…) الحرب مستمرة على غزة والصفة الغربية والعدوان الصهيوني مستمر على كامل قطاع غزة والضفة.
اليوم، الاثنين 13جانفي 2025 يكون قد مر على طوفان الأقصى خمسة عشرة شهرا أي 467 يوما من القتل والاجرام وحرب الإبادة والعدوان الاجرامي والتجويع والقهر على قطاع غزة والضفة الغربية. المجازر مستمرة في غزة في ظل السكوت التام والتعتيم الإعلامي الكبير المضروب على مجازر غزة، ولكن المقاومة مستمرة كذلك في جباليا وبيت لاهية وخان يونس وغزة. سقوط العسكر الإسرائيليين يسقطون يوميا في غزة.
الاعلام الصهيوني في حيرة من أمره. يتساءل عن فحوى الحرب الآن وجدواها في غزة وهو الذي كلّف نفسه من يمينه (في مجمله) إلى يساره (ما عدى بعض الأصوات القليلة) المشاركة بطريقة نشطة في الحرب العدوانية على الفلسطينيين.
في خضم هذه الحرب تمكن في نهاية المطاف اللبنانيون من انتخاب رئيسا لهم ما لم تستحسنه إسرائيل عبر اعلامها. و ها هو النتن..ياهو يعود لعاداته وهبله وهوسه. هو يعيد الخطر الإيراني إلى الواجهة. الخطر الكبير بحسب ادعائه والذي يجب التعامل معه بسرعة. هذا النتن..ياهو يريد الظهور في حلة المنقذ الوحيد للشعب الإسرائيلي والعالم أجمع. جمع يوم السبت المجلس الربي المصغر لتدارس كيفيات التعامل مع المعضلة الإيرانية في نظرهم. يريد توجيه ضربة لإيران قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض حتى لا يكون في حاجة إلى الضوء الأخضر من أمريكا؟ هل ستتمكن إسرائيل من إحداث الصدمة بتمكنها من ضرب المفاعل النووي الإيراني؟ السؤال يبقى مطروحا؟
وفي زخم الإعلام الصهيوني وتعامله مع الأحداث بعيدا عن الموضوعية والمبادئ الديمقراطية والأخلاقيات المهنية تظل هناك استثناءات صمن هذا الاعلام المزيف المحرف للديمقراطية أو المتستر وراءها. هذه الأصوات ترى أن ما يحدث في غزة وفلسطين ليست جرائم كبرى فحسب بل هي ورطة وتوريط لمستقبلهم ولمستقبل أحفادهم. ومن بين هذه الاستثناءات ما أقدمه لكم في هذين المقالين:
مقال للصحافي قيدعون ليفي من يومية هاريتز وهو صحافي يساري من القلة القليلة المتميز بإنسانيته والمناهض للاحتلال والمندد دوما بجرائم الاحتلال. كتب هذا الأسبوع في يومية هاريتز مقالا جاء فيه:” في الأسبوع الماضي كانت هناك زيارة لمخيم بلاطة للاجئين في نابلس للتحقيق في ظروف قتل مواطنة بريئة في عملية نفذتها وحدة دفدوغان (أي الكرز بالعبرية). امرأة عمرها 80 عاما كانت تمشي في الشارع فقتلتها وحدة الدفدوغان. وكذلك شاب يعمل حلاق كان في بيته مع عائلته يتناول طعام الإفطار فأصابته رصاصة قتلته. وبطبيعة الحال فإن الشاباك والجيش الإسرائيلي قالا لقد تمت تصفية قائد الذراع العسكري لحركة فتح؟ أما العجوز المغتالة فهي تأخذ التمويل من إيران ولها علاقة بلبنان وكلاهما خططا لعمليات ضد إسرائيل؟
هذه القصص الشبيهة بقصص ألف ليلية وليلة. فالأشخاص الذين تتم تصفيتهم هم دائما مخطئون يخططون لتنفيذ عمليات كالطفلين (عشرة سنوات وثماني سنوات) القاصرين اللذان قتلهما جيش الاحتلال بطائرة مسيرة قبل يومين بلدة تموز في الضفة. ادعو انهما يخططان لتنفيذ عملية؟ عجوز في الثمانين من عمرها تأخذ أموالا من إيران؟ وطفلان قاصران يخططان لعمليات؟ مدهش هذا العبث، علما أن الجيش الإسرائيلي استخدم هذا الأسبوع سيارة اسعاف بأرقام فلسطينية إما سرقوها أو جهزوها بإتقان لهذه العملية لكي تبدو سيارة اسعاف حقيقة. دخلت سيارة الإسعاف هذه المخيم فنزل منها 6 جنود وأخذوا يطلقون النار على المارة في الضفة. يصعب التفكير في طريقة أقذر من استخدام سيارة إسعاف لاقتحام مخيم لاجئين مكتظ لقتل مطلوبين ولقتل أبرياء. وهذا استخدام جبان واجرامي ويعرض مستقبلا سيارات الإسعاف في الضفة للخطر إضافة لكونه يعبر عن استخفاف الجيش الإسرائيلي بالقانون الدولي عندما يستخدم سيارة اسعاف للتخفي وتنفيذ عمليات تصفية. وجاء رد الجيش الإسرائيلي محفوفا بالأكاذيب التي اعتدناها منه، أي “انه يلتزم بالقانون الدولي والحادثة المذكورة هي قيد الفحص.” الجيش الاسرائيلي يدعي أن المنظمات الإرهابية تختفي في المستشفيات وتحول غرف العمليات إلى مقرات قيادة وتحول غرف الولادة إلى مخازن لمي تبرز أن منظمة حماس تستخف بالقانون الدولي بينما يتباهى الجيش الإسرائيلي بطهارة السلاح وأنه الجيش الأكثر أخلاقية في العالم وليس في المنطقة وحدها. سيقول الجيش بالتأكيد أن استخدام سيارة الإسعاف شأنها شأن المسيرات التي تحافظ على سلامة الجنود. إذن لماذا تختبأ حماس في المستشفيات إذا لم يكن ذلك من أجل الحفاظ على مسلحيها؟ وإذا سلمنا بأن هذا الكلام صحيح فما الفرق إذن بين المقاتل الفلسطيني داخل المستشفى وجندي داخل سيارة اسعاف؟ أخلاقيا إن الوضعيات هي نفسها، نفس الشيء. الصحفي ليفي صاحب عمود ناري في يومية هاريتز يقيم هنا على الاحتلال وجيشه الحجة بشكل معاكس. وينهي عموده بالقول للحيش والاحتلال “أنه بعد غزة أصبح كل شيء مسموح لكم، كل شيء؟”
أما الذي اذهاني هو ما كتبه ” بزيا أماري” في صحيفة “ايداعوت” يوم الجمعة الماضي وهو عسكري إسرائيلي معروف عندهم وفي أمريكا. كان قائدا للبحرية والمدير العام لشركة رفائيل فخر الصناعة الإسرائيلية للأسلحة. يقول في مقاله هذا:” هناك ما يثير الإحباط فعلا في الجانب الاسرائيلي هو أن ما نسميه بالإنجازات العسكرية الإسرائيلية يظهر للعالم بطولات فلسطينية؟ فإن الأطفال الذين تجندهم حماس وحزب الله يكبرون على أساطير فلسطينية ولبنانية بأنها قاتلت وحاربت وواجهت وضحت. وهذا ما سنراه مستقبلا. وسينعكس في الأفلام القادمة والروايات القادمة عربيا وعالميا. سيلقي هذا كله اللوم بسبب المآسي في المنطقة على الجانب الصهيوني وسيمجد عدالة النضال الفلسطيني، وهذا ما ينميه وتستمر في تنميته حركات سياسية ونضالات الشوارع والجامعات وغيرها في العالم.
لقد عدنا إلى 77 سنة إلى الخلف. صورتنا المنتشرة أننا نحتل ونرحل ونستوطن ونقتل وهكذا. هذا هو عمليا ملخص الخطة الفلسطينية ” انهم رحِلوا وقتلوا وهذا هو الدليل على اتهام الصهيونية لما حدث سابقا ويحدث الآن.
لا يزال التسونامي السياسي في انتظارنا لأننا نحن في الحرب لم نعد بعد ملمين بالوعي في ما انجزناه. تبدو غزة من الجو تماما كهيروشيما بعد القنبلة. لقد تحولت غزة مرة أخرى إلى أكبر مخيم لاجئين في العالم. حجم الدمار لم يستوعبه العقل كاملا بعد. وعندما ينزل غبار الحرب ستحصل المقارنات بين هيروشيما وغزة بتلقاء نفسها. وبعد الان لن يتذكر العالم المذبحة الوحشية التي وقعت في السابع من أكتوبر 2023، ولن يتذكر أحد قصف إيران لإسرائيلي، ولن يهتم أحد بقتلى غلاف غزة وحفلة نوفا (الحفل الذي هاجمه ثوار طوفان الأقصى واسجنوا أعدادا من المحتفلين)، ولن يتذكر أحد الجمار الذي خلفه القصف الإيراني في وسط البلاد ولا الدمار في المطلي الذي خلفه القصف الصاروخي لحزب الله، ولن يذكر أحد المحتجزين الذين يموتون في غزة. إنما العالم لاحقا سيتذكر فقط قوافل النازحين والجياع في غزة وفي لبنان. سيتذكر الانفاق في غزة وفي لبنان. وستوجه التهم إلى إسرائيل، علما أن القصة في محكمة لاهاي لا تزال في بدايتها.
إذن العالم سيتذكر مآسي الفلسطينيين واللبنانيين وليس ما حل بإسرائيل وما خسرته إسرائيل. وما نراه نحن من إنجازات عسكرية يراه العالم بطولات فلسطينية ولبنانية، وستتربى عليه الأجيال القادمة. أما الثمن في المحاكم وغيرها من المحافل الدولية فلم يبدأ دفعه بعد.”
هذا الكلام من عسكري له مكانته في المجتمع الإسرائيلي. هل يوحي هذا ببداية لنهاية آتية؟ … يتبع…
(الترجمة لنظام شاط جي بي تي مراجعة)
بالرغم من أن الحكاية مستوحاة من شخصيات وأحداث حقيقية إلا أن الكاتب لجأ للسرد الروائي بغرض الترفيه.
مونتريال، صلاح شكيرو