قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف إن العالم يعيش اليوم مرحلة تحولات استراتيجية عميقة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية بين القوى الكبرى، مشيرًا إلى أن الاقتصاد أصبح أداة رئيسية في إدارة النفوذ والصراعات الدولية، من خلال التحكم في سلاسل الإمداد الحيوية وفرض رسوم جمركية ذات طابع سياسي.
وأوضح هادف أن التنافس المحموم بين الولايات المتحدة والصين في إفريقيا، وخاصة في مجالات المعادن النادرة والتكنولوجيا، يعكس رغبة كل طرف في فرض هيمنته على الموارد الاستراتيجية التي تشكل العمود الفقري للانتقال الطاقوي والصناعات المتقدمة.
ولفت إلى أن الكونغو، بأرصدتها الهائلة من الكوبالت والنحاس والليثيوم، باتت نموذجًا حيًّا لهذا التنافس، مؤكدًا أن الاستثمارات الأميركية هناك تأتي لمواجهة النفوذ الصيني وتأمين استقلالية صناعية للغرب.
وفي السياق ذاته، أشار هادف إلى أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تبنّى استراتيجية هجومية تقوم على السيطرة على الموارد الاستراتيجية في مناطق مختلفة من العالم، مثل أوكرانيا، غرينلاند، والكونغو، وذلك في إطار إعادة تموضع جيو-اقتصادي يركز على احتكار سلاسل التوريد بدل الاحتلال الجغرافي التقليدي.
وحول القرارات الأميركية المتعلقة بفرض رسوم جمركية على العديد من الدول، اعتبر هادف أن هذه الإجراءات تأتي ضمن عقيدة الحمائية الاقتصادية التي تهدف إلى حماية الصناعات الأميركية واستعمال الاقتصاد كورقة ضغط سياسية، محذرًا من تداعيات خطيرة محتملة مثل تصاعد الحروب التجارية، اضطراب سلاسل التوريد، وارتفاع الأسعار عالميًا، إضافة إلى احتمال انزياح بعض الحلفاء نحو تكتلات منافسة مثل مجموعة بريكس.
وعن موقع الجزائر في هذه المعادلة العالمية، أكد هادف أن البلاد تملك 20% من الاحتياطي العالمي لبعض المعادن النادرة، ما يجعلها محل اهتمام متزايد من القوى الاقتصادية الكبرى.
ولفت إلى أن الجزائر، بفضل موقعها الجيوستراتيجي وثرواتها المعدنية، أمام فرصة فريدة لبناء شراكات استراتيجية متوازنة مع أطراف مختلفة، سواء الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الصين أو روسيا.
وشدد الخبير على ضرورة تبني الجزائر لاستراتيجية سيادية في استغلال ثرواتها، من خلال تطوير البحث الجيولوجي، توطين صناعات التكرير، والتفاوض الذكي مع الشركاء وفق قاعدة “رابح – رابح”، بما يعزز من تموقعها الجيوسياسي ويدفع نحو تجاوز الفجوة التكنولوجية وبناء اقتصاد وطني متطور.
عماد الدين بن جامع