حاوره : أحمد لعلاوي
كشف الاعلامي، والمناضل السابق في جبهة التحرير الوطني، محمد بوعزارة، عن معلومات تؤكد أن المتسبب في أحداث 5 أكتوبر 1988، التي شهدتها الجزائر، كانت بفعل تحريك النظام السياسي نفسه، موضحا في تصريح لـ “أخبار الوطن”، “أنه وخلال معايشتي لتلك الأحداث و ما أملكه من معلومات لم تكن سوى عملية تحريك من داخل النظام نفسه و خاصة من قِبل بعض المحيطين بالرئيس الراحل الشاذلي بن جديد لتحقيق مجموعة من الأهداف و الأجندات الداخلية و الأجنبية” على حد قوله.
وتحدث بوعزارة على عدة قضايا، في ذات الحوار، على غرار العشرية السوداء في البلاد خلال سنوات التسعينات، كما أعطى قرأته للحراك السلمي في الجزائر، الذي إنطلق في 22 فيفري الماضي، ومستقبله في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد .
شكلت أحداث اكتوبر88، منعرجا حاسما، في المسار السياسي للدولة الجزائرية، برأيكم ما الذي فجَّر أحداث أكتوبر ؟
لئن تحدث بعض المحللين و المتابعين للشأن الجزائري على أن أحداث أكتوبر 1988 كانت ثورة شعبية ، أو ربيعا جزائريا مبكرا حسب البعض الآخر ، فإن تحليلي الخاص و معايشتي لتلك الأحداث و ما أملكه من معلومات لم تكن سوى عملية تحريك من داخل النظام نفسه و خاصة من قِبل بعض المحيطين بالرئيس الراحل الشاذلي بن جديد رحمه لتحقيق مجموعة من الأهداف و الأجندات الداخلية و الأجنبية .
فمن المعروف أن الأزمة المالية التي عاشتها الجزائر بدءا من عام 1985 نتيجة انخفاض سعر المحروقات ــ و هي شبيهة بالأزمة الحالية ــ أدت ببعض المسؤولين المحيطين بالرئيس أن يقترحوا عليه سلسلة من الإجراءات و الإصلاحات السياسية و الاقتصادية و من بينها فتح المجال للتعددية السياسية و الإعلامية و التمهيد بانفتاح اقتصادي ضمن ما يعرف باقتصاد السوق .
و كان هذا الفريق يرى أن العقبة التي تحول دون تحقيق هذه الغايات هو تشبث قيادة جبهة التحرير الوطني بالنهج الاشتراكي و الخط الاجتماعي الذي ما فتئت الجبهة تتبناه في دفاعها عن القدرة الشرائية للمواطنين و عن المكاسب الاجتماعية المحققة .
و لذلك و بالنظر إلى معارضة قيادة الجبهة و مناضليها لتلك التوجهات التي كانت تشكل تخوفا كبيرا لدى الجبهة من أن يؤدي هذا إلى انحرافٍ كبير عن القيم و الأدبيات التي ظلت الجبهة تتبناها منذ عقود ، فقد عمد عددٌ من رجالات الرئيس بن جديد إلى تحريك مسيرات عمالية انطلاقا من مصنع الرويبة، و لكن تلك المسيرات التي وُصِفت بـ”العفوية ” من قبل النظام القائم انحرفت عن الخطة المرسومة و تحولت إلى مطالب و شعارات تنادي بإسقاط النظام بعد أن تسلل إلى تلك المسيرات تيارات كانت تعمل في السر مثل اللائكيين وحتى التيار الإسلامي الذي كشف عن وجهه لاحقا.
و قد أدى ذلك إلى قيام الساهرين على الأمن خصوصا بعد أن امتد هذا الانفلات إلى تخريب عدة هيئات حكومية و مؤسسات عمومية إلى اللجوء إلى العنف مما تسبب في مقتل مئات المواطنين .
و قد أدى هذا الوضع بالرئيس الشاذلي بن جديد إلى تبني مجموعة من الإجراءات السياسية و الاقتصادية في الخطاب الذي ألقاه مساء 10 أكتوبر محاولة منه لتهدئة الأوضاع .
و قد كان من بين تلك الإجراءات لاحقا دستور 23 فبراير 1989 الذي أنهى احتكار السياسة من قبل جبهة التحرير الوطني بعد أن فتح المجال للتعددية السياسية و الإعلامية و أقرَّ انفتاحا في ظل سياسة اقتصاد السوق.
حلم التغيير الذي جاء به دستور 23 فيفري، 89 أكتوبر أجهضته، الأحداث الدامية التي عرفتها الجزائر فيما بعد، كيف أثرت الأزمة على عملية التحول الديمقراطي في البلاد ؟
ــ كان من المفترض أن يشكل إقرار ذلك الدستور وسيلةً هامة في مسار التحول الديمقراطي المفترض و أن يقيم أسس حكم راشد و يؤدي إزالة مختلف العوائق المثبطة لإقلاع اقتصادي تكون فيه المنافسة هي العنصر الذي يزيل كل عناصر التوترات الاجتماعية القائمة .
و كان من نتائج ذلك أن تطبيقات ذلك الدستور و خاصة قانون الانتخابات الذي جرت في ظله الانتخابات المحلية في 1990 و الانتخابات التشريعية الملغاة بعد ظهور نتائج الدور الأول في الـ 26 ديسمبر 1991 قد تسببت في ظهور أزمة سياسية حادة بعد أن حصدت الجبهة الإسلامية المحلة 188 مقعدا في الدور الأول رغم أنها لم تنل سوى ثلاثة ملايين و نصف مليون ، بينما حصل حزب الأفافاس على 16 مقعدا رغم أنه لم ينل سوى 500 ألف صوت، في حين أن حزب جبهة التحرير الوطني الذي نال أصوات أزيد من مليون و نصف المليون ناخب لم يحصل سوى على 15 مقعد .
و في اعتقادي أنه بغض النظر عن الإجحاف الذي طال جبهة التحرير الوطني بفعل ذلك القانون في تلك الانتخابات الملغاة ، حيث كنت مرشحا و لم تسقطني آلة الفيس المحل، فإن قرار إلغاء الانتخابات كان خطأ فادحا دفع الشعب الجزائري ثمنه باهظا ، كما أن الحسابات الخاطئة لرجالات تلك المرحلة هي من بين الأسباب التي أدت إلى مأساة التسعينيات و ما ترتب عنها من انعكاسات على مختلف المجالات السياسية و الاقتصادية و الأمنية و الاجتماعية .
بعد 30 سنة، وبالضبط في 22 فيفري، يعود الجزائريون إلى الشارع من أجل التغيير كيف تقرأ ذلك ؟
ــ إذا كانت أحداث أكتوبر 1988 قد جرت بفعل فاعل من داخل النظام نفسه لحاجة في نفس يعقوب و لإرضاء جهات أجنبية كانت تتعاطف معها تلك الأطراف بدعوى التغيير و لأسباب أخرى ،فإن قراءتي أن ما اصطلحت عليه بالتحريك الفوقي لأحداث أكتوبر لا يشبه ما يجري منذ 22 فبراير من هذا العام .
أحداث أكتوبر لم تكن عامة داخل الوطن و لم تكن عفوية و لكنها كانت محركة من فوق، و بالتالي فقد كانت مصطنعة و لكنها تحولت إلى عكس رغبة المُحَرِّكين .
أما الحراك الشعبي لـ 22 فبراير 2019 فهو ثورة شعبية عامة شملت الوطن كله منطقة منطقة ، و لم يحركها النظام بل كانت مفاجئة للنظام برمته .
ربما يكون الحراك قد انحرف الآن عن بعض أهدافه ، و لكنه يجب أن يكون درسا لكل مسؤول مستقبلا ليكون في مستوى ثقة هذا الشعب حتى لا يجرفه تيار الشعب مستقبلا كل ما لاحظ عليه الانحراف ، لأن الشعب كالسيل الهادر أو كالزلزال لا يُبقي من ورائه إلا الأطلال .
إستطاع الحراك السلمي أن يوقظ شعلة التغيير، عند المواطن لكنه لم يتمكن إلى غاية الان من ترجمته في حل سياسي كيف تقرؤون مستقبل الحراك الشعبي في مثل هذه الظروف ؟
ــ مستقبل الحراك في اعتقادي مرهون بتحقيق جملة من الشروط :
شرط شعبي : و هو أن يدرك المواطن أنه لا حل أمامنا إلا اختيار رئيس فحل يمتلك كل صفات الكاريزما ، و له خطاب سلس مفهوم و رؤية واضحة لإنقاذ البلد و إعادة الثقة للنفوس و إحلال العدالة و إقامة حكم راشد عن طريق بعث اقتصاد قوي يعتمد على الطاقات الكامنة في هذا الشعب و فسح المجال للحرية و دمقرطة الحياة السياسية بدلا من تصحيرها كما فعل الرئيس السابق .
ــ شرط من داخل النظام نفسه : و هو أن لا يكون الرئيس مُقيَّدا من طرف أية جهة كانت ، و ألا يكون بيدق شطرنج تحركه هذه الجهة أو تلك ، و لا من محيطه القريب الذي يجب أن يكون من زبدة المجتمع ، من علماء و خبراء في جميع المجالات و الاختصاصات و من مثقفين و رجال استشراف متشبعين بأنبل القيم الأخلاقية و الروحية و الوطنية التي يتميز بها هذا الشعب الذي لن يخذل المخلصين .