- الثّورة لم يفجّرها القادة السّتة، بل جيشُ “الحركة الوطنية”!
- رفضتُ جبهة التّحرير الوطني، وبقيت وفيّا ومخلصا لمصالي ولبلونيس
الـحــلــقة الأولى :
في سابقة إعلامية، وفي أول حديث صحفي يتكلم فيه الحارس الشخصي لـ محمد بلونيس حمود قرطال صاحب 84 سنة، والذي كان مناضلا بسيطا في خلية من تنظيم الحركة الوطنية التابعة لمصالي الحاج، في حي “ليفيّي” سابقا وحي مقارية حاليا الواقع بحسين داي، يسرد لنا كيف عصفت به الأقدار ليجد نفسه الحارس الشخصي لـ محمد بلونيس من جبال ديرة إلى مقره بحوش النعاس بدار الشيوخ، الذي قاد حركة مناوئة لجيش التحرير الوطني، الذي وصفته جبهته بالخائن وحكمت عليه بالتصفية، ليبرّئه حمود قرطال، الذي يصفه بالمناضل الصلب والنزيه، الذي نذر ماله ونفسه لصالح استقلال البلاد، نافيا عنه صفة الخيانة، ومؤكدا على استشهاده على يد الفرنسيين، حيث يروي عبر عدة حلقات تفاصيل تروى لأول مرة عن شخص وجيش محمد بلونيس. كل هذه التفاصيل تجدونها في الحلقة الأولى من هذه الشهادة الحصرية لـ “أخبار الوطن”.
ــــــــــــــــــــ فـاروق مـعـزوزي ــــــــــــــــ
بداية، كيف تقدّم نفسك للقراء؟
اسمي أحمد قرطال المدعو “حمود”، من مواليد 1936 بحي “ليفيّي” مقارية حاليا، (حسين داي). انحدرت من عائلة ميسورة، تلقيت تعليمي في نفس الحي بمدرسة الناصحة التابعة للمنظمة الشعبية، وقد ترعرعت في الكشافة الإسلامية، وبحكم جل عائلتي مناضلة في حزب الشعب وجدت نفسي مناضلا في حركة انتصار الحريات الديمقراطية.
متى وكيف التحقت بحركة “انتصار الحريات الديمقراطية” (حزب الشعب)؟
كان حزب الشعب أقوى الأحزاب وقتها، ومن الطبيعي أن انتمي إليه، ولهذا وجدت نفسي مناضلا في الحزب وأنا في عمر 15 سنة،في خلية الحزب بالحي الذي كان يعج بعائلات عريقة في النضال تحت لواء” نجم شمال إفريقيا” ومرورا بـ “حزب الشعب” وانتهاء بـ “حركة انتصار الحريات الديمقراطية”، مثل عائلة دشيشة لخضر وعائلة بن عطاف.
تفجرت الثورة التحريرية وسبقها صراع كبير بين المركزيين والمصاليين، أين كان موقعكم ووجهتكم السياسية؟
جاء اندلاع الثورة سنة 1954، وجد المناضلون أنفسهم بين صراع المركزيين والمصاليين، ووجدت نفسي كمناضل بسيط، في خلية المصاليين، بعد أن انعكس الصراع من القمة إلى القاعدة فوقع تلاسن وتراشق،بل وصل الأمر إلى التشابك بالأيدي بين المناضلين،وتحولت المحبة والمودة والنضال المشترك إلى عداوة وخصومة حقيقية لدرجة التصادم.
مقاطعا..ما هو محور هذا الصراع؟
بعد أن نشب الصراع بين المصاليين والمركزيين،انتقل الصراع بين المصاليين وجماعة 22 حول نقطة في غاية الأهمية، وهي قضية تجنيد المناضلين من حزب الشعب الأم،في استقطاب حاد بين جماعة 22 ثم جماعة الستة المفجرين والمصاليين، أما عن رغبتي الشخصية فتمنيت أن أبقى مناضلا وفيا لحزب الشعب، وكان لي ما أردت.
كيف تعاطيتم مع الثورة، وما هو ردّ فعلكم كمناضلين متمسّكين بالأدبيات النضالية المصالية؟
بعض العمليات التي نفذت في المدن نجحت، وبعضها فشل،لكن غالبية الذين التحقوا بالجبال كانوا مصاليين ولم يكونوا نوفمبريين، وهؤلاء المصاليين انخرطوا في الثورة تحت راية مصالي الحاج كرمز وطني محبوب، لم يكن هناك أدنى شك عندنا نحن المناضلين أن الثورة كان وراءها مصالي، فدونه لن تكون هناك ثورة.
مقاطعا..هل أفهم من كلامكم أن مصالي الحاج هو الذي فجّر الثورة وليس القادة الستة؟
اتصالنا مع مجاهدي الحركة الوطنية في الجبال جعلنا مقتنعين كل الاقتناع بأن الذي فجر الثورة هم المصاليين وليس الستة النوفمبريين (كريم، وبن بولعيد وديدوش وبوضياف وبيطاط وبن مهيدي)، وأتحمل مسؤولية كل كلمة أقولها.
مقاطعا.. ما هو دليلُكم على ما قُلتموه؟
في البداية، كان هناك غموض وسط المناضلين. ولكننا لاحظنا حضور المصاليين بقوة في المدن والجبال، وهذا يعني أنهم هم من فجروا الثورة.
كيف واصلت نشاطك “المصالي” داخل خلايا “حركة انتصار الحريات الديمقراطية”؟
في تلك الظروف، كنت في الحي مؤطرا ومنظما في الحركة الوطنية، من خلال حي “ليفيّي” الذي أسكنه والذي يعد عشّا للمصاليين.
قلتم إن الثوار المرابطين في الجبال كانوا مصاليين، كيف كانت الاتصالات بينكما؟
كانت عندنا اتصالات مع المصاليين الموجدين في جبل حيزر بالبويرة،الذين كان على رأسهم القمراوي الغازي (هو مناضل حركة الوطنية) قد كلفه محمد بلونيس في ربيع مارس أو افريل 1955 بتكوين جيش في ناحية القبائل، لأن بلونيس ينتمي إلى الحركة الوطنية التابعة لمصالي الحاج.
هل اقتصر وجودهم في جبل حيزر أم امتدَّ إلى جبال أخرى؟
كانوا على امتداد جبل حيزر وعين بسام وقنزات وعدد كبير منهم تموقعوا في حمام ملوان تحت قيادة ميلود القبائلي.
في هذه الظروف، أين كان محمد بلونيس؟
كان في ليزال في برج منايل مسقط رأسه، وفي هذه الظروف تم استشهاد القمراوي الغازي في معركة على يد الفرنسيين، فكلّف محمد بلونيس علال ملزي ليخلف القمراوي.
مقاطعا.. ومن هو علال ملزي؟
مناضل أصيل في الحركة الوطنية من عائلة عريقة وثرية،حكم عليه بالإعدام من طرف الفرنسيين في سركاجي رفقة شقيقه صالح. أما شقيقه شفيق قد نفذ فيه حكم الإعدام داخل سجن سركاجي. في حين، كان له شقيق آخر – نسيت اسمه – أستشهد هو الآخر في أرض الشرف.
نعود إلى مساركم النضالي، كيف واصلتم جهادكم في هذه الظروف؟
بعدما تم القبض على خلية الحركة الوطنية في مقارية سنة 1956، والتي كانت متكونة من محمد بوسعدية وفرحان محمد، هذين الأخيرين أعدموا من طرف السلطات الفرنسية، وقد تم القبض كذالك وفي الخلية نفسها بحي ليفيّي على كل من قرطال سالم شقيقي ومجدان طاهر (صهري) وزيموش حميد وشيكان أرزقي وملال احمد وموح سعيد وبعد القبض على كل عناصر الخلية؛ فعمليا وجدت نفسي مسؤولا عن الخلية.
كيف سَيّرتم الخليّة وما هو الدّور الذي قمتم به؟
وجدت نفسي على رأس أربعة خلايا فدائية في حي “ليفيّي” مقارية حاليا، أما الدور الذي قمت به هفكان المحافظة على الاستمرارية والتنظيم من سنة 56 حتى7 مارس1957.
مقاطعا..كيف واصلت تسيير الخلية وتأطير منتسبيها والمنخرطين فيها؟
تغيرت الظروف تماما بعد إضراب الـ 6 أيام الذي دعت إليه جبهة التحرير، حيث شرعت المصالح الفرنسية في حملة اعتقالات واسعة، ولم يستثنوا أحدا من جميع الحساسيات السياسية،وأثناء التحقيقات اكتشفنا انه ثمة نظاميين من الحركة الوطنية وجبهة التحرير، ولهذا فإن الأغلبية من مناضلي الحركة الوطنية أو المناضلين التابعين لجبهة التحرير جلهم – ويمكني أن أقدرهم بـ 80 بالمئة من عناصر التنظيمين – تعرضوا لأهوال كبيرة، سواء القتل أو الاعتقال أو السجن، وأفضلهم صعودا إلى الجبل.
كيف تصرفت على مستواك الشخصي في جوّ يعجّ بالاعتقالات والمداهمات؟
وجدت نفسي مختبئا معرضا في أي وقت لاعتقال، ولذالك فكرت بضرورة الالتحاق بالجبل.
مقاطعا..لماذا لم تلتحق بجبهة التحرير أو بجيش التحرير؟
تصرفات عناصر جبهة التحرير على مستوى الحي دفعتني إلى أن أكفر بجبهة التحرير.
هل من مثال على هذه التصرفات؟
كانوا كل يوم في المقاهي أو الشوارع يتحدثون عن بطولات ومعارك قادوها اليوم السابق. والحقيقة المُرّة أنهم قادوا معاركهم الليلية في بيوتهم، هذا من نوع من السلوك دفعني أن أبقي في الحركة الوطنية.
كيف التحقتم بجيش الحركة الوطنية في الجبل؟
كان السيد حميد حداد أحد عناصر النظام (مسؤول على المستوى المركزي) اتصل بي بعد أن تم اكتشافي من طرف السلطات الفرنسية وبقيت تقريبا شهرا في حي محي الدين (الشعيبة سابقا، حرشة حاليا) عند مناضلي الحركة الوطنية، أذكر أن ذاك كان في مارس1957.
كيف غادرتم باتجاه الجبل، وكيف كانت تفاصيل الرّحلة؟
تم نقلني رفقة مناضل من بئر خادم اسمه بلحاج إلى وكالة السياحية يقع مكتبها بساحة الحصان سابقا وساحة الشهداء حاليا، وقد جلب لنا سي حميد حداد تذكرتين، وطلب منا الركوب في الحافلة، قائلا لنا “توكلوا على الله”، سألناه إلى أين نحن ذاهبون؟ ومن يكون معنا في رحلتنا ومن ينتظرنا هناك؟ رد قائلا: “ماتحوسوش تفهموا”.