصبايحية بخنشلة ،وغنم كمية من الأسلحة،وفي بسكرة نحج حسين برحايل ورفاقه من إصابة أكثر من 4 جرحى ونفس الشئ بالنسبة لقسم باتنة.
كيف تابعت القيادة وخاصة بن بولعيد مجريات الرصاصة الأولى؟ وكيف تم تقييمها؟
تنقلب ن بولعيد في الغد،ميدانيا لجميع الأفواج تفقدهم وتفحصهم ،وقيم مهام الأفواج، حيث قام بإعفاء العناصر التي ظهر عليها الفشل سواء بالعجز أو عدم قدرتهم على مواصلة المهمة،طالبا منهم برفق،ترك سلاحهم لإخوانهم المجاهدين الذين لا يملكون سلاح،مع ضرورة المحافظة على كتم السر ،وقد تم تسريحهم ،فيما ظل بن بولعيد متنقلا بين أفواج جبل الظهري وجبل الحدور وجبل خنقة بني بنو سليمان وجبل الهارة وسلسلة جبل احمر خدو وجبل كيمل ووادي الشرفة وغابة بني ملول لاستخلاص نتائج الهجمات ومعاينة ومعالجة المتطلبات ،وتخلل هذا التنقل اجتماعين عقدهم بن بولعيد بمعية أعضاء القيادة العامة، في منتصف شهر ديسمبر حضرته الأفواج التابعة لقسم أريس ،أما الاجتماع الثاني عقد آخر شهر ديسمبر وشمل كل أفواج جيش التحرير بالأوراس للتعارف ورص الصفوف وتقوية لحمة التآزر والتكاتف،ورفع الهمم وشد الأنفس وتطعيم المعنويات،وتعقيم النزق الثوري في صدورهم،بقيم الصبر على مكاره الحرب.
كيف ختم دوريته على الأفواج،وكيف سد الثغرات،وأستدرك الهفوات؟
شرع مصطفى بن بولعيد، بنشر الثورة في المناطق المجاورة عبر الخلايا النائمة للمنظمة السرية ،بغية هيكلتهم في جيش التحرير بهدف استنزاف العدو،وبرغم من طوق الحصار الشديد المضروب على المنطقة،استطاع أن يتكفل بإرسال الرسل من اقرب الناس إليه(الرابطة العائلية)فأوفد ابن أخته مصطفى رعايبي إلى سطيف و طورش عبد الحفيظ إلى بريكة و بن عكشة إلى عين التوتة و زحاف مسعود إلى واد ريغ ووادي سوف.
عطفا على جوابكم،جاءت حادثة تصفية قايد مشونش،والتي منحت العدو،فرصة لتشويه الثورة وشيطنة الثوار،في يومها الأول،وسؤالي هنا من شقين،ماهي تفاصيل الحادثة وحيثياتها؟
كان كل من قايد مشونش ومعلم تفلفال وزوجته،على متن حافلة نقل المواطنين،على الطريق الرابط بين أريس و قرية غوفي ،فبعد توقفها في إحدى المحطات لنقل الركاب،صعد صبايحي محمد بمعية رفيقين من المجاهدين،بهدف توزيع بيان أول نوفمبر على الركاب،فلمح قايد مشونش،الذي كان في مقدمة الركاب،سلاح المجاهدين فضن أنهم قطاع طرق،فقام وأشهر سلاحه عليهم فرد عليه أحد المجاهدين برصاصة قتلته وقتلت المعلم وجرحت زوجته،وقد استغلها العدو وخاصة صحافته،في محاولة منهم تشويه الثورة و المجاهدين،بوصفهم أنهم مجرد قطاع طرق ومجرمين فاريين ومطلوبين لدى العدالة و مصالح الأمن.
كيف تعاملت القيادة مع الحادثة؟وماذا عن رد فعلها؟
تنقل بن بولعيد شخصيا وحقق في القضية،واستفسر عن حيثياتها وخلص،بأن المجاهدين لم تكن نيتهم،الإجهاز على القايد والمعلم وحرمه،بل كانوا يسعون لتوزيع بيان أول نوفمبر لتعريف بالثورة وأهدافها،لكن التصرف الأرعن للقايد بإشهار سلاحه، جاءت ردة فعلهم بهدف الدفاع على النفس وليس بالهجوم عليهم،كما ابرق بن بولعيد للقيادة تقريرا مفصلا عن الحادثة،التي جاءت بعد 24 ساعة فقط من اندلاع الثورة،اولتي أراد العدو التنغيص من خلال طهرها بطعنها في ظهرها.
تفجر نوفمبر المجيد وألقى بالثورة المباركة ،والتي جاءت من حيث لا يحتسب العدو،كيف جاءت ردود الفعل،وكيف تعاملت معها القيادة ؟
رد الفعل العدو ساده الارتباك وفقد صوابه واهتزت أركانه،فقد جاءته الثورة من حيث لا يحتسب،وتسرب له الشك وغمره الاستفهام هل هذه الثورة هي محلية أم بتحريك خارجي؟ وتملكه الاعتقاد في البداية،أن المصاليين هم من حركوا الثورة مما دفعه مباشرة بشن الاعتقالات و سجن المركزيين والمصاليين،حيث شدد عليهم الحصار من خلال قراهم ومناطقهم،مع البطش والقمع، فأحرقوا على سبيل المثال قرية، صراء الحمام بكيمل،والتجمع السكاني للهاره بجبل زلاطو.
ماذا عن رد فعل الشعب الجزائري عامة والأوراسيين خاصة؟
رد فعل الشعب هو التبني التام للثورة،كونه شعب متمرد بفطرته وثائر بطبعه،فتلقف الثورة ضد طغيان العدو،أو كما قال العربي بن مهيدي “القوا بالثورة للشارع يحتضنها الشعب”،قد يكون الكثير قد تفاجئوا بها وبموعدها ،لكنهم اعتنقوها واحتضنوها وراحوا يتناقلون أخبارها،منتشين بنجاحاتها،ومتشفين في أعداءها وعملاءها.
مقاطعا ..على ذكركم العملاء،كيف كانت ردت فعلهم؟
جاء رد فعل عملاء،على قول المثل الشعبي”أقتل الخديم وخلي سيده”فزعوا أكثر من المستعمر الغاشم،فعلى سبيل المثال،جاء رد فعل رئيس المجلس العام عبد القادر سايح الذي وصف الثورة (بالإرهاب الفريد من نوعه) وجا موقف الهاشمي بن شنوف رئيس بلدية خنشلة ونائبها في البرلمان واصفا الثورة (بالأعمال الإجرامية المرفوضة من طرف السكان ) أما الدكتوربن جلول راح يتوسل للفرنسيين أن يشمل غضبها فقط الثوار المجرمين وجاء موقف شيخ العرب بن قانة ( لا وجود لثورة في الجزائر إنما هي أعمال موجهة من الخارج مطالبا بمساعدة الجماهير الجائعة) وجاء تصريح قاضي قدور الديغولي ،الذي أكد ثقته المطلقة في وزير الداخلية وقدرته على إعادة الأمن بكل الوسائل للجزائر.
ماذا عن رد فعل الكلون”المعمرين” الذي هددت الثورة مصالحهم القائمة على نهب خيرات الجزائر؟
كان رد فعل المعمرين عنيف،فضاعفوا من نشاطهم من اجل سحق الثورة ومحق الثائرين وهم الذين استنكروا الإصلاحات والمساواة مع السكان الأصليين،بهدف مواصلة نهب الخيرات واستنزاف المقدرات،وقد كان من وراءهم الجنرالات الذين هزموا في الهند الصينية لغسل عارهم بوأد الثورة التحريرية ،واستعادة شرفهم الممرغ في معركة ديان بيان فو.
شنت الصحافة الفرنسية حملة مسعورة،على الثورة المجيدة ورجالها،كيف تلخص لنا أهم ماجاء على لسانها وصفحاتها؟
في البداية علقت الصحافة الفرنسية،على الثورة بأنها من وحي القاهرة وبأيدي الخارجون عن القانون ،معرجة على الظروف الاجتماعية المزرية،التي تعد بمثابة البرميل حسبها الذي تفجر،بهدف التضليل والتشويه،فمثلا جريدة “جرنال دلجي” وصفت 1 نوفمبر ،ليس ثورة الجماهير إنما هو الإرهاب بعينه.
كيف كان رد فعل السلطات الرسمية المركزية في باريس والمحلية في الجزائر؟
جاء رد فعل السلطات الرسمية،مباشرا وعمليا، حيث تحركت القيادات العسكرية و السياسية والمدنية أولا باتجاه الاوراس،وثانيا نحو باتنة وقسنطينة وسوق هراس،بهدف خنق الثورة في مهدها ،فمثلا حضر كاتب الدولة للدفاع جاك شوفالي إلى الاوراس، بصحبة الجنرال شرييرقائد منطقة الجزائر ،والجنرال فرولون قائد القوات الجوية ،والجنرال سبيليمان قائد منطقة الشرق بقسنطينة لمواجهة الثورة والوقوف في مدها الذي أخذ يتمدد ويتعدد،حيث قاموا بنشر القوات الخاصة في محور اريس وبسكرة وخنشلة و باتنة ،من خلال تمركز الجنرال جيل بالفيلق 22 ببسكرة ،كما ووزع العقيد ديكورنو 4 فيالق من اللفيف الأجنبي على المناطق الساخنة قرب أريس ،كما تم جلب و إحضار أكثر من 25 ألف عسكري .