حدد المرسوم الوزاري رقم 37 المؤرخ في 14 أفريل 2022 المتعلق بشعب التعليم الثانوي العام والتكنولوجي، الهدف من إقرار بكالوريا الفنون بـ “تنمية وصقل مواهب التلاميذ الفنية وتطويرها وإكسابهم ثقافة تمكنهم من فهم الأبعاد الثقافية، التاريخية والجمالية للإبداعات الفنية وترقية البعد الفني وإعطائه مكانة في النظام التربوي” و هو المسعى الذي يعول عليه مستقبلا لحلحلة المشهد الثقافي الغارق في ضحالته و فقره .. ، و رغم الآمال و التطلعات التي يعقدها بعض الفاعلين في المشهد الثقافي إلا أن البعض الآخر يرى أن إقرار بكالوريا خاصة بالفنون، تعترضه صعوبات كثيرة بداية بعملية توجيه التلاميذ لها، وإقناع الأولياء بذلك، وعدم وضوح الآليات التي تربط هذه الشعبة بسوق العمل. و إن كان الرئيس في آخر اجتماع لمجلس الوزراء قد كشف عن إمكانية اللجوء إلى خبراء و مدرسين أجانب من أجل إنجاح العملية التربوية في هذه الشعبة.
الثانوية النموذجية للفنون ستسد الفراغ الثقافي والفني لدى الجيل الناشئ
وفي هذا الصدد، أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، لدى ترؤسه الأحد الماضي اجتماعا لمجلس الوزراء، أن “الهدف من إنشاء الثانوية النموذجية للفنون هو سد للفراغ الثقافي والفني لدى الجيل الناشئ”.
وأوضح بيان لرئاسة الجمهورية عقب اجتماع مجلس الوزراء أن الرئيس تبون أبرز، في توجيهات عامة للحكومة، أن “الهدف من إنشاء الثانوية النموذجية للفنون هو سد للفراغ الثقافي والفني لدى الجيل الناشئ لتقوية أسسنا الثقافية والفنية من أجل مواجهة التحديات التي تنطلق من مرجعياتنا الثقافية، على غرار الفن السينمائي والمسرحي والموسيقي”.
استقدام أساتذة متخصصين وخبراء يتولون التكوين في مختلف الفنون
وبهذا الصدد، أمر رئيس الجمهورية باستقدام أساتذة متخصصين وخبراء يتولون التكوين في مختلف الفنون، إلى غاية نيل البكالوريا الفنية، وهذا “إرساء لثقافة التكوين في المجال الفني كمكانة اجتماعية”. كما شدد على أن دور السينما “مهم ومحدد في صناعة فكر الفرد الجزائري والمجتمع ككل وليس للتسلية فقط”.
البكالوريا الفنية ستمكن المبدعين والموهوبين من المساهمة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية
يذكر أن وزير التربية الوطنية، عبد الحكيم بلعابد ووزيرة الثقافة و الفنون، صورية مولوجي، قد وقّعا اتفاقية إطار تقضي باستحداث وتنظيم بكالوريا فنية، تجسيدا لقرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وأكد بعابد في هذا السياق أن “تضافر جهود القطاعين بغرض إنجاح هذا المشروع الهام والاستراتيجي، ستكون له ، لا محالة تداعيات ايجابية جدا على النظام التربوي وعلى الحياة الثقافية الجزائرية”، وبالنسبة لوزيرة الثقافة والفنون فإن هذه البكالوريا “تكون بمثابة آلية تمكن المواهب الشبانية من صقل مواهبها وتكييفها مع متطلبات العصر بالولوج إلى دراسات عليا من جهة و تمكين أصحاب المواهب من المساهمة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية كمبدعين وفاعلين من جهة أخرى”.
منير بن دادي
الأستاذ الجامعي والكاتب، الدكتور محمد ساري لـ “أخبار الوطن”:
“بكالوريا الفنون ستسمح بصقل المواهب وتوجيهها الوجهة العلمية الصحيحة”
أخبار الوطن: ما الجدوى من استحداث بكالوريا الفنون؟ وما الذي يمكن أن تضيفه للبلد؟
الدكتور محمد ساري: المعروف في الجزائر أن المعاهد الفنية القليلة تفتح أبوابها لغير أصحاب البكالوريا، كما لو أنها فتحت أصلا للفاشلين في الدراسة، وهذا أضر كثيرا بصورة الفن عموما وبمستوى الفنانين الضعيف عموما، لهذا أرى أن إنشاء بكالوريا للفنون أمرا ضروريا لتطوير الفنون وفتح مدارسها لذوي المواهب والراغبين من التلاميذ النجباء للتخصص في هذا المجال الحيوي من الثقافة الذي أضحى يستفيد كثيرا من التطور العلمي والرَقْمَنة. إن إنشاء بكالوريا الفنون هو طريقة مبكرة لاكتشاف المواهب وصقلها وتوجيهها الوجهة التربوية والعلمية الصحيحة، لأنّ الشرط الذي يستتبع إنشاء البكالوريا هو إنشاء مدارس عليا في الفنون كما هو الحال في جميع بلدان العالم المتطور، خاصة في الموسيقى والسمعي البصري والسينما، كي نعطي للبكالوريا قيمته الفعلية وتكون هذه المدارس العليا حافزا لتلاميذ الثانويات على اختيار الدراسة في تخصص الفنون. فبعد سنوات، تظهر الفائدة في إنتاج مصنفات فنية ذات مستوى عالمي، تساعد على إخراج الفن الجزائري من صورته المحلية الباهتة، وقد تحصد جوائز عالمية في مختلف المهرجانات التي تقام هنا وهناك، كما يمكن لمعاهدنا، إن نحن طورناها بالشكل العلمية الجاد أن تصبح قبلة لطلبة الدول العربية والإفريقية على الأقل لمواصلة الدراسة فيها مثلما يفعل طلبتنا اليوم بالانتقال إلى عواصم عربية أو أوروبية لاستكمال تكوينهم، وأمثلة الجزائريين الذين مرّوعبر المعاهد الفنية الأجنبية كثيرة، وفي جميع التخصصات الفنية.
في نظركم، هل الجزائر تملك الإمكانيات اللازمة لا سيما المكونين من أجل الوصول إلى هذا الهدف؟
ينبغي أن تكون لدينا أسلحة السياسة التي ننتهجها، فلا ندخل حربا بدون إعداد جيد، وأرى أن تأسيس بكالوريا الفنون وهي الخطوة الأولى قبل فتح معاهد جامعية تستقبل الحاصلين على بكالوريا الفنون، هي فرصة ذهبية لتوفير أطر التكوين سواء ما تعلّق بالمؤطرين أو بالوسائل المرافقة لمثل هذا التكوين. وهنا، على الأقل على مستوى البكالوريا، تملك الجزائر من الإطارات ما يكفي للاستعانة بها في التدريس الثانوي، خاصة أن فتح أقسام الفنون في الثانويات يأتي بالتدرّج، ولا يخص جميع ثانويات البلد، وهي كثيرة جدا، تكون الأقسام الأولى تجريبية ستعمَّم لاحقا وبالتدرّج، ومستقبل تدريس الفن بالجزائر مرهون بنجاح هذه التجربة، لهذا ينبغي توفير الشروط الضرورية لضمان نجاحها، حتى وإن تطلب الأمر توظيف أساتذة أجانب كمتعاونين تقنيين مثلما حدث للتعليم العام بعد الاستقلال، ولا أظن أن الجزائر تنقصها الإمكانيات المادية واللوجستيكية لتحقيق هذه الهدف إن توفرت الإرادة السياسية والكفاءة الإدارية في التسيير الراشد، وعدم الاكتفاء بالشعارات الرنانة، والبحث عن الكمّ على حساب الكيف والنوعية.
في اعتقادكم، ما هو المطلوب من أجل إنجاح البكالوريا الفنية؟
أظن أن الذي أقرّ إنشاء البكالوريا الفنية، يكون قد فكر مليا في هذا “المطلوب” من أجل إنجاح هذا المشروع التربوي الهادف إلى ترسيخ الفنون في الحياة الاجتماعية والتربوية الجزائرية. وما على وزارة التربية الوطنية التي يعود إليها قيادة القسم الأول لهذا المشروع، وإلى وزارة التعليم العالي التي ستتولى استقبال طلبة بكالوريا الفنون أن تعمل بجدية وفعالية في تأطير هذه الأقسام بتوفير جميع الشروط اللازمة ليتخرج منها طلبة أكفاء يستطيعون مواصلة التعليم العالي في تخصصهم، والتفكير الأولي في إسناد منح دراسية للأوائل لمواصلة دراساتهم في المعاهد العليا العالمية، مع دفتر أعباء صارم، بحيث لا نكرر تجربة إرسال الطلبة إلى التكوين في الخارج دون رقيب ولا متابعة، فيتبخرون في العواصم الأجنبية ولا يعودون. فتكون الخسارة على مستوى الأفراد والمجتمع. والطريقة المثلى هي الاستعانة بأساتذة أجانب مُكوِّنين للتدريس في معاهدنا بالشروط والضوابط العالمية في مجالي التدريس الجامعي والتكوين.
وتبقى جميع النوايا الحسنة والوصايا الحميدة مرهونة بمدى جدية وعلمية تسيير هذا المشروع وحزم هيئة التأطير الإداري والتربوي لتوفير الشروط الضرورية لإنجاح بكالوريا الفنون أولا، ثم العمل على فتح معاهد جامعية عليا قادرة على التكوين العلمي في مستوى المتطلبات العالمية وهو ليس بالأمر المستحيل بل إنه ممكن التحقيق بقليل من التبصر والإخلاص في العمل.
سأله: منير بن دادي
رئيس الاتحادية الجزائرية للثقافة والفنون، عبدالعالي مزغيش لـ “أخبار الوطن”:
“البلد في حاجة إلى الثقافة والفنون لترميم ما ترسب من سنوات العنف والفوضى”
يعتقد رئيس الاتحادية الجزائرية للثقافة والفنون، عبد العالي مزغيش أن”استحداث بكالوريا فنون يمنح اعتبارا للفنون ويضعها في مقام رفيع مقارنة بوضعها السابق أين كانت مجرد مواد ثانوية بمعدلات ضعيفة ودروس يقبل عليها التلاميذ باحتشام ويعتبرونها ترفا زائدا بل هناك من كان ينادي بالتخلي عنها”.
وحسبه فإن “هذا الاعتبار يتماشى مع الخطاب الرسمي للدولة والذي يعتبر في آخر مجلس للوزراء على لسان الرئيس؛ السينما على سبيل المثال تساهم في البناء الذهني والروحي للفرد الجزائري، ولعل هذا يلامس الحقيقة الماثلة عبر التاريخ حيث ساهمت الفنون والآداب في بناء المجتمعات بنشر الوعي و الثقافة و قيم الخير و الجمال”.
وعبّر عبد العالي مزغيش في تصريح لـ “أخبار الوطن”، بأن “التجربة واعدة؛ وسانحة لتوظيف عدد كبير من خريجي المعهد العالي للموسيقى والمعهد الوطني للفنون الدرامية سابقا، والذي يسمى منذ سنوات المعهد الوطني لفنون العرض ومهن السمعي البصري، بالإضافة إلى خريجي المدرسة الوطنية للفنون الجميلة مع المدارس الجهوية للفنون الجميلة و للموسيقى” .
وعن المطلوب من أجل إنجاح البكالوريا الفنية، أكّد مزغيش على “الدور المهم جدا للأسرة في توجيه الأبناء نحو بكالوريا الفنون بمنحهم فرصة الاختيار وحريته في التوجه نحو هواياتهم”، داعيا الإعلام إلى أن”يرافق هذه الوثبة في عالم التربية الوطنية حتى تنجح وهذا بالتوعية حتى لا تظل النظرة قاصرة تجاه الفنون ينظر إليها البعض نظرة استعلاء أو استهجان أو رفض أو تتفيه، نتيجة التعامل بسطحية مع مسألة الفنون وتأثيرها في الحياة اليومية للأفراد والأمم”.
وأفاد رئيس الاتحادية الجزائرية للثقافة والفنون بأن “بلدنا بحاجة إلى أن “تصنع الثقافة والفنون يومياته حتى نرمم نفسية أبناء البلد مما ترسب فيها من سنوات العنف والخوف والفوضى”.
منير بن دادي
النقابي والنائب البرلماني السابق، مسعود عمراوي، لـ “أخبار الوطن”
“ثانوية الفنون ستجد صعوبات في إقناع الأولياء وتوجيه التلاميذ لها “
يرى النقابي والنائب البرلماني السابق، مسعود عمراوي أن “ثانوية الفنون ستجد صعوبات كبيرة في نجاحها بدءا بعملية توجيه التلاميذ لها، وإقناع الأولياء بذلك، لأنه من حقهم معرفة مصير أبنائهم بعد التخرج فالبراغماتية تقتضي استشراف سوق العمل”، وحسبه “فالفرق شاسع بينها وبين ثانوية الرياضيات، فالرياضيات مادة أساسية، ولها شعبة خاصة مما سهل في إنجاحها”.
وعبّر النقابي والنائب البرلماني السابق بأنه “رغم الأهداف المرسومة للثانوية النموذجية للفنون كما جاء في بيان مجلس الوزراء من أجل سد الفراغ الثقافي والفني لدى الجيل الناشىء، ولتقوية أسسنا الثقافية والفنية لمواجهة التحديات المنطلقة من مرجعياتنا الثقافية، غير أن الإعلان عنها فاجأ الجميع، إذ كان يفترض ومن أجل إنجاح هذا المشروع التحضير له إعلاميا لإقناع الأولياء، والإعداد له إعدادا جيدا، خاصة وأننا نعلم بأن أبناءنا التلاميذ لم يتلقوا أي دراسة عن هذه الفنون باستثناء مادة التربية الفنية أو الموسيقية التي درسها خلال حصة واحدة في الأسبوع وفي بعض المؤسسات التربوية فقط، لأنها لا تدرس في جميع المتوسطات واعتبروها كحصة من حصص مواد الإيقاظ أو الأنشطة اللاصفية فقط، وكأنها حصة للترفيه عن نفسيتهم وتجديد نشاطهم”.
وأشار عمراوي في تصريح لـ “أخبار الوطن”، إلى “تساؤلات عدة تطرح حول تخصصات الطاقم التربوي الذي يتكلف بتدريس مختلف المواد، وهل في هذه الثانوية سيتم الاعتماد على تخصص واحد أو كل التخصصات؟، كما أن الأمر الذي ينبغي التفكير فيه تفكيرا علميا كيف يتم توجيه التلاميذ لهذه الشعبية؟ وما هو الملمح الذي سيعتمد في التوجيه؟ لأن عملية التوجيه تعتمد على ملمح التلميذ وهو لم يسبق له دراسة هذه المادة، وهل يقتنع الأولياء بتوجيه أبنائهم لهذه الشعبة وهم يعرفون بأن سوق العمل لا يطلبها؟”، داعيا وزارة التربية الوطنية إلى تقديم توضيحات أكثر لإزالة اللبس والغموض الذي اكتنف العملية، وفي نفس الوقت للإجابة عن التساؤلات المطروحة”.
منير بن دادي