في تصعيد عسكري يعكس نوايا الاحتلال الصهيوني لفرض معادلة جديدة في الصراع مع لبنان، يواصل الكيان الصهيوني شن غارات مكثفة على العاصمة بيروت وضواحيها الجنوبية، مستهدفا مواقع حيوية وأحياء مكتظة بالسكان.
وفي الساعات الأخيرة، شهدت بيروت وضواحيها قصفا عنيفا، طال مناطق سكنية ومراكز تابعة لحزب الله، وأسفر عن اغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب، محمد عفيف.
وجاءت هذه الغارات في سياق تصعيد غير مسبوق بدأ منذ أسابيع، حيث ارتفعت وتيرة الاستهدافات الجوية لتشمل مواقع عسكرية ومدنية في جنوب لبنان والعاصمة، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى، بينهم أطفال ونساء.
وقد دفعت هذه التطورات بالوضع الإنساني إلى حافة الكارثة، في ظل نزوح أكثر من 1.4 مليون شخص عن منازلهم، وانهيار شبه كامل للبنية التحتية في المناطق المستهدفة.
وفي ظل هذه الأوضاع يأتي هذا التصعيد الصهيوني في وقت حساس يشهد فيه لبنان مفاوضات متعثرة تحاول فيه الوساطة الدولية بقيادة المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين التوصل إلى صيغة لوقف إطلاق النار.
فيما يُظهر “حزب الله” انفتاحا مبدئيا تجاه المقترحات الأميركية، يبقى التساؤل حول فرص نجاح هذه الجهود وسط استمرار التصعيد الصهيوني الذي لا يفرّق بين المدنيين والمسلحين.
ندى عبروس
وحسب ما أكدته مصادر حكومية لبنانية فإن حزب الله قدّم ملاحظاته على مسودة اتفاق أميركية تهدف إلى تهدئة الأوضاع، في حين ينتظر وصول المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لاستكمال المشاورات.
وفي المقابل، يواصل الكيان الصهيوني تصعيده العسكري بذريعة استهداف مواقع حزب الله، بينما تشير الوقائع إلى أن الغارات تطال منشآت مدنية وعسكرية على حد سواء.
القصف الصهيوني يطال العاصمة ” بيروت ”
لم يكتفِ الكيان الصهيوني بضرباته التقليدية في الجنوب اللبناني، بل وسّع عملياته لتشمل أحياء قريبة من وسط بيروت، ما يعكس تغيّرا واضحا في استراتيجياته العسكرية.
فقد شهدت منطقة رأس النبع القريبة من وسط بيروت، يوم الأحد الماضي، غارة جوية عنيفة استهدفت مقرا يستخدمه “حزب الله”، بحيث أدى هذا الاستهداف إلى مقتل محمد عفيف، أحد أبرز مسؤولي الحزب الإعلاميين، إلى جانب ثلاثة آخرين من جهاز العلاقات الإعلامية.
الغارة كانت لافتة بسبب قربها من السفارة الفرنسية ومواقع مدنية مكتظة بالسكان، ما يشير إلى رغبة الكيان الصهيوني في إرسال رسائل متعددة الأطراف: للحكومة اللبنانية، للحزب، وللمجتمع الدولي.
وفيما أكدت وزارة الصحة اللبنانية أن الهجوم أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابة ثلاثة آخرين، أشارت مصادر صحافية لاحقا إلى ارتفاع عدد القتلى إلى أربعة.
ولم يكن الاستهداف معزولا، إذ طالت الغارات أيضا الضاحية الجنوبية، التي تعتبر معقل “حزب الله”، ومناطق في جنوب لبنان، بما في ذلك مدينة صور.
” حصيلة مدمرة .. أرقام الضحايا والدمار تتصاعد ”
تصاعدت حصيلة القتلى والجرحى في لبنان نتيجة العدوان الصهيوني، إذ أعلنت وزارة الصحة اللبنانية عن مقتل 29 شخصا وإصابة 122 آخرين خلال يوم واحد فقط.
وقد ارتفع إجمالي الضحايا منذ أكتوبر 2023 إلى 3481 قتيلا و14786 جريحا، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، إضافة إلى نزوح حوالي 1.4 مليون شخص.
هذه الأرقام تعكس واقعا مأساويا في لبنان، حيث يعيش السكان تحت تهديد دائم للقصف، في ظل انعدام وسائل الحماية والبنية التحتية التي انهارت تحت وطأة العدوان.
” المفاوضات .. بصيص أمل وسط التصعيد ”
على الرغم من حدة التصعيد، برزت إشارات إيجابية على الصعيد الدبلوماسي. فقد سلم “حزب الله” ملاحظاته على المسودة الأميركية لوقف إطلاق النار إلى رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، فيما يُنتظر وصول المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، اليوم الثلاثاء، إلى بيروت لاستكمال المحادثات.
وقد أكدت مصادر حكومية لبنانية أن الموقف اللبناني يتسم بالإيجابية والانفتاح تجاه المقترح الأميركي، الذي يستند إلى مرجعية القرار الدولي 1701، لكن لبنان وضع شرطا أساسيا لقبول المقترح، وهو انسحاب الجيش الصهيوني من الأراضي اللبنانية، وانتشار الجيش اللبناني كضامن لوقف إطلاق النار.
في المقابل، نقلت وسائل إعلام صهيونية عن مسؤولين تأكيدهم أن أي اتفاق يجب أن يضمن حرية العمل العسكري الصهيوني في حال حدوث أي خرق للاتفاق من قبل “حزب الله”.
المحلل السياسي السوري، مصطفى رستم لــ ” أخبار الوطن ”
” حزب الله بقي صامدا وهيكليته ظلت فعالة رغم تصاعد الاغتيالات التي استهدفت قياداته ”
أكد المحلل السياسي السوري مصطفى رستم في تصريح لــ “أخبار الوطن” أن التصعيد الصهيوني في لبنان يأتي في إطار توسيع دائرة الاستهدافات في الحرب التي يقودها الكيان الصهيوني، مشيرا إلى أن هذا التصعيد أمر طبيعي في سياق الوضع الحالي.
وأضاف رستم أن “الكيان اليوم على الحافة ولم يستطع تحقيق أي تقدم ملحوظ، ولن يستطيع الوصول إلى نتائج ملموسة”، رغم تصاعد عمليات الاغتيالات التي استهدفت هيكلية حزب الله، بداية من استهداف الأمين العام للحزب، والتي لم تنتهِ ببقية الكوادر الحساسة.
وتابع محدثنا أن حزب الله “بقي صامدا”، وأن هيكليته ظلت فعالة، حيث تمكن من التحكم في بعض جوانب المعركة، وهو ما أدى إلى زيادة “الجنون الصهيوني”، مما يعني توسيع دائرة الاعتداءات و الاستهدافات.
وفيما يخص اغتيال محمد عفيف، المسؤول الإعلامي في حزب الله، أوضح رستم أن هذا الاغتيال يأتي في سياق سلسلة من الاغتيالات التي تستهدف شخصيات محورية في المجتمع المقاوم، مشيرا إلى أن “استهدافه لمقر حزب البعث العربي الاشتراكي في بيروت يدل على أن القوى الاستخبارية للكيان لا تزال تعمل، وأن الاغتيالات قد تطال أشخاصا في بيئات أخرى في لبنان، خارج نطاق حزب الله”.
وفيما يتعلق بالمفاوضات الجارية، وصف رستم الحديث عن رؤية إيجابية في هذه المفاوضات بأنه “محض حديث سياسي وإعلامي”، مضيفا أن “الكيان الصهيوني وأمريكا ينافقان، ولا شيء من ذلك قد تحقق على أرض الواقع”، مؤكدا أن الأوراق التفاوضية التي تطرح هي “مسودات فاشلة”، وأن حزب الله ولبنان لن يوافقوا على أي اتفاق لا يتناسب مع منطق المقاومة.
واختتم رستم حديثه قائلاً إن “نتنياهو اليوم يغامر سياسيا، خاصة مع قرب موعد جلسات محاكمته وتدهور الوضع الداخلي الإسرائيلي، وهو ما يجعل من غير المحتمل أن تثمر المفاوضات أو تعطي نتائج، بل من المتوقع أن تتوسع رقعة الحرب.”
ندى عبروس