-
زِفاف بلونيس حضره بن بلة وخيضر وآيت أحمد وكريم بلقاسم.
-
بلونيس “خادعَ” الفرنسيين عندما جعل مقرّ قيادته وإدارته في خيم تقليدية متنقلة.
الـحــلــقة الثانية :
يواصل الحارس الشخصي لـ محمد بلونيس حمود قرطال صاحب 84 سنة سرد قصة التحاقه بجيش محمد بلونيس، انطلاقا من ساحة الحصان سابقا وساحة الشهداء حاليا إلى جبال ديرة في محيط سيدي عيسى،وكيف اختاره بلونيس حارسا شخصيا له، لينثر كثيرا من التفاصيل التي تتعلّق بحماية بلونيس ومقر إدارته المتنقلة عبر الخيم التقليدية، وكيف اتخذ من المناطق المكشوفة السهلية والسهبية المستوية مقرا لإدارته لمراوغة الفرنسيين. كما يتحدث الراوي عن حرَم وأولاد بلونيس اللذين ظلوا يلازمونه في كل تنقلاته، كل هذه الخبايا والخفايا تكتشفونها عبر الحلقة الثانية من هذه الشهادة الحصريّة التي يُحدِّثُ بها حمود قرطال لأول مرة، وخصّ بها “أخبار الوطن” حصريا.
ــــــــــــــــــــ فـاروق مـعـزوزي ــــــــــــــــ
كيف كانت تفاصيل رحلتك نحو الجبل؟
ركبنا الحافلة وسارت بنا من ساحة الشهداء حتى توقفت عند المركز العسكري في بني عمران، صعد ضابط فرنسي وخاطب القابض بقوله: ” كم عدد الفلاقة موجودين معك في الحافلة؟” رد السائق: “كلهم فلاقة إلا أنا والسائق”، ثم قام القابض بدعوة الجندي لاحتساء الخمر في الحانة المحاذية لنقطة التفتيش بمعية السائق. وبعد 20 دقيقة، عاد وانطلقت الحافلة مجددا حتى وصلنا إلى البويرة دون أي مشكل يذكر، وقد نزل كل المسافرين إلا أنا وصديقي بلحاج، ولما هممنا بالنزول قال لنا قابض الحافلة لا تنزلوا، وهنا فهمنا أننا كنا تحت حمايته، ثم قام بأخذنا إلى منزل بتنا فيه ليلتنا الأولى.
أين كانت الوُجهة بعد ليلتكم الأولى؟
في صباح الغد،أخذنا رجال التنظيم المدنيين إلى الحافلة التي أقلتنا إلى مدينة سيدي عيسى، وقبل أن نصلها بـ 10كلم وجدنا رجالا آخرين ينتظروننا يحملون معهم برنوسين، تلحفنا بهما للتمويه وصعدنا إلى “جبل ديرة” مباشرة.
كيف وجدتم حياة الجبل؟
وجدت كتيبة تتكون من70 جنديا تحت قيادة “سي سليمان” القبائلي (ملاحظة كان اغلب الجنود قبائل من دوار الريش)، وبقينا مع الكتيبة لمدة 15 يوما بدون سلاح، نتنقل في جبال ديرة وبعض الأحيان في القرى والمداشر. وقد وجدت عندهم السلاح من نوع “ماط 49″ وبنادق صيد و”ستاتي” إيطالي بدون ذخيرة، كانوا قد غنموهم من المعارك،وفيما بعد علمت أن ضابطا من الجيش الفرنسي في المسيلة قد باع لمحمد بلونيس كمية من السلاح.
هل خُضتم معاركا، وهل كانت مع جيش التحرير أم مع الجيش الفرنسي؟
للأسف، المعركة الأولى التي حضرتها كانت ضد الجبهة في جبل ديرة، حيث ضل تمركزنا في جبل ديرة وتحصّنا به، كونه منطقة حيوية لجيش بلونيس، وقد كانت الجبهة تتسلل إلى مناطق بلونيس عبر”ماجينو” سابقا وشلالة العذاورة حاليا بهدف ضم المنطقة الجبلية ونظامها المدني لتعزيز الدعم اللجويستي لها، ما خلق بيننا تصادما بدأ بالمناوشات وانتهي بمعارك أدت إلى انسحاب الجبهة من مناطق نفوذنا،وهنا يمكني أن أنوّه بأن الفضل الكبير يعود للمدنيين وليس للمجاهدين، ولولاهم ما صمد جيش بلونيس.
مقاطعا..كيف قاتلتم إخوانكم والمستعمر يترصّدكم، أما كان حريّا بكم أن توجّهوا بنادقكم نحو العدو؟
لا يوجد مسؤول أو مناضل يستطيع أن يصف لك شعوره ونحن نحارب بعضنا، وهنا أستشهد بكلام الرائد لخضر بورقعة الذي قال” كنا نخوض الحرب ضد جماعة بلونيس وهم يبكون ونحن نبكي”، بمعنى لم يكن أحد منا راغبا في قتل أخيه، والغريب أنه حتى المسؤولين لم يكن بمقدورهم أن يوقفوا هذه الحرب بين الأشقاء الأعداء.
كيف تأقلمت مع ظروف الجبل الوعرة وأجواء الحرب؟
لم أمكث مطولا، فبعد 15 يوما جاءنا اتصال يدعونا فيه بضرورة الالتحاق بالإدارة الموجودة في البراردة جنوب سيدي عيسى، وقد تنقلت الكتيبة كاملة من جبل ديرة في حدود الساعة 16.00 مساء، وقد وصلنا الثانية صباحا إلى سيدي عيس، حيث قطعنا مسافة 55 كلم مشيا على الأقدام.
كيف جعل بلونيس مقرّ إدارته في منطقة مستوية ظاهرة للعيان، ولم يتحصّن بالجبال؟
عند وصولنا وجدنا الإدارة تقع في منطقة سهلية تحت الخيام التقليدية، قدمنا القائد سليمان القبائلي لـ محمد بلونيس،الذي سألني على نظام الحركة في المدن، فقلت له موجود حسب الظروف، وأكدت أن النّظامين جبهة التحرير والحركة الوطنية قد تضررا كثيرا بعد إضراب 6 أيام، وهنا اختارني حارسا شخصيا له برفقة بلحاج وقدمني حتى إلى حرمه السيدة زينب وكانت برفقتها ابنتيها مونيا ونصيرة وكذلك مؤمن(5 سنوات) وحسان الذي ولد في الجبل (3 سنوات).
مقاطعا..مِمَ تكونت الإدارة وكيف كان شكلُ مقرها؟
الإدارة كانت تتكون من أربعة خيم تقليدية، فالخيمة الأولى خصصت للعائلة والخيمة الثانية خصصت للحراسة والخيمة الثالثة والرابعة خصصتا لحماية الإدارة. وشارك محمد بلونيس إدارة المكان مثقفون ومتعلمون، الذين كانوا يعدون له المراسلات والتقارير بالعربية وبالفرنسية. ومن بين هذه الكوادر حسين مقري من كبار مناضلي الحركة الوطنية، ومحمد الوهراني وبشير الوهراني، وحجاج الذي تم إعدامه من طرف محمد بلونيس حين اكتشاف أنه عميل للجيش الفرنسي.
ما هي الغاية التي ابتغاها بلونيس من وراء جعل مقر إدارته بسهلٍ مستوٍ مكشوف؟
هنا يستحضرني قول الجنرال برلانج عن محمد بلونيس: “إنه ذئـب”، فالإستراتيجية أو الحيلة التي اعتمدها محمد بلونيس ضد فرنسا تكمن في أن يجعل القيادة والإدارة في السهول والسهوب، بمعنى في الأراضي المنخفضة والمستوية والظاهرة للعيان، لمراوغة الفرنسيين الذين لا يخطر ببالهم أنها مقر قيادة بلونيس، بل سيعتقدون أنها تعود لمواطنين عادين، وقد نحج بهذه الطريقة كثيرا،لاعتقادهم أنه متحصن بالجبال.
ماذا عن عائلته التي ظلت لصيقة به رغم مخاطر الحرب ؟
في كثير من الحالات كان يترك عائلته وأولاده في ريف البراردة عند أنصاره من المدنيين. أما حرمه السيدة زينب، فكانت تتنقل معه في كثير من المرات، خاصة في جولاته من منطقة إلى المنطقة للاتصال بالكتائب عندما كان يحثهم على الحرب ضد الفرنسيين.
من كان أفراد حراسته الشخصية وهل تكلّفوا بحماية عائلته؟
محمد بلونيس كان له 20 حارسا شخصيا يتنقلون معه دوما، وقد حضيت شخصيا بثقته عندما اتخذني حارسا له، وقربني من أهله حتى أصبحت عند زوجته بمثابة الشقيق، وإلى حد الآن تعتبرني كذالك ودوما أتفقدها بالزيارة وأنا في اتصال مستمر معها.
كيف استطاع بلونيس استغلال العشائر والقبائل التي سارت في ركبه؟
كان محمد بلونيس خطيبا ومتكلما جيدا، يؤثر في من يخطب فيهم، وهذا يعد عامل مهم في استقطابه العشائر والقبائل ووجهاء المنطقة، وخاصة أن جيشه كان مترامي الأطراف في ثلاث ولايات: السادسة والثالثة والرابعة. وهنا يمكني أن أعرّف به لم يجهله؛ إن محمد بلونيس ليس نكرة أو شخصا مغمورا، بل مناضلا في الحركة الوطنية من وقت 1940 كان ممثل حزب الشعب في برج منايل، شارك في الحرب العالمية الثانية، وكان في جبل كاسينو (ايطاليا) في نفس الجبل الذي كان فيه أحمد بن بلة،أول رئيس للجزائر.
كيف كان مساره في الجيش الفرنسي؟
في سنة 1947، تم القبض عليه من طرف البوليس الفرنسي وحكم عليه بعقوبة السجن لمدة 5 سنوات بتهمة التحريض ضد الإدارة الفرنسية، وقد سجن في سركاجي حاليا وبربروس سابقا، ثم نقل إلى سجن تيزي وزو، ثم نقل إلى سجن البليدة، ليتم إطلاق سراحه سنة 1952.
ماذا عن عائلته، هل انضموا إلى جيشه، أم كانت لهم خيارات أخرى؟
شقيقه علي قد استشهد في جبل قعيقع في معركة ضد الجيش الفرنسي،أما شقيقه عمار تم القبض عليه ومات تحت التعذيب. عائلته غنية وثرية تملك العديد من الأراضي والحقول والبساتين في سهل برج منايل، وحرمه السيدة زينب فرحي عربية أصيلة وحضرية “قح” سليلة جمعية العلماء المسلمين، قد اختارها البشير الإبراهيمي مدرسة للغة العربية في المدنية سنة 1947.
مقاطعا..إذن ما لذي جعله يقاتل أبناء جلدته؟
قبل الإجابة على سؤالكم ينبغي التنويه بأن في يوم زفاف محمد بلونيس سنة 1947،الذي دام 4 أيام متصلة من 21 مارس إلى 24 من الشهر نفسه، وقد حضر عرسه 1200 مدعو، من بينهم احمد بن بلة وحسين ايت احمد، ومحمد خيضر،وكريم بلقاسم (لما كان مبحوثا عنه)، وبعد الزفاف استقبل الزعيم مصالي الحاج، ونظم له جولة في منطقة القبائل ووفر له كل الإمكانات من 21 مارس إلى 24 مارس 1947.
نعود إلى صلب الموضوع، كيف اتّخذ خيار محاربة إخوانه بدل محاربة العدّو؟
بعد القبض على ملزي علال في أفريل 1955 أخذ مكانه في تسيير مسؤولية الجيش التابع للحركة الوطنية في المنطقة القبائل بتكليف من مصالي الحاج، ودام نشاطه في منطقة القبائل وضواحيها من أفريل 1955 إلى أفريل 1956(سنة كاملة تقريبا)، وعندما أصبح جيش التحرير التابع لجبهة التحرير الوطني قويا في منطقة القبائل دخل معهم في صراع مرير،عبر عدة اشتباكات ومعارك.