الـحــلــقة الرابعة:
يواصل الحارس الشخصي لـ محمد بلونيس حمود قرطال صاحب 84 سنة روايةَ تفاصيل جد هامة، من بينها كيف همّ عبد القادر الأطرش بتصفية محمد بلونيس في حوش النعاس بدار الشيوخ، بعد إبرامه اتفاقيات مع الجيش الفرنسي، الذي حكم على عبد القادر الأطرش بالإعدام، حيث نفّذ فيه الحكم فورا بعد هذه الحادثة، وكيف تقلّد عبد القادر جغلاف زمام القيادة بعد قتل محمد بلونيس، وكيف مكث على رأسها ثماني شهور فقط ليسقط هو الآخر قتيلا، ويستلم القيادة من بعده عبد الله السلمي الذي ظل يخوض الحروب والمعارك حتى سنة 1962، قبل أن يُوقَع به في مصيدة بـ “عين الدابة”عبر ميثاق الأمان والقسم على كتاب الله، الذي رعاه الفقيه والإمام بن عطية بين محمد شعباني قائد الولاية السادسة، وعبد الله السلمي قائد جيش الحركة الوطنية، لتتم تصفيته رفقة 800 فرد من جنوده في ليلة واحدة غدرا ونكثا للعهد. هذه الحيثيات المترّعة بالخفايا والخبايا تجدونها في الحلقة الرابعة من هذه الشهادة الحصرية التي خص بها محدّثُنا “أخبار الوطن”.
ــــــــــــــــــــ فـاروق مـعـزوزي ــــــــــــــــ
عبد القادر الأطرش همَّ بتصفية بلونيس بعد إبرامه اتفاقيات مع الجيش الفرنسي.
بلونيس خطأه الأكبر كونه لا يثق في أحد، ولو كان من مقرّبيه.
الأطرش وجغلاف ومفتاح انظموا إلى فيلقين لجيش بلونيس وتركوا سي الحواس.
شعباني غدر بعبد الله السلمي بعد أن أعطاه الأمان بضمان الفقيه بن عطية.
جرى تصفية 800 عنصر من جماعة عبد الله السلمي في ليلة واحدة بموقعة عين الدابة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اتفاق محمد بلونيس مع الجيش الفرنسي خلق انشقاقا في قيادة بلونيس، حتى كاد عبد القدر الأطرش أن يطيحَ به، هل من تفاصيل عن هذه القضية؟
من أخطاء محمد بلونيس انه لا يثق حتى في مقربيه، ولا يبوح بإسراره، وقد كان عبد القادر الأطرش من الضباط الذين كانوا مع سي الحواس وقد انظموا في جوان 1957، بفيلقين لجيش بلونيس رفقة كل من جغلاف عبد القادر وعبد ومفتاح والعربي القبائلي وساعد ابن أخت زيان عاشور،وعبد القادر يعد من القيادة وعلى أساسه تصرف،أمام بلونيس عندما طلب منه الكشف عن تفاصيل الاتفاقية بينه وبين الفرنسيين،رد بلونيس بقوله”عندما اطلب منكم الدخول للكزيرنات الفرنسيين وقتها يمكنكم أن تقتلوني أو تثورون ضدي”لطرش لم يقتنع مطلقا بكلام بلونيس،وغادر غاضبا وبعد عدة أيام رجع ومعه 20 جنديا إلى مقر القيادة بحوش النعاس في دار الشيوخ،محاولا تنحية أو تصفية بلونيس.
كيف كان رد فعل بلونيس على محاولة عبد القادر الأطرش؟
دخل الأطرش رفقة خمسة من جنوده إلى مقر دار الشيوخ،تصد له الحراس الذين كان على رأسهم عبد الله السلمي صاحب الصرامة والانضباط،فقام بتطويقهم ومنعهم من تنفيذ العملية وبعدها قرر محمد بلونيس،بالحكم على عبد القادر الأطرش بالإعدام، ونفذ فيه فورا.
بحسبكم، تحوّلَ الشيخ عاشور زيان وسي الحواس من المصالية إلى التّجبُّه (نسبة لجبهة التحرير)، كيف كانت العلاقة بين المتحوّلَين وبلونيس؟
العلاقة بين زيان عاشور وسي الحواس مع بلونيس ظلت حبيسة المراسلات دون لقاء يذكر، وكل ظل في منطقته “حيزه”.
مقاطعا..كيف جرت هذه المراسلات علما أن كتائب بلونيس شنّت هجمات على جيش التحرير بقيادة زيان عاشور وسي الحواس، هذين الأخيرين يرون في كتائب بلونيس حركة خيانة؟
أنا أحد عناصر هذه الكتائب بل وحارس شخصي لبونيس، أنفي نفيا قاطعا صفة الخيانة عن جيشنا، وأقول إنه لم يشن حربا لا على سي الحواس أو زيان عاشور، لكن حدثت مناوشات وصل إلى معارك لكن ليس بدافع الخيانة، ولكن كانت صراعا حول مناطق النفوذ (معارك الأرّسام)، وهذا الصراع شمل كل المناطق التي كان يسيطر عليها جيش الحركة الوطنية، في مناطق ديرة وبني يلمان وقصر البخاري وقصر الحيران وقصر الشلالة ومناعة وقعيقع.
هل من مثال تستشهدون به على صحة ما تقولون؟
ذات مرة جاءت كتيبة تابعة للجبهة من الغرب عن طريق الأصنام في خريف 1958،لتلتحق بسي الحواس فمرت على جبل حد السحاري الذي كنا نمكث فيه بقيادة عمر الوهراني، وهنا وقع اشتباك بيننا وبينهم وتقاتلنا لقرابة ساعة إلا ربع،دون ضحايا تذكر وقد انسحبوا دون أن نلحق بهم أو نطاردهم أو حتى نعرف أين هي وجهتهم.
يؤكد ضباط الولاية السادسة أنكم كنتم أكثر خطرا من العدوّ الفرنسي، وأن شهداءهم إما سقطوا على أيديكم أو بسببكم؟
كيف يتهموننا بالخيانة ويبالغون لهذا الحد، وهنا يمكني أن أضرب مثالا يعكس ما يقولون، ففي 21 ماي 1959 قام الضابط بن دغمان بمعركة عنيفة في جبل زمورة جنوب بوسعادة، أين استشهد 140 شهيدا من رجالنا حرقوا بسلاح النبالم على يد الجيش الفرنسي الذي أسر 40 من جنودنا.
نعود لمسار محمد بلونيس، من الذي خلفه في القيادة بعد اغتياله؟
تسلم من بعده زمام القيادة الرائد عبد القادر جغلاف، الذي كان الأكبر سنا بينا،كما انه سليل المنطقة وسيد في عرشه كما كان متعلما ومثقفا، والذي كان متمركزا في جبل بوكحيل ومسعد، هو ذاته كان قائدا في ناحية بوكحيل وجبل مسعد قبل اغتيال بلونيس وبقى في القيادة زهاء ثماني شهور، ثم سقط في ميدان المعارك.
مقاطعا..من تولى القيادة من بعده؟
استلم عبد الله السلمي القيادة، وهو أقرب الناس لبلونيس وقد قضى معه وقتا طويلا وكان محل ثقته حتى جعله على رأس حمايته الشخصية، كان مقاتلا شرسا نحيفا الجسم طويل القامة ناصع البياض حتى كنا نناديه بالسويدي لوسامته، ناهيك عن رزانته وهدوئه، وكان برفقته مفتاح القصبة وسعيد مايو وعمر الوهراني وساعد ابن أخت زيان عاشور، وقد واصل القتال حتى سنة 1962، حتى تمت خديعته عبر صلح الجبهة عشية وقف إطلاق النار.
ماذا تقصدون بخديعته من طرف الجبهة؟
بعد وقف إطلاق النار بين الجبهة والفرنسين، تم الاتصال بعبد الله سلمي عن طريق الإمام الشيخ بن عطية الذي كلفه محمد شعباني بالتوسط له ليصلح بينه وبين عبد الله السلمي، هذا الأخير استجاب لدعوة الصلح لثقته المطلقة بالشيخ بن عطية الفقيه والزاهد، الذي ضمن في الصلح بعد أن أعطاه الآمان محمد شعباني له ولجنده وقسم على المصحف بأن لا يغدر به، وفعلا تم الصلح وخطب عبد الله السلمي رفقة محمد شعباني في الشارف أمام الحضور من جيشه وجيش عبد الله السلمي، بعد أن قاموا بإدماجهم في كتيبة لجيش التحرير التابعة الجبهة وبعد توزيعهم على الأفواج ومنحهم الرتب، لكن تم الغدر به وتم تصفيته رفقة 800 فرد من جيشه في المكان المسمى عين الدابة جنوب بسكرة.
كيف كان ردكم على هذه الواقعة التي وصفتموها بالخديعة؟
بعد هذه المجزرة الشنيعة التي راح ضحيتها عبد الله السلمي و800 فرد من جنوده في ليلة واحدة، انصرف كل من تبقى من جيشه نحو بيوتهم “وضربوا النح”.
نعود إلى سيرتكم الأولى، كيف قضيت الأيام الأخيرة مع محمد بلونيس؟
تم تعييني كاتبا مع سي سليمان القبائلي في ناحية جبل ديرة. بعد أشهر رجعت إلى جبل حد السمرى كنائب لعمر الوهراني أواخر1958. وفي هذه المدة خضنا معركة ضد الجيش الفرنسي، حين تم القبض على عمر الوهراني مع 12 من جنوده بينهم ابن اخت محمد بلونيس وهو في سن 14 سنة وقد جرح في صدره وكذالك ابن حسين مقري (الذي كان في قيادة بلونيس)، وقد تم إطلاق سراح الشابين كما تلقوا العلاج من إصاباتهما، وقد عاشا حتى الاستقلال وتوفيا وفاة طبيعية، وسجن الجيش الفرنسي بقية الجنود واعدم عمر الوهراني.
كيف وجدتم أنفسكم بعد إعدام عمر الوهراني وأسر جنوده؟
وجدت نفسي على رأس 40 جنديا، تنقلت بهم نحو عبد القادر جغلاف وأنظممنا إليه في منطقة جبل مسعد. وقد عينني عبد القادر جغلاف مراقبا سياسيا في منطقة سيدي عيسى وعين الحجل، كمسؤول على المدنيين والتموين والأخبار واللوجيستيك والحراسة.