– تعليقكم على تضامن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الكيان الصهيوني بحضور مباراة كرة القدم التي ستجمع بين منتخبي فرنسا والكيان الصهيوني الخميس في باريس وذلك على خلفية احداث أمستردام الأخيرة؟
أعتقد أن قرار الرئيس ماكرون بحضور المباراة التي ستجمع بين المنتخب الفرنسي ومنتخب الكيان الصهيوني يأتي في وقت حساس، حيث فقدت فرنسا مكانتها على الساحة الدولية بشكل عام، وأصبح تأثيرها ضعيفًا سواء في العالم أو حتى في أوروبا، خصوصًا بعد الأزمة الأوكرانية، التي ألقت بظلالها على تحول العالم إلى نظام متعدد الأقطاب، حيث لم يعد لفرنسا تأثير كبير كما كان في السابق، فيما يخص القضية الفلسطينية، لقد لوحظ التذبذب والتناقض في مواقف فرنسا. ففي الوقت الذي يتشدق فيه الغرب وفرنسا، على وجه الخصوص، بحقوق الإنسان والحريات، نجد أن فرنسا أعلنت تضامنها الكامل مع الكيان الصهيوني بعد معركة الأقصى، حيث قام ماكرون بزيارة إسرائيل رغم الجرائم وحرب الإبادة التي ارتكبتها قوات الاحتلال. وقد قوبلت دعوات فرنسا لوقف الحرب وإيقاف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل بعدم الاستجابة من حليفتها الكبرى، الولايات المتحدة، وكذلك من إسرائيل، هذا الموقف يُظهر بوضوح التناقض في السياسة الفرنسية تجاه القضايا الدولية. كما أن حضور الرئيس ماكرون المباراة يعكس هذا التناقض في السياسة الخارجية الفرنسية، ويعبر عن حالة الضعف التي تمر بها فرنسا في العالم حاليًا، من جهة أخرى، يجب الإشارة إلى أن مشجعي الفريق الإسرائيلي هم من استفزوا الهولنديين من أصول عربية وإسلامية، مما أدى إلى ردود فعل عنيفة وتظاهرات في العديد من الأماكن، حيث رفعوا شعارات عنصرية ضد الفلسطينيين. هذا القرار من ماكرون يمكن أن يُفهم على أنه خطوة انتهازية تهدف إلى كسب ود الجالية اليهودية في فرنسا ودعم الكيان الصهيوني، رغم المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، ورغم المواقف المتناقضة لفرنسا تجاه هذه القضايا.
– هل تتوقعون ان يتكرر سيناريو أمستردام في هذه المباراة؟
أعتقد أن ما حدث في أمستردام قد يتكرر كثيرًا في المستقبل، حتى وإن لم يحدث ذلك في فرنسا الأسبوع المقبل، فرنسا قد أعلنت عن نشر الآلاف من رجال الشرطة وتعزيز الإجراءات الأمنية لحماية جمهور المنتخب الإسرائيلي، لكن هذا لن يمنع تكرار مثل هذه الحوادث في أماكن أخرى حول العالم، لقد شهدت الشعوب في مختلف أنحاء العالم همجية الكيان الصهيوني وعنصرية بعض مواطنيه، وأصبح الأمر واضحًا أن هناك شعورًا متزايدًا بالغضب والإحباط بسبب ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات، من المؤكد أن مشاعر الانتقام ستظل تتزايد بسبب الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في غزة ولبنان، ولهذا أعتقد أن ما حدث في 2024 قد يتكرر في مناسبات أخرى في المستقبل. هذا ليس رد فعل من الشعوب التي تدعم القضية الفلسطينية فقط، بل هو أيضًا ناتج عن تصرفات بعض المواطنين في الكيان الصهيوني الذين، بدلاً من أن يشعروا بالندم على ما ارتكبوه، يظهرون فخرًا وتعاليًا بما فعلوه، ويعتبرون ما قاموا به من جرائم ضد الفلسطينيين واللبنانيين انتصارًا. هذا السلوك يزيد من مشاعر الاستياء حول العالم، ويشجع على تكرار هذه الردود في مناسبات أخرى في المستقبل، أعتقد أن هذه المواقف تُعد هزيمة استراتيجية للكيان الصهيوني، كما حذر من ذلك بعض المحللين والخبراء داخل الكيان نفسه. رغم الجرائم التي يرتكبها الاحتلال، فإنهم قد يواجهون عزلة متزايدة على الصعيد العالمي. قد تضعف حكاية “المظلومية اليهودية” وحكاية المحرقة النازية التي طالما تم استخدامها لتبرير الجرائم، ويبدأ العالم في إدراك حقيقة ما يحدث. وقد بدأنا بالفعل نرى ردود فعل قوية من شعوب العالم التي تقف مع فلسطين، وهذه ستكون بداية لمرحلة جديدة من الوعي والاحتجاج العالمي.
– لماذا كل هذه الكراهية والتحامل الذي تمارسه الدول الأوروبية ضد كل ما هو عربي ومسلم؟
أعتقد أن التحامل والكراهية التي نراها في بعض الدول الأوروبية ضد العرب والمسلمين ليست ناتجة عن شعوب هذه الدول بقدر ما هي نتاج سياسات بعض حكوماتها. هذه الحكومات غالبًا ما تتبنى مواقف مؤيدة للكيان الصهيوني، ولعل الدعم المستمر الذي تقدمه الإدارة الأمريكية لإسرائيل، سواء على المستوى العسكري أو الدبلوماسي في مجلس الأمن، هو أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على مواقف الحكومات الأوروبية. الولايات المتحدة تروج لرواية مفادها أن إسرائيل “دافعت عن نفسها”، بينما تصف أي مقاومة فلسطينية بأنها “إرهابية” أو “عنف”. هذه الرواية الأمريكية تساهم في تشكيل مواقف الحكومات الأوروبية التي تلتزم بها أو تصمت حيالها، كما أن الحكومات الأوروبية، مثل فرنسا وبريطانيا، تدرك تمامًا تأثير اللوبي الصهيوني في العالم، خاصة في مجالات المال والإعلام. هؤلاء الحكام يعلمون أن مصالحهم السياسية والاقتصادية تتطلب الحفاظ على علاقاتهم مع إسرائيل وحليفتها الكبرى، الولايات المتحدة. وهذا ما يجعلهم يتجاهلون القيم التي كانوا يدعونها سابقًا، مثل حقوق الإنسان، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فقد سقطت الأقنعة عن هذه الحكومات، وأصبح واضحًا أن ما يهمها أكثر من المبادئ هو الحفاظ على مصالحها واستمرار نفوذها، أما إذا تحدثنا عن فرنسا بشكل خاص، فإنها تحمل في تاريخها الاستعماري العديد من التوترات مع الدول العربية والإسلامية. فرنسا كانت واحدة من القوى الاستعمارية الكبرى في المنطقة، وقد خرجت من مستعمراتها بالقوة، وهو ما يعكس رغبة ضمنية في الاستمرار في دعم الأنظمة الاستعمارية التي تشبه إلى حد بعيد سياسات الكيان الصهيوني في المنطقة. هذا التوجه الفرنسي قد يعكس نوعًا من الحنين إلى الماضي الاستعماري، وبالتالي فإن تضامنها مع إسرائيل قد يكون جزءًا من هذا الفهم نلاحظ أيضًا أن السياسة الفرنسية شهدت تخبطًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، كما يتضح من مواقفها المتناقضة تجاه قضايا هامة مثل الصحراء الغربية. فقرار فرنسا الأخير بالانحياز إلى المغرب في هذا النزاع يعكس التناقضات الواضحة في السياسة الفرنسية، حيث تتجه الحكومة الفرنسية نحو دعم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، حتى وإن كانت هذه المواقف تتعارض مع مبادئها المعلنة في النهاية، يمكن القول إن الحكومات الأوروبية، بما فيها الحكومة الفرنسية، غالبًا ما تتبع مصالحها أكثر من الالتزام بالمبادئ الإنسانية أو الأخلاقية في تعاملاتها الدولية وهذا ما يجعل مواقفها في قضايا مثل القضية الفلسطينية وحقوق العرب والمسلمين تتسم بالتناقض، حيث تُفضل المصالح السياسية والاقتصادية على القيم الإنسانية.
عماد الدين بن جامع