تعتبر الثورة الجزائرية من أكبر الثورات الشعبية التي عرفها العالم حسب تعبير المؤرخ البريطاني أليستر هورن(Alistair Horne) . هي ثورة ضد أوحش استعمار استيطاني غاشم، لا يعرف إلا الإبادة الجماعية و التجويع والتجهيل، لم يترك أية وسيلة جهنمية إلا واستعملها ضد الجزائريين.
كانت ثورة الإنسان الجزائري ثورة كرامة وشرف من أجل استرجاع وطنه ودينه ولغته وسيادته. للأسف منذ نهاية الحرب العالمية الأولى والنخب الجزائرية الممثلة في الأحزاب والجمعيات تطالب فرنسا بتحسين أوضاع الجزائريين وإلغاء القوانين الاستثنائية، لكن كما يقال كانت مطالبهم كصيحة في واد أو كآذان في مالطا.
لم يكن شباب حزب الشعب الجزائري جاهلا بحقيقة الاستعمار، فقد بدأ بعضهم يفكر ويخطط للثورة ضد الاستعمار في سنة 1938 وهو الشاب محمد بلوزداد الذي كان سنه في تلك الفترة 18 سنة لكن قيام الحرب العالمية الثانية أفشل مشروعه، ليحاول بعده محمد بوراس رئيس الكشافة الإسلامية التخطيط لإعلان الثورة ضد الاستعمار بعد اتصالات قام بها مع المخابرات الألمانية لكنها لم تقدم له أية مساعدة ففشل مشروع الثورة مجددا وألقت فرنسا القبض عليه وأعدمته.
من جرائم الدولة الفرنسية ضد الإنسان الجزائري، جرائم 08 ماي 1945 التي وضعت نقطة النهاية للتعامل السياسي مع الاستعمار وأدرك الشعب وشباب حزب الشعب الجزائري أن اللغة الوحيدة التي يفهمها هي لغة الرصاص التي احتل بها الجزائر و لن يخرج إلا بها، فأسسوا المنظمة الخاصة سنة 1947 معظمهم من الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الجيش الفرنسي نذكر منهم: محمد بلوزداد، حسين آيت أحمد، أحمد بن بلة، … الذين بدأوا التحضير الفعلي للثورة المسلحة، ولكن اكتشاف المنظمة الخاصة سنة 1950 والخلاف الذي وقع فيما بعد داخل حركة انتصار الحريات الديمقراطية، جعل هؤلاء يؤسسون اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي حملت على عاتقها الإعلان عن اندلاع الثورة التحريرية المباركة في الفاتح من نوفمبر 1954. لم يكن العمل الثوري المسلح سهلا ليس بسبب رفض الشعب له ولكن لنقص الأسلحة والمال لمواجهة أوحش استعمار استيطاني عرفته الجزائر، لم يواجهوا الاستعمار الفرنسي فقط ولكن واجهوا الحركات المناوئة للثورة من إخوانهم الجزائريين وخاصة من حركة M.N.A. ، التي حملت السلاح ضد جبهة التحرير الوطني بمساعدة الجيش الفرنسي.
الثورة في بدايتها نستطيع أن نقول أنها كانت نخبوية تقتصر فقط على مناضلي جبهة التحرير الوطني مع انضمام بعض العناصر من الأحزاب الأخرى. أراد البطل الشهيد زيغود يوسف أن ينقل الثورة إلى الشعب بتخطيطه لهجومات 20 أوت 1955، حيث ارتكبت فيها فرنسا جرائم ضد الإنسانية وكأنها تعيد تكرار جرائم 08 ماي 1945 فقد قتلت 12 ألف شهيد.
مؤتمر الصومام 20 أوت 1956، فتح الثورة لجميع المؤمنين بالعمل المسلح فأعطاها بعدا شعبيا تطبيقا لقول الشهيد العربي بن مهيدي: ” ارموا الثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب “. هذا المؤتمر الذي وضع الهياكل الأولى للدولة الجزائرية، الإدارية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية.
منذ اندلاع الثورة التحريرية كان الرهان بين جبهة التحرير الوطني وفرنسا على الشعب، من يربح الشعب ينتصر، الأكيد أن الشعب الجزائري اختار جبهته عن قناعة فبيان أول نوفمبر أشار إلى أن الثورة هي ثورة الشعب الجزائري وانتصارها هو انتصاره.
حاولت الجمهورية الفرنسية الرابعة القضاء على الثورة في مهدها لكنها لم تكسب إلا الفشل أمام شعب صمم أن يعيش حرا أو يستشهد في سبيل الله والوطن، فشلها أحدث تمرد المستوطنين وبعض ضباط الجيش ضدها، ومكنوا الجنرال ديغول من الوصول إلى الحكم وتأسيسه للجمهورية الجزائرية الخامسة.
لم يترك ديغول أية خطة إلا وطبقها، استعمل المكر والخديعة والسلاح والسياسة من مشروع قسنطينة 03 أكتوبر 1958 ومشروع سلم الشجعان 23 أكتوبر 1958 وحق تقرير المصير 16 سبتمبر 1959 إلى رفع عدد القوات الفرنسية في الجزائر إلى أكثر من 1 مليون عسكري وفتح الباب أمام الخونة منحهم رواتب شهرية وامتيازات حيث وصل عددهم إلى 250 ألف حركي استعملهم ضد الشعب وجبهة التحرير الوطني بل سمحت المنظمات الدولية وسكتت عنه بتجاوزه القانون الدولي باستعمال الأسلحة المحرمة دوليا مثل النابالم وإقامة المحتشدات ومراكز التعذيب عبر ربوع الوطن مع تسييج حدود الجزائر المغربية، والحدود الجزائرية التونسية لمنع وصول الإمدادات إلى المجاهدين، أمام هذا التعنت والتوحش تمكنت جبهة التحرير الوطني من خلال فيدراليتها في فرنسا من نقل الثورة الجزائرية إلى داخل التراب الفرنسي وإلى قلب العاصمة باريس مما جعل موريس بابون يرتكب جرائم حرب في قلب عاصمة الأنوار وحقوق الإنسان برميه 200 جزائري في نهر السين.
إرادة الشعوب من إرادة الله سبحانه وتعالى، كلما زاد الضغط الفرنسي على الشعب والمجاهدين إلا وازدادت الثورة اشتعالا وانتصارا، فالجنرالات الذين هللوا لمجيء ديغول إلى السلطة في 1958 اتهموه بأنه تحول من بطل إلى خائن لفرنسا وقاموا بانقلاب ضده في الجزائر يوم 21 أفريل 1961، هذا الانقلاب والمظاهرات الشعبية التي سبقته في 11 ديسمبر 1960 جعلت الجنرال ديغول يبحث عن أسرع الطرق للخروج من الجزائر ليجنب فرنسا حربا أهلية حقيقية، فقبل مضطرا التفاوض الجدي مع جبهة التحرير الوطني ليتم الاتفاق على وقف إطلاق النار 19 مارس 1962.
سبع سنوات ونصف السنة من الكفاح المسلح، ارتكبت فيها فرنسا جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب … لو كانت تدرك بأن إرادة الشعوب من إرادة الله سبحانه وتعالى لا تقهر ولو فهمت حكمة الجنرال جياب ” الاستعمار تلميذ غبي لا يفهم إلا بتكرار الدروس ” لما ارتكبت كل تلك الجرائم ولاستجابت لنداء أول نوفمبر 1954.
وتبقى الذاكرة الجماعية راسخة لا تمحوها الأيام والزمن، رغم منع فرنسا السماح لأي باحث الإطلاع على أرشيف إكس أن بروفانس وفانسان، خاصة الجانب الذي يوثق جرائمها ضد الإنسانية مع وجود من يساندها في ذلك من الحركى الذين وقفوا ضد شعبهم في ثورته المباركة.