بقلم: د. فتيحة محمد بوشعالة
خلاصة النسوية هي تمرد المرأة على وظيفتها الفطرية من أسرة وزوجية وأمومة ورفضها لتكاملها الفطري مع الرجل، وتعاملها معه بندية وعدائية؛ وكذلك رفضها لنظرة المجتمع لها من حيث جنسها ومكانتها ووظيفتها.
وهذا التمرد ساقها إلى التمرد على كل ما يربطها بتلك الوظائف الفطرية، من تكاليف ربانية متمثلة في تعاليم الأديان أو تكاليف اجتماعية، أو تكاليف أسرية، بل حتى التكاليف الفطرية.
وللقصة بداية وجذور!
بدأت القصة، (قصة لعنة رؤية بالاختلاف بين الجنسين تمايز) يوم أخرجوها من بيتها، وكان ذلك بعد قيام الثورة الفرنسية (1204هـ -1789م)، وبداية تكوّن الرأسمالية.
هذا الاختلاف الذي فطر عليه الرجل والمرأة (ولا دخل لهما فيه) هو في الأصل للتكامل نتيجة اختلاف البيئتين والوظائف بينهما، فلما اتحدت البيئة بينهما ومعها الوظائف صار الاختلاف تضاد وتناحر وتدافع بينهما.
حيث وجدت المسكينة نفسها خارج حدودها الطبيعية تعمل أعمال الرجال دونما مراعاة للفروق الفطرية، ثم بدأت مسيرتها بعد شعورها بالتمييز والظلم، فشرعت في المطالبة بحقوقها المالية مقابل خدماتها من رفع للأجور ومراجعة ساعات العمل ؛ ثم ارتفع سقف المطالب إلى الحقوق السياسية، وفي الخمسينات تجاوزت كل ذلك بعد أن استقوت، وقفزت إلى فكرة الجندر (النوع الاجتماعي) وبدأت تفكر في إلغاء الفوارق بينها وبين الرجل إلى حين وصلت في العقود الأخيرة إلى التمرد على الفطرة أساسا، وحدث كل ذلك في ظل غياب المرجع الضابط والمنهج المعياري.
ولما تمردت على الفطرة صارت ترفض فكرة بناء أسرة وأخذ دور الأم فيها ، ورفض فكرة مسؤولية الأب(الباترياركية) وفكرة أن تكون هي حاضنة النوع البشري(فكرة الإنجاب وتوابعه) ووصلت حتى إلى رفض شكلها فسعت إلى تغييره، ووصلت في نهاية المطاف إلى فكرة تقديس الذات الأنثوية ومن ثمة تأليهها (goddess).
كل هذا المسار كان في المجتمع الغربي.
وتجليات هذا التمرد الممتد عبر عقود ظهرت على مفهوم الأسرة، مفهوم الزواج، مفهوم الإنجاب مفهوم الأمومة، مفهوم تربية الأولاد، مفهوم العلاقات، مفهوم الواجبات الأسرية، مفهوم القوامة (عندنا).
كما تجلى في أنانية المرأة باسم تحقيق الذات، باسم التفوق الدراسي، باسم الوظيفة والمنصب، مما أحدث عندها خللا في ترتيب الأولويات، وكان لذلك آثار خطيرة على الأسرة وعلى وظيفة الأمومة تحديدا .
فالمرأة الغربية عموما اتخذت من النسوية فلسفة حياة (تنظيرا وممارسة) بناء على تراكمات إيديولوجية وصراعات مع الكنيسة أوصلتها للتمرد على الدين وعلى كل القيم السماوية والدينية، بل توصلت للتمرد على الفطرة البشرية وعلى الذات الإلهية.
في حين المرأة الشرقية منقسمة في فكرة النسوية إلى ثلاثة أصناف:
1- تلك التي قلدت الغربية قلبا وقالبا (وغالبا نجد هذا الصنف في الطبقة المثقفة ثقافة غربية ممارسة وفكرا)، شكلا ومضمونا، فتمردت هي الأخرى على الشرائع السماوية وسلكت نهج الغربية شبرا بشبر وذراعا بذراع.
2- وصنف أراد الحفاظ على هويته الإسلامية ( وغالبا نجد هذا في الطبقة المثقفة ثقافة عربية إسلامية مع إلمام ضعيف بالعلم الشرعي) وفي الوقت نفسه الاستفادة من مكاسب ومخرجات النسوية الغربية( حسب نظرتهن)، مما أوقعهن في تطويع النصوص الشرعية وليّ أعناقها بما يخدم ميولاتهن النسوية وأفكارهن، متدثرات بدثار الدين حتى لا يهاجمن، وإن كان فيهن من نواياهن حسنة ولكن جرفهن التيار، وهو ما يعرف بتيار بالنسوية الإسلامية، وفيه تفاوت وتباين وليس بمستوى واحد.
3- وصنف ثالث وأراه الأغلبية الساحقة في النسوية الشرقية، وهو بعيد عن النسوية كفكرة فلسفية حداثية أكاديمية، وإنما يتبناها ممارسة في حياته.
هذا الصنف المرأة فيه لا تريد التخلي عن دينها وتقاليد مجتمعها ولكنها في الآن نفسه لا تريد التفريط فيما تراه مكاسب النسوية؛ فتحاول جاهدة إمساك العصا من الوسط، لا تترك دينها ولا تفرط في نسويتها، مما أوقعها في كثير من التناقضات، ونرى أثر ذلك في طريقة عيشها، في شكل حجابها، في طريقة تعاملها مع أهلها (زوجا، أبا إخوة، أبناء، محيط العمل…).
وهذا الصنف هو الجدير بالاحتواء والتوعية قبل غيره، كونه ضحية لعوامل كثيرة.
لأنّ هذا الصنف يمثل بناتنا وأخواتنا وأمهاتنا المتدينات بالفطرة والوراثة، ولا يرغبن في الخروج عن قيم الإسلام وقيم مجتمعاتنا، ولكن الظروف دفعتهن لتبني النسوية، لا كفلسفة وفكر بل كممارسة من باب التنفيس والهروب من الضغوطات المجتمعية.
علينا العمل على انتشالهن من هذا المستنقع بتوعيتهن ومحاولة معرفة الأسباب التي دفعت بهن للجوء إلى براثن النسوية من غير وعي ولا قصد.
ويمكنني إجمال تلك الدوافع والأسباب (دون شرحها وتفصيلها، فذلك يحتاج لكتاب أو مشروع متكامل يعود بالمرأة إلى حضنها الأصلي وإلى وظائفها الأساسية) فيما يلي:
1- ضعف التكوين الشرعي بدءا من الأسرة إلى المسجد، إلى المدرسة، وانتهاء بالجامعة.
2- المفهوم الخاطئ عن مقاصد الزواج نتيجة ضعف التربية على منهج الإسلام.
3- غياب مقاصد الوجود والرؤية الصحيحة للكون والغاية من الخلق، وهذا راجع لوهاء المنظومة القيمية داخل الأسرة، وضحالة المنظومة التعليمية في هذا الجانب.
4- طغيان الماديات على الحياة، وبروز فلسفة المتعة والفردانية خاصة مع صعود تيار التنمية البشرية.
5- سوء التنشئة للبنت والولد على حد سواء، وغياب المعيارية في ذلك، فلا نحن مشينا مشية الغرب في كل أمورنا، ولا نحن نهجنا منهج الإسلام، فخرج جيل مشوه.
6- سوء توظيف كثير من المفاهيم والأحكام الشرعية من طرف الرجل والمجتمع مما أدى إلى نتائج عكسية نتيجة تلك الممارسات الخاطئة باسم الدين، مثل فكرة خروج المرأة وفكرة الاستئذان، وفكرة الطاعة، وأكبر مفهوم ظُلم وشُوِّه مفهوم القوامة.
7- تراجع مكانة الأب والأخ والزوج في الإنفاق والحماية نتيجة عوامل كثيرة، مما دفع بالمرأة إلى أخذ زمام المسؤولية (قد عالجت هذا في مقالي: حين تنتكس الفطرة)
8- تأثير رياح وسلطة الثقافة الغالبة؛ من نسوية وحداثة وفردانية ورأسمالية ومادية متغولة.
9- تأثير الإعلام والمسلسلات والأفلام وصناعته لقدوات فاسدة هدامة، ونماذج بديلة عن العلماء والصالحين والصالحات.
10- تأثير مواقع التواصل وتفشي التقليد الغبي فيها، وتسطيح فكرة الحقوق والواجبات عبرها.
وفي الختام أقول:
حين ينطلق الإنسان من عقله يعيدا عن الوحي يتيه ويضل وينحرف عن المسار السليم والفطري الذي وضع له لا محالة؛ ولما يقطع شوطا كبيرا في ذلك يرفض الرجوع والاعتراف ويتمادى في ضلاله وزيغه واتباع هواه ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾.