في الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة من أزمة إنسانية غير مسبوقة نتيجة التصعيد الإجرامي الصهيوني، يتبادر إلى أذهان الكثير من الصهاينة تساؤلات عديدة حول دوافع حكومة نتنياهو من توسيع عملياتها العسكرية في القطاع. إذ في الوقت الذي يُعلن فيه الجيش الصهيوني عن أهدافه المعلنة، وفي مقدمتها القضاء على حركة حماس وتدمير بنيتها التحتية، يرى البعض أن هذا التصعيد لا يقتصر على الأبعاد العسكرية فقط، بل يتعدى ذلك ليكون جزءًا من لعبة سياسية تهدف إلى إنقاذ نتنياهو وحكومته المتعثرة، وهو الذي يعلم علم اليقين أن هذا البقاء لن يكون إلا على أشلاء الأسرى الذين ظل يتظاهر بأنه يسعى لاسترجاعهم أحياء.
عماد الدين بن جامع/ وكالات
في تطور خطير يعكس تصعيدًا غير مسبوق في العدوان على قطاع غزة، كشفت تسريبات إعلامية، أمس، أن حكومة الكيان الصهيوني قد صادقت على خطة شاملة لاحتلال القطاع بالكامل، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تمثل تحوّلًا استراتيجيًا في تعاطي الاحتلال مع الوضع الميداني، وتكشف عن نوايا لتكريس سيطرة ميدانية طويلة الأمد، ووفقًا لما أوردته القناة الـ12 التابعة للكيان الصهيوني، فقد أفاد مصدر رفيع من ديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن الخطة التي جرى التصديق عليها تشمل احتلال قطاع غزة بالكامل، وهو ما يعكس استهدافًا ممنهجًا لتصفية وجود المقاومة الفلسطينية وممارسة ضغوط متزايدة على المدنيين، خاصة مع ما تضمنته الخطة من بنود تدعو إلى نقل السكان الفلسطينيين من شمال القطاع إلى جنوبه، وفي السياق ذاته، نقلت وكالة رويترز عن مسؤول في الكيان الصهيوني قوله إن توسيع العملية العسكرية في غزة قد يصل إلى حد السيطرة الكاملة على القطاع، وهو ما يعزز التكهنات بأن الاحتلال يسعى إلى فرض وقائع ميدانية جديدة، تحت غطاء ما يُسمّى بتحقيق الأمن، كما أكدت هيئة البث التابعة للاحتلال، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن المجلس الوزاري الأمني المصغّر “الكابينت”، برئاسة نتنياهو، قد وافق على توسيع تدريجي للهجوم العسكري ضد حركة المقاومة الإسلامية حماس، في إطار خطة ميدانية موسّعة تتضمن الانتقال من أسلوب الضربات المحدودة إلى عمليات احتلال ميدانية وإعادة تموضع مستمرة، وخلال جلسة النقاش، قال نتنياهو إن “الخطة جيدة لأنها تحقق هدفين: هزيمة حماس، وإعادة الأسرى”، بحسب ما ورد في بيان رسمي نُشر عقب الاجتماع. كما أشار إلى أن هذه الخطة تختلف عن سابقاتها، من حيث الانتقال من تنفيذ اقتحامات مؤقتة إلى “احتلال الأرض والبقاء فيها”، في إشارة واضحة إلى نية فرض سيطرة دائمة على أجزاء من غزة، وتزامن هذا الإعلان مع تأكيد رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زامير، أن الجيش بدأ بالفعل في إصدار عشرات الآلاف من أوامر استدعاء لقوات الاحتياط، بهدف توسيع الحملة العسكرية وتكثيف العمليات البرية في قطاع غزة، وهو ما قد ينذر بموجة تصعيد أعنف ضد المدنيين والبنية التحتية في القطاع المحاصر منذ سنوات، ويأتي هذا التطور في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الداخلية ضد الحكومة الصهيونية، حيث عبّرت عائلات بعض الأسرى المحتجزين في غزة عن غضبها مما وصفته بـ”تضحية الحكومة بأرواح الرهائن من أجل مصالح سياسية وشخصية”، في إشارة إلى سعي نتنياهو لتعزيز موقفه السياسي المهدد داخليًا عبر التصعيد العسكري.
“ضحيت بالرهائن”.. عائلات الأسرى تتهم نتنياهو
من العوامل التي تزيد من تعقيد المشهد على نتنياهو، تزايد الانتقادات من قبل عائلات الأسرى، التي لا ترى في التصعيد العسكري حلاً للمشكلة، بل يتهمون الحكومة الصهيونية بـ “التضحية بالرهائن” في سبيل تحقيق مكاسب سياسية قد تكون على حساب أرواح أبنائهم. ففي الوقت الذي يُكثف فيه الجيش الصهيوني هجماته على العزل في غزة، لا تزال قضية الأسرى من دون حلول حاسمة، فأصبحت العائلات تشعر بالغضب العميق من عدم تحقيق الحكومة الصهيونية أي تقدم في سبيل إطلاق سراحهم. بل على العكس، يشعر البعض بأن الحكومة لا تهتم بمصيرهم بقدر اهتمامها بالحفاظ على صورتها السياسية. العائلات الصهيونية اتهمت الحكومة بالتراخي في التعامل مع ملف الأسرى، مشيرة إلى أن أولويات الحكومة لا تتمثل في استعادة حياتهم، بل في تحقيق انتصارات عسكرية قد تدعم موقع نتنياهو في الساحة السياسية، وفي ردود فعل متصاعدة، طالبت بعض العائلات التي خسرت أفرادًا في الهجمات بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتقييم استراتيجيات الحكومة في التعامل مع أزمة الرهائن، مشددة على أن التصعيد العسكري لا يمكن أن يكون هو الحل الوحيد لهذه الأزمة. كما دعا البعض إلى النظر في خيارات سياسية أخرى قد تساهم في ضمان سلامة المدنيين الصهاينة وعدم المخاطرة بحياة المزيد منهم.
تزايد الضغوط على الجبهة الداخلية الصهيونية
الانتقادات ضد الحكومة الصهيونية لم تقتصر على العائلات فقط، بل امتدت لتشمل قطاعات أخرى من المجتمع الصهيوني، خاصةً من اليسار الصهيوني والمنظمات الحقوقية. العديد من هذه الجهات أبدت قلقها العميق من أن سياسة الهجوم المستمر على غزة قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني في القطاع، مما يساهم في خلق مزيد من الاستقطاب والصراع بين الصهاينة والفلسطينيين، وهو ما من شأنه أن يضر بالصورة الدولية للكيان الصهيوني. كما أن الانقسام الداخلي في الكيان يزداد عمقًا، فبينما تواصل الحكومة تأكيدها على ضرورة سحق حماس وتحقيق انتصار سريع، يرفض آخرون هذا التوجه العسكري، ويرون أنه يجب التركيز على الحلول السياسية والدبلوماسية التي من شأنها إيقاف العنف وحماية المدنيين.
تداعيات التصعيد على العلاقات الدولية
من جهة أخرى، يواجه نتنياهو ضغوطًا متزايدة من المجتمع الدولي الذي تخاذل كثيرا، حيث تزداد الدعوات إلى وقف التصعيد العسكري في غزة وإجراء محادثات لحل النزاع. في هذا السياق، تتصاعد الانتقادات الأوروبية والأمريكية للكيان الصهيوني بسبب ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين في الهجمات العسكرية، وهو ما قد يعرض علاقات الكيان الصهيوني مع حلفائه التاريخيين إلى مزيد من التوتر. خاصةً في وقت يحاول فيه العالم التوسط لإيجاد حلول سلمية للنزاع الفلسطيني الصهيوني.
قيادي بحماس: “لن نخضع للتهديدات ونتمسك بصفقة شاملة”
أكد القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس محمود المرداوي أن تهديدات الاحتلال الصهيوني باحتلال غزة تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني وإجباره على التخلي عن حقوقه ومقدساته، لكن هذه المحاولات لن تنجح، وفي مقابلة مع الجزيرة نت، شدد المرداوي على أن المقاومة الفلسطينية لن تستجيب في “حال من الأحوال” للعرض الصهيوني الذي قُدّم في 13 أبريل 2024، والذي جاء مشروطا تحت التهديد. وأشار القيادي في حماس إلى تمسك الحركة بموقفها الرافض لأي تسوية لا تحقق مطالب الشعب الفلسطيني، مجددا التأكيد على أن الحل الوحيد المقبول يتمثل في صفقة شاملة تتضمن، إطلاق سراح جميع الأسرى الصهاينة المحتجزين لدى المقاومة، وقفا شاملا لإطلاق النار، انسحابا كاملا للاحتلال من قطاع غزة، بدء عملية إعادة إعمار القطاع بعد الدمار الهائل الذي خلّفه العدوان الصهيوني، الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
وضع إنساني كارثي
وفيما يتعلق بالوضع المعيشي في القطاع، وصف المرداوي الأوضاع الإنسانية في غزة بـ”الكارثة” جراء استمرار العدوان الصهيوني، مشيرا إلى أن الضفة الغربية تشهد بدورها “كارثة وطنية” في ظل استمرار الاحتلال في سياسات التهويد والتهجير والتجويع، وأضاف القيادي في حماس أن المقاومة تعوّل على صمود الشعب الفلسطيني وتصعيد المقاومة لمواجهة هذه التحديات، مشددا على أن خيار الصمود هو السبيل الوحيد لوقف المجازر والعدوان المتواصل، واختتم تصريحاته للجزيرة نت بالتأكيد على أن كل محاولات الاحتلال لفرض شروطه أو تحقيق مكاسب من خلال التهديدات والمجازر مصيرها الفشل، مضيفا أنه “لا خيار أمام شعبنا إلا تحقيق الصفقة الشاملة التي تضمن الأمن والأمان لشعبنا”.
//////////////////////
المهتم بالشؤون الوطنية والدولية، عبد الرحمان بوثلجة لـ”أخبار الوطن”:
“نتنياهو يطيل أمد الحرب لإنقاذ حكومته لا لتحرير الأسرى”
قال المهتم بالشؤون الوطنية والدولية، عبد الرحمان بوثلجة، في تصريح لجريدة “أخبار الوطن” إن الكيان الصهيوني لا يسعى في هذه المرحلة إلى عقد صفقة تبادل شاملة مع المقاومة، لأن الثمن الذي تضعه المقاومة – والمتمثل في وقف العدوان وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة – هو ثمن ترفضه الحكومة الصهيونية الحالية، وأكد بوثلجة أن العملية العسكرية الأخيرة في رفح، وإنشاء ما يُعرف بخط “فيلادلفيا 2″، واستحداث ما يسمى بـ”المناطق الآمنة”، كلها مؤشرات على أن الكيان الصهيوني يسعى لإطالة أمد الحرب، وذلك في محاولة لتمديد عمر الحكومة اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، وإرضاء التيار المتطرف داخلها. وأوضح أن نتنياهو يرفض إنهاء الحرب حالياً لأنه يعلم أن ذلك سيفتح ملفات خطيرة تهدد مستقبله السياسي، من بينها التحقيقات المتعلقة بالفساد والرشوة، بالإضافة إلى ملف الإخفاقات الأمنية التي سبقت السابع من أكتوبر. وأضاف بوثلجة: “لهذا السبب أصبح ملف الأسرى الصهاينة المحتجزين لدى المقاومة ملفاً ثانوياً بالنسبة للحكومة، التي باتت أولويتها الأساسية البقاء في الحكم حتى موعد الانتخابات القادمة”. وأشار بوثلجة إلى أن استطلاعات الرأي داخل الكيان الصهيوني تؤكد أن نتنياهو وحلفاءه لن يعودوا إلى الحكم في حال إجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يدفعهم إلى استخدام الحرب كأداة سياسية، رغم تصاعد الاحتجاجات الداخلية وانقسام المجتمع الصهيوني بشكل غير مسبوق. وختم بالقول إن القضية الفلسطينية أصبحت اليوم أكثر حضورًا على الساحة الدولية، بينما بات الكيان الصهيوني يعيش انقسامًا داخليًا عميقًا قد يؤدي إلى زعزعة استقراره، رغم الدعم الأمريكي والغربي المستمر، مشيرًا إلى إمكانية أن تتحرك بعض الدول العربية للضغط على واشنطن بهدف إنهاء العدوان علي غزة.
عماد الدين بن جامع