في حلقة خاصة من برنامج “كاتب وكتاب من المعرض” عبر شبكة “أخبار الوطن”، أطل الكاتب والوالي السابق بشير فريك ليشارك جمهور المشاهدين تجربته الحافلة بالأحداث السياسية والإدارية في فترة عصيبة من تاريخ الجزائر، هذه الشهادة كانت بمثابة نافذة تطل على محطات محورية في حياة الرجل، الذي كافح سنوات من المحنة والفقدان، ليخرج منها بعزم أكبر ويحولها إلى مادة خصبة في كتابه الذي يوثق جزءاً مهماً من تاريخ الجزائر في التسعينيات.
بداية المشوار: من ولاية الوادي إلى دائرة برج منايل
بدأ فريك حديثه بتفاصيل عن بداياته في الساحة السياسية والإدارية، حيث تم تعيينه في ولاية الوادي في عام 1967. في تلك الفترة، كان يشغل منصب والي المنطقة، التي كانت في ذلك الوقت منطقة نائية وصحراوية وفي بداية حديثه، أشار فريك إلى حادثة هامة في فترة ولايته هناك، حيث شهدت ولاية الوادي انتفاضة جماهيرية في عام 1989، إذ تجمع حوالي 15 ألف مواطن أمام مقر الولاية احتجاجاً على غياب المسؤولين في وقت كانت البلاد تمر بأزمة سياسية وأمنية، تحدث بشير فريك عن صعوبة إدارته للولاية في تلك الظروف، حيث أشار إلى أن الولاية كانت تعاني من مشاكل كبيرة تتعلق بالبنية التحتية، وهو ما جعل مهمته في التعامل مع هذه الاحتجاجات أكثر تعقيداً ورغم التحديات التي واجهها، إلا أنه استطاع أن يخرج بالولاية من هذه المرحلة بفضل تعامله الحكيم مع الوضع
المحنة الكبرى: فترة الأزمة الأمنية في الجزائر
لكن أكثر محطات حياته صعوبة كانت خلال الأزمة الأمنية التي ضربت الجزائر في التسعينيات ففي تلك الفترة، تم نقله إلى دائرة برج منايل في مارس 1989، وهي منطقة لم تكن ضمن نطاق التنقلات الإدارية الاعتيادية. فريك يذكر أن انتقاله كان مفاجئاً وغير متوقع، حيث وجد نفسه في منطقة كان قد شُيع عنها أنها تشهد توتراً كبيراً بسبب انتشار الجماعات الإرهابية، فريك استذكر تلك الفترة قائلاً: “في البداية، كنت أواجه تحدياً مزدوجاً: من جهة، كان عليّ الحفاظ على سير العمل الإداري في مواجهة العنف المستشري، ومن جهة أخرى، كنت أتعامل مع عدد من التوجهات السياسية المتناقضة، ما كان يجعل مهامي أكثر تعقيداً”. وأضاف أنه كان في كثير من الأحيان “يخرج من مكتبه دون أن يعرف ما إذا كان سيعود في المساء، نظراً للتهديدات التي كانت تحيط به وبالمنطقة من كل جانب”، وكانت تلك الفترة، كما يروي بشير فريك، مليئة بالمشاهد المأساوية، كان يرى يومياً المقابر تستقبل ضحايا الإرهاب، سواء كانوا من رجال الأمن أو المدنيين، وكان يشهد تدمير المنشآت الحكومية والمدارس والمرافق العامة لكنه، رغم صعوبة الوضع، استمر في أداء مهامه، مشيراً إلى أن “الحكومة الجزائرية كانت في حالة حرب غير معلنة مع الإرهاب، وكان التحدي الأكبر هو الحفاظ على استقرار المؤسسات في ظل هذا الوضع المأساوي”.
صراع سياسي داخلي: بين الحكومة وجبهة الإنقاذ
من أبرز المحطات التي وقف عندها فريك في هذه الشهادة هي الصراعات السياسية التي كانت تشهدها البلاد في تلك الفترة، وخاصة بين الحكومة المركزية وجبهة الإنقاذ، التي كانت ترفض بشدة التعامل مع المؤسسات الرسمية، فريك يتحدث عن مقاومة الجماعات المحلية التي كانت ترفض تطبيق القوانين الوطنية، ويذكر في كتابه العديد من الأحداث التي شهدتها البلديات، حيث كانت المجالس البلدية في كثير من الأحيان تشهد تصادمات حادة بين ممثلي الحكومة ومنتخبي جبهة الإنقاذ ، أحد المواقف الصعبة التي مر بها فريك كان خلال الانتخابات التعددية التي أُجريت في تلك الفترة، حيث كان عليه الإشراف على هذه الانتخابات في ظروف مليئة بالتوتر السياسي والأمني ورغم التحديات، استطاع فريك أن ينجح في تنظيم الانتخابات، وهو ما منحه ثقة أكبر في نفسه وأدى به إلى المشاركة في تطوير الحياة السياسية المحلية رغم الضغوط الكبيرة
التحولات الكبرى: من وهران إلى عنابة
بعد فترة من العمل في ولاية الوادي، تم نقله إلى ولايات أخرى في الجزائر، منها وهران وعنابة، حيث واجه تحديات مختلفة في وهران، استذكر فريك فترات من الصراع السياسي بين المسؤولين المحليين والقوى الوطنية، وخاصة في فترة من الفترات التي شهدت تنامي الدور السياسي للمجالس البلدية وكان عليه الحفاظ على التوازن بين إدارة المشاريع التنموية وتطبيق السياسات الحكومية، وسط سعي بعض القوى المحلية لتحدي سلطته وفي عنابة، وجد فريك نفسه في بيئة أكثر تعقيداً، حيث كانت المدينة قد شهدت زيادة كبيرة في الأنشطة الإرهابية ومع ذلك، تمكن من استعادة السيطرة على بعض المناطق الحيوية في المدينة، ونجح في تعزيز التعاون بين الحكومة والمجتمع المحلي
الولاة لا يستطيعون اتخاذ قرارات حاسمة أو تنفيذ سياسات طويلة الأمد
من أهم النقاط التي أثارها بشير فريك في حديثه كانت مسألة الوضع “الهش” للوالي في الجزائر فهو يرى أن الولاة، رغم أنهم يشرفون على تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى في البلاد، إلا أنهم لا يحظون بالاستقلالية الكافية، سواء على المستوى السياسي أو الإداري. وقال فريك: “الوالي اليوم ليس لديه أي ضمانات. اليوم هو في منصبه وغداً قد يتم إقالته دون أن يعرف السبب”، وأشار فريك إلى أن هذا الوضع يضع الولاة في مواقف صعبة، حيث لا يستطيعون اتخاذ قرارات حاسمة أو تنفيذ سياسات طويلة الأمد بسبب غياب الاستقرار الإداري والسياسي، وقد دعا إلى ضرورة تفعيل القانون الأساسي للولاة، لضمان استقلالهم وتمكينهم من أداء مهامهم بشكل أفضل.
عماد الدين بن جامع