كلما تأملت ما آل إليه حالنا هذه الأيام، أرى أعداء الجزائر يقهقهون ويشربون نخب الانتصار علينا، لأنهم بكل بساطة وضعوا لنا خطة محكمة لزعزعة استقرار البلاد وشرعوا، بل وشرعنا نحن الجزائريين “المغفلين” في تطبيقها على أنفسنا عن وعي وعن غير وعي.
أكاد أجزم أن هذا ما يحدث لنا بالضبط، وواهم من يعتقد بأن الضجة الإعلامية التي أثيرت عقب تصريح الدكتور محمد الأمين بلغيث، والتي لا زالت مستمرة بكل ضراوتها حتى اليوم، هي قضية معزولة عما يحاك ضدنا من مؤامرات خطيرة لا يعرف مداها ونهايتها إلا الله.. والغريب أن ذاكرتنا صارت ضعيفة إلى درجة أننا أصبحنا في كثير من الأحيان لا ننظر إلا “أمام أنوفنا”، كما يقول المثل الشعبي.
بالمختصر المفيد، ما نراه ونقرؤه هنا وهناك، وخاصة في منصات التواصل الاجتماعي، يؤكد أننا قد نسينا تماما أن أعداء الجزائر، وفي مقدمتهم ماكرون وروتايو والصهاينة وجار السوء الغربي، بالإضافة إلى الانقلابيين في مالي ومن يقف وراءهم ويدعمهم، قد هددونا جهارا نهارا، والعدو في وقتنا الحاضر، كما هو معروف، إن هددك مرة لن يعيد تهديده ووعيده مرة ثانية، وإنما ينتقل مباشرة، وفي غفلة منك، إلى وضع استراتيجية هجوم متكاملة ويبدأ في تنفيذها مرحلة بعد أخرى، بعد تجنيد الأدوات والوسائل اللازمة لكل مرحلة.. ولا أعتقد أنني قد أبالغ إذا قلت إنهم قد بدأوا فعلا في تنفيذ المرحلة الأولى من “حربهم الناعمة” ضد الجزائر، ويبدو واضحا، للأسف، أن أدواتها وحطبها في نفس الوقت هم نحن “الغاشي” بقيادة نخبة مثقفة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مفلسة وبائسة.
لا أؤمن بنظرية المؤامرة إطلاقا، ولا أحب تضخيم الأمور، لكن أعتقد أن ما يحدث عندنا هذه الأيام من تأجيج للوضع بتبادل التهم، وحملات التخوين والتشويه والتفرقة، يشبه إلى حد ما، إرهاصات ما سمي بـ”الثورة” السورية.. من دون تهويل، هذا يعني أننا لسنا بخير، ولكي نخرج من عنق الزجاجة سالمين، يجب علينا جميعا أن نلتزم الحيطة والحذر، وأن نحسب لكل خطوة ولكل كلمة حسابها حتى لا نقع في المحظور ونعطي الفرصة للأعداء لتحقيق مآربهم وأهدافهم.
علينا أن ندرك قبل فوات الأوان أن تفتيت الجبهة الداخلية بكل هذا الهرج والمرج الذي لا أول ولا آخر له، والذي يريد البعض أن يجرنا إليه جرا، ليس في صالح البلاد والعباد أبدا، والمطلوب من عقلاء الأمة أن يتحركوا لإيقافه في الحين لتأخذ العدالة مجراها بتطبيق القانون على الجميع، من دون أي استثناءات، في دولة يريدها الجزائريون دولة الحق والقانون والمؤسسات.
لست في مقام إسداء النصيحة أو إعطاء دروس في الوطنية لأي شخص أو لأي جهة، كما قلت في مقال سابق، لكن أرى أنه من المفيد لنا جميعا أن نتذكر أن الوطن لا يبنى ولا يصان بالصراعات الثقافوية المدمرة ولا بالجدل العقيم حول مكونات الهوية، وانما بالإخلاص والعمل الجاد ورص الصفوف لمواجهة التحديات المفروضة علينا، وخاصة في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد.. يبدو لي أن هذا هو طريق خلاصنا، وقد يكون الوحيد…
فرحات زايت