عقد المجلس الإسلامي الأعلى، اليوم الأربعاء، ندوة فكرية هامة بمقره في العاصمة، خصصت لمناقشة القضية الفلسطينية وما تمثله من رمزية دينية وتاريخية وحضارية لدى الأمة الإسلامية.
وقد جاءت هذه الندوة في سياق تأكيد المجلس على التزامه الدائم بقضايا الأمة المصيرية، وعلى رأسها قضية فلسطين، التي تُعد محورًا ثابتًا في وجدان الشعوب الإسلامية، ومرآةً لواقع الصراع بين قوى الاحتلال والعدوان.
وفي هذا الصدد، أشار رئيس المجلس الإسلامي الأعلى ، الدكتور مبروك زيد الخير، إلى أن الشيخين الإبراهيمي وعدون، كان لهما أسرار وأنوار في ترسيخ الفكرة وتثبيت الفطرة، والنأي بالأجيال عن الأفكار المسمومة والأطروحات الملغومة، وذلك باقتحام العقبة وفك الرقاب من المحن المرهقة والأزمات المهلكة، وتخليص البشر من كدورات النفوس وضلالات الأهواء وعواصف الإغواء وشبهات المسير وموت الضمير.
وفي ذات السياق، ذكّر الدكتور زيد الخير، بأن تاريخ الجزائر حافل بعلماء أفذاذ، مثل هود بن محكم الهواري أول مفسر للقرآن، ومحمد بن نصر الداودي التلمساني أول من شرح البخاري، وكذا النماذج النادرة مثل اليَسي والمنزِل، وابن باديس، والإبراهيمي، والشيخ عدون، وشيخه الشيخ أبو اليقظان وغيرهم.
وأكد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، أن ذكر الشيخين الإبراهيمي وعدون كنموذجين صالحين، هو تعبير عن الهمم الجزائرية العالية، التي بقي ذكرها محمودًا، وأثرها ممدودًا، وتبقى بصماتها حاضرة في الصالحين من أتباعهم وصفوتهم، لما تركوه من آثار وما غرسوه من فضائل، وما علموه من علم، وما ربّوه من أجيال.
وفي ختام كلمته، عبّر الدكتور مبروك عن سعادته بتناول قضية فلسطين في هذا اللقاء، ، مشيرا إلى أن التناول لقضية القدس كان واسعًا، حيث رفع الشيخان عقيرتهما بالتنديد والاستنكار، وترك ذلك بصمة خالدة في مقاماتهما وآثارهما.
وفي سياق متصل، شدّد العضو بالمجلس الإسلامي الأعلى والأستاذ المحاضر بجامعة غرداية، الدكتور مصطفى باجو ، خلال مشاركته في الندوة الفكرية التي نظمها المجلس الإسلامي الأعلى، على أنّ توضيح القضية الفلسطينية والدعوة إلى مناصرة أهلها، مما يلقونه من عدوان العصابات الصهيونية تحت حماية بريطانيا، رائدة الاستعمار في العالم، يُعد واجبًا دينيًا وأخلاقيًا. مشيرًا إلى ما كانت تقدمه بريطانيا من دعم ونصرة لتلك العصابات تحت شعار “معونة المشردين في الأرض”.
وأوضح الدكتور باجو، أن الصحافة الوطنية تعتبر ثمرة تعبّر عن وحدة علماء الجزائر في الموقف المبدئي من قضية فلسطين، وهو الموقف الذي انطلق منذ بواكير الأزمة، حين استشرف العلماء ما يُخبئه المستقبل من شر مستطير، ومخططات استعمارية ترمي إلى ابتلاع أرض الإسراء، ومنحها هدية مجانية لهؤلاء المستوطنين.
وأشار المتحدث نفسه، إلى أهمية حفظ التراث الإبراهيمي في مجموعته الثمينة، التي جمعها الإمام محمد البشير الإبراهيمي، والمكونة من خمسة مجلدات صادرة عن دار الغرب الإسلامي، والتي تتضمن كتابات متعددة عن فلسطين، كان بعضها منشورًا في مجلة “الأخوة الإسلامية” العراقية، وقد تم جمعها في مؤلف بعنوان فلسطين برعاية مركز الإعلام العربي، فيما امتدت جهود جمعية التراث إلى جمعها وإصدارها قريبًا، بإذن الله.
وأكد الدكتور باجو، أن معالجة كتابات علماء الجزائر للقضية الفلسطينية كانت مبكرة، شاملة، صادقة وعملية، حيث واكبت تطورات القضية منذ بدايتها، مع انطلاق موجات هجرة اليهود إلى فلسطين في بداية القرن العشرين، خاصة بعد صدور وعد بلفور المشؤوم، الذي أعلنت فيه بريطانيا التزامها بإنشاء “وطن قومي لليهود” في أرض فلسطين، وتزايد العدوان على أهل البلاد الأصليين تحت الحماية البريطانية.
وأشار العضو بالمجلس، إلى أن وتيرة الصراع تسارعت بعد قرار التقسيم وقيام الكيان المحتل، الذي سُوّق إعلاميًا عبر الدعاية البريطانية باسم “إسرائيل”، وما تبعه من مجازر مروعة في حق الشعب الفلسطيني، لا تزال تتجدد إلى يوم الناس هذا. واعتبر الدكتور باجو، أن كتابات العلماء الجزائريين جسدت أنفاس الشعب الجزائري، وكانت لسان حاله ومعبّرة عن عقيدته وموقفه من القضية الفلسطينية.
وختم الدكتور باجو مداخلته، بالتأكيد على أهمية استلهام هذه المواقف الراسخة من العلماء، وتجديد الوعي بهذه القضية المركزية في ظل ما تتعرض له من محاولات طمس وتهويد ممنهج.