بقلم: رياض هويلي
* في محيطات السياسة، غالبا ما تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، ولذلك على الربان أن يكون في مستوى الحزم والعزم الذين يتطلبهما الموقف.
اليوم، لا يمكن وصف العلاقات الجزائرية -الفرنسية بالتململ، أو الاضطراب، أو التوتر، فهذه أوصاف لم تعد تفي بغرض تفسير ما يجري بين البلدين منذ ما ينيف عن سنتين. ولذلك فالوصف الدقيق، للعلاقات الجزائرية -الفرنسية، أنها دخلت مرحلة الأزمة وفق المعايير التي وضعها المختصون في اتصال الأزمات، ورواد الاتصال السياسي.
فبعد التصريحات الدنيئة والخطيرة وغير المقبولة، للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، خلال اجتماعه بسفراء بلاده في المؤتمر السنوي، تطرق الى قضية ” خائن الأصل وناكر الجميل”، الكاتب “المأجور، والمثقف العميل ” بوعلام صنصال، داعيا فيها ” إلى الإفراج السريع أو العاجل للمتهم صنصال المسجون على ذمة التحقيق في الجزائر، ” وأن الجزائر لا يشرفها سجن رجل طاعن في السن”، محاولا في الوقت ذاته، إحداث شرخ بين الشعب والسلطات، وزرع الفتن ما ظهر منها وما بطن، شأنه شأن أسلافه مصاصي دماء الجزائريين، حيث سُمعت جملة اعتراضية في الفقرة المتعلقة بالجزائر وردت كالآتي:”الشعب الجزائري الذي نحبه..”، وهي تصريحات وجب علينا كنخب، كمثقفين، كمهتمين بالرأي العام، توضيح ما يجب توضيحه، في هذه المرحلة الحرجة:
– أولا: يجب أن تعلم فرنسا ماكرون، أن قضية الوحدة الترابية للجزائر، هي قضية شعب يؤمن بالأرض كإيمانه بالله، وأن هذه الأرض لا تقبل إلا بالدماء ضريبة، ولا ترتوي إلا بالدماء الزاكيات الطاهرات، ووفق هذه المعطيات، يجب أن تدرك فرنسا ونخبها ورئيسها، أن التعدي على الوحدة الترابية للجزائر، تلميحا، قولا، فعلا، هو تعدّ صارخ على الشعب الجزائري، ما يستوجب ردّا حازما، قويا، وبكل ما نملك من أدوات الردع. ومن هذا المنطلق فقضية خائن الأصل ناكر الملح والطعام، المدعو بوعلام صنصال، هي قضية كل الجزائريين الأحرار الشرفاء، ورثة الشهداء والمجاهدين الأطهار، وليست قضية السلطة وحدها أو الحكومة، ويعني هذا، للتوضيح أكثر، أن القضية قضية جنائية وليست سياسية، قضية خيانة وعمالة وليست حق في التعبير أو التفكير او الرأي.
– ثانيا: تحيلنا تصريحات الرئيس الفرنسي، والتخبط الذي تعيشه حكومته، أن النخب الفرنسية، لم تعد قادرة على فهم التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها الجزائر ما بعد الحراك الشعبي المبارك والذي أسقط اتفاقيات فال دوغراس المشؤومة، التي حاولت من خلالها فرنسا السيطرة على مفاصل الجزائر المستقلة ورهن مقدراتها تحت حاجة عصابة المخلوع وشقيقه للبقاء في الحكم ولو برهن البلد.
– ثالثا: إن الأزمة مع فرنسا اليوم، عمقها عكس ظاهرها، إنها تأخذ في جانب من جوانبها، طابع الحرب، نعم الحرب. هم في حرب من أجل مكاسب يرونها ضاعت منهم، ونراها حق ضاع منا وجب استعادته. هم في حرب، لأنهم فقدوا جنة الجزائر التي سيجوها باتفاقيات سياسية وأمنية وتجارية، ورشاوى لمسؤولين فاسدين، ونرى نحن أن ما للجزائر للجزائر، وما لقيصر لقيصر، هم في حرب من أجل السيطرة والنفوذ والكسب، ونحن في مقاومة من أجل تثبيت الاستقلال، واستكمال السيادة، والمنفعة المتبادلة وفق قاعدة الاحترام المتبادل.
لكل هذا، ومن أجله، نجد أنفسنا اليوم، ننخرط بلا هوادة في معركة السيادة، معركة الحفاظ على الدولة وأركانها، معركة الحفاظ على إرث الشهداء وصيانة أمانتهم، فليعلم من لا يعلم، وليتيقّن من يُراوده شك، أن قضية الخائن بوعلام صنصال، ماهي إلا شجرة تريد منها باريس تغطية غابتها الموحشة، ولتعلم باريس أيضا وعملائها أينما كانوا، أن هذه الغابة ستحترق بنيران وطنيتنا، بصدق نضالنا، بحقنا في بلد سيّد رغم زمن الانحطاط والخنوع. فهلموا جميعا إلى معركة السيادة.
في محيطات السياسة، عاصفة هوجاء أثارتها وزيرة الخارجية الليبية السابقة، نجلاء المنقوش، في مجملها تصب في تغلغل تيار الخيانة والعمالة للكيان الغاصب، فقد صرحت الوزيرة الشابة، أن لقائها بوزير الخارجية لدولة الكيان بإيطاليا، كان بتدبير وتخطيط ومتابعة من قبل رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة.
وقالت المنقوش في تصريحات حركت الشارع الليبي: أن الدبيبة حاول الاتكاء على الكيان لتمديد حكمه وتثبيته، وأن اتصالات أعضاء حكومة الدبيبة مع المحتل الصهيوني لم تتوقف قبل لقائها المشهور وبعده.. في كل هذا، لا يهمني إلا ما يهم بلدي، لذلك أرى مايلي:
– أن الجزائر بعد تصريحات المنقوش، أن العهد منفوشا، وأن حلف التطبيع يتمدّد، وهو يحيط بها من كل حدب وصوب.
– أن عملية تحديث قائمة الأصدقاء، وجرد الأوفياء للخيارات الكبرى ومنها رفض التطبيع، في محيطنا القريب، باتت عملا غير قابل للتأخير.
– استعدادا لكل الاحتمالات، بما فيها الأسوأ، ينبغي على السلطات العليا في البلد، أن تباشر حوارا وطنيا عميقا وشاملا، بما يمكن من تعبئة القدرات البشرية والمادية لمواجهة زحف التطبيع دون الاتكال على أحد من العالمين، وأيضا لمواجهة حروب اختراق السيادة.
في كل الأحوال، يبقى الشعب وحده القادر على حماية وطنه والذود عن أرضه، وصيانة عرضه… فاهتموا به ولا تخذلوه.