تفصلنا أيام قليلة عن انطلاق أكبر حدث ثقافي في الجزائر، الصالون الدولي للكتاب، الذي دارت عنوانين الطبعة الـ 24 عن “الحرّاك”، الذي كتب عنه المثقفون الجزائريون، منهم كتاب ومؤرخون وإعلاميون وباحثون، نقلوه بأحداثه وأفكاره ومطالبه وآفاقه، بوجهة نظر مختلفة ومن زوايا متعددة.
صارة بوعياد
انطلقت الصرخة الأولى للجزائريين يوم 22 فيفري، ليتشكل الحرّاك الشعبي الذي اتسم بسلميته الفريدة من نوعها، وكما باتت المترصدات الخارجية تتسارع لنقل الحدث، وفي المقابل تعززت الساحة الجزائرية بكتابات عن الحرّاك الذي يدخل في شهره السابع، والذي أثار زوبعة من الحريات والمطالبة برحيل النظام السابق، انجرت عنه العديد من الكتابات على غرار الكاتب المغترب في لندن “أزراج عمر”، المؤرخ “أرزقي فراد”، الروائي والأكاديمي “فيصل الأحمر”، الكاتب والإعلامي عبد العزيز بوباكير والقائمة مفتوحة لكتابات أخرى ما دام باب الحرّاك الشعبي لم يغلق بعد.
عبد العزيز بوباكير يكتب “بوتفليقة رجل القدر“
صدر للكاتب والإعلامي عبد العزيز بوباكير، أول كتاب يسلط الضوء على فترة حكم الرئيس المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة (1999- 2019)، داء تحت عنوان “بوتفليقة رجل القدر”، عن دار “الوطن اليوم” للمنشورات، في 126 صفحة، تحتوي على 24 عنونا فرعيا، تستوقف القارئ عند أبرز محطات حكم بوتفليقة.
بأسلوب لغوي مشوق، يترك الكاتب للقارئ اكتشاف نفسية بوتفليقة وفلسفته في الحكم، حتى يصل في النهاية إلى تكوين صورة شاملة، حيث يسند الكاتب عنوان مؤلفه إلى مقارنة عميقة بين بوتفليقة والإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت (1769- 1821، ويرى بوباكير أن لبوتفليقة “معرفة عميقة بدقائق سيرة الإمبراطور الفرنسي وخبايا نفسيته”، وأنه “معجب ومنبهر بشخصيته “نابليون” ومصيرها الاستثنائي”.
ويفيد بوجود تشابه “مثير للاندهاش” بين نابليون وبوتفليقة، “فكلاهما منحدر من أصول متواضعة، وتوافرت لهما ظروف مواتية دفعتهما إلى أعلى مراقي الشهرة والنجاح”.
عمر أزراج يرصد “يوميات الحراك الشعبي”
صدر عن دار خيال للنشر كتاب جديد بعنوان “يوميات الحراك الشعبي” للكاتب القدير عمر أزراج، الذي قدم بعض المقاربات التي يتضمنها هذا الكتاب قبل انفجار الحراك الشعبي في 22 فيفري، وبعضها الآخر خلاله، على صفحات جريدة “العرب الدولية”، ويعتبرها الكاتب استمرارا لمئات المقاربات الأخرى التي أنجزها ونشرها تباعا على مدى أكثر من 33 سنة على صفحات مجلة “الدستور” التي كانت تصدر ببريطانيا لغاية تسعينيات القرن العشرين، وجريدة العرب الدولية.
ويرصد الكتاب ملاحظات أساسية عن مرحلة بوتفليقة وكونها لم تؤسس مجتمع العقلانية الحديثة فكريا وثقافيا ونفسيا وماديا في الجزائر يمكن وصفها كمقدمة لأي تحول حقيقي يمكن أن يحدث قطيعة مع المعطيات المادية والثقافية المتخلفة، والرجعية التي ولَدت المناخ السائد في الجزائر قبل انفجار العشرية الدموية، وخلال أهوالها، وهكذا يمكن النظر إلى صيغة اتخذها إنفجار الحراك الشعبي كرفض عفوي لتوريث الحكم أو لاختزاله في شخص معين أو في العائلة أو الجهة أو في شلة، ويمكن إعتباره أيضا كمحاولة مبدئية لتصحيح الأخطاء قوَضت خيار التعددية الحزبية.
ومن خلال تصوره يرى أزراج أن الحراك الشعبي الجزائري له خصوصيته السلمية، حيث تجنب عن وعي، لا يخلو أحيانا من العفوية الإيجابية، تكرار الممارسات التي أدت إلى العشرية الدموية في الجزائر، كما قام بتجاوز أخطاء العنف المادي التي وقع فيها ما يسمَى بالربيع العربي.
وتوضح أسباب اختيار المناطق التي انطلق منها التمرد على بوتفليقة وجماعته لمعارضة العهدة الخامسة للرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة ثم توسعت عبر الجزائر العميقة، وتطورت الأحداث إلى المطالبة برحيل النظام الحاكم كله بغية تحقيق الشعار المرفوع في المظاهرات وهو إحداث التغيير الراديكالي في منظومة الحكم.
أرزقي فراد يوثق “في ظلال الحرّاك الشعبي“
اعتبر المؤرخ أرزقي فراد كتابه “في ظلال الحراك الشعبي” وثيقة هامة قدم فيها وجهة نظره إزاء هذا الحدث الذي يعدّ منعطفا كبيرا في تاريخ الجزائر المعاصرة، وقد كتب على جداره الخاص على موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك”، “ليكن في علم القراء أنني سأشارك بكتابي الخاص بالحرّاك في صالون الدولي للكتاب، الذي جمعت فيه مقالاتي التي كتبتها على امتداد الأشهر الأخيرة، فضلا عن بعض التغريدات، وكذا بعض الشعارات المتعلقة بالمطلب الديمقراطي التي رفعت في مسيرات العاصمة”.
أما الباحث في الفلسفة بومدين بوزيد يتصور أنّ أغلب تحليلات “الحَرّاك الجُمعي” هي انطباعات وشهادات، أو محاولة سوسيولوجيّين من الجيل الثاني في الجزائر إسقاط تحاليل سابقة لأحداث أكتوبر 1988 على هبّة شعبية أخذت منعطفا أيديولوجيا، أو هي قراءة وفق تصوّرات موروثة عن التغيير والثورة، فكانت نصوصه الأقرب إلى “الكتابة الإعلامية الانطباعية”.
وقال إنّ الحدث التاريخي يتميّز بالزخم والتغيير السريع وتجاوز المتعارف عليه في القوانين التاريخية والاجتماعية، ومن هنا التنظير والتفكير فيه بعلميّة يأتي بعد “الحدث اللاّمتوقع”، حيث كانت معظم النظريات الاجتماعية والسياسية تأخذ زمنا تاليا للفهم والتأويل.
ورصد كتاب الإعلامي محمد بوعزارة، “من الصعلكة السياسية إلى الحراك الشعبي”، مسارات الحراك الجزائري منذ انطلاقته، وهو أيضا تنبيه لكل من يريد قيادة هذا الشعب مستقبلا بأن يَحذر في ممارساته وسلوكاته من أن يسيء القيادة، ومن أن يُحوِّل الأخلاق السياسية إلى صعلكة قد تكون آثارها في النهاية مدمرة.
وقال بوعزارة”، “لقد أيقظ حراك الشعب كل السواكن، فكيف لا أتفاعل مع هذه الثورة الشعبية، أنا جزء من هذا الشعب الثائر، فكيف أنسلخ عنه ولا أعبر عن حراكه وطموحاته وهمومه؟”.
وكتب الروائي والأكاديمي فيصل الأحمر “ديموس كراطوس”، حول الحراك الجزائري وأمراض الديمقراطيات في العالم “نصوص وتعليقات حول حراك 22 فيفري”، حيث تضمن الكتاب نقد العقل الديمقراطي، نقد العقل الديمقراطي الإسلامي، نقد العقل العولمي، يوميات حراك 22 فيفري، 55 في فلسفة الحراك شبكات القراءة والتفسير.
لونيس بن علي يقدم “الكتابة على أطراف النهر“
يدخل الدكتور لونيس بن علي، خلال فعاليات الصالون الدولي للكتاب، بكتاب جديد بعنوان “الكتابة على أطراف النهر… السيرة الكتابية للحراك”، وهو عبارة قراءات وشهادات ورؤى في الحدث بعين الناقد، الباحث عن الحقيقة، حيث يرصد الكتاب الصادر عن دار ميم للنشر، تجربة انخراطه في الحراك الشعبي ومواكبته من خلال كتابة مقالات أسبوعية تتوزع بين مقال الرأي، والمقال النقدي والفكري، ولقد اعتبر هذه التجربة التزاما مني اتجاه مجتمعي أمام محطة تاريخية مفصلية ردا على الأصوات الناعقة التي تتساءل: أين هي النخب؟.
يقول بن علي، أن النخب ها هي أمام هؤلاء وتسير في الشارع وفضلا عن ذلك تواكب المسيرات بالكتابة والتحليل، وإن كنت شخصيا لم أتوقف يوما عن مواكبة حراك المجتمع بالكتابة، فإن طبيعة هذا الكتاب أني اخترت التموقع في منطقة ثالثة، أقصد الكتابة بوعي نقدي مضاعف، نقد السلطة السياسية ونقد أيضا بعض المظاهر السلبية التي طفت على السطح وأنتجها الحراك، مثل إثارة النعرات الجهوية واللغوية، والنبش في الهويات، والتشكيك في كلّ شيء، في واقع لا يتقبل النقد، سواء السلطة التي مازالت متعنتة إزاء الصوت النقدي، أو الحراك الذي صار مع الوقت يرفض أن تنتقد مواقفه.
تضمن كتابه ثلاث محاور، محور خاص بمقالات الرأي التي نشر معظمها في موقع ألترا الجزائر، ويضم مقالات تأملية ذات بعد فكري حاولت من خلالها تشريح بعض المفاهيم والظواهر المواكبة للحراك برؤية أكثر عمقا، أما المحور الثاني فخصصته لثلاث قراءات نقدية في أعمال روائية فككت من خلالها علاقة السرد بالسلطة السياسية، أما المحور الثالث فضم أربع حوارات كنتُ قد أنجزتها مع شخصيات جامعية وأدبية عن الحراك.
واسيني الأعرج ينقل “الدرجة الصفر للدولة من العسكرة إلى الكرنفال“
قال الروائي والأكاديمي واسيني الأعرج، “لم يعد للدولة أصلاً أي وجود، كل الاتفاقيات السياسية والعسكرية والاجتماعية تمر عبر الرئاسة التي يدير شؤونها المستشار/ الرئيس، السعيد بوتفليقة الذي استولى على الختم، انتفت الدولة كلياً، أصبحت السلطة وليس الدولة، فوق الجميع”.
يضيف واسيني، “نحتاج اليوم أن نعرف من قتل كل تلك القوائم التي قيدت ضد إرهابي مجهول، على رأسها الرئيس بوضياف الذي أعدمته الدولة العميقة أمام أكثر من ثلاثين مليون جزائري، ولم يعرف الرئيس بوتفليقة كيف يخرج باحترام، لأن الدولة العميقة كانت تعرف أن أي رئيس سيأتي بعده سيضعها تحت مجهره ويظهر نهبها الخطير، لهذا، كان جهد الدولة العميقة منع الدولة من إعادة التكون والمرور إلى انتخابات حقيقية، قبل أن تصل المسألة إلى حالة المهزلة في العهدة الخامسة”.
مركزا بقوله: “لم يكن للدولة العميقة خطة (ب) لأن يقينها في البقاء الأبدي كان مطلقاً، لم تحسب حساب قوة ملكت دوماً مفاتيح البلاد، الجيش، وعندما تحركت الدولة العميقة مرعوبة، ببيان إقالة رئيس الأركان، كان كل شيء قد انتهى، فقد مُنع التلفزيون من بث بيان الإقالة باسم رئيس الجمهورية المفترض، وفتحت أبواب جهنم على الدولة العميقة التي أرادت أن تستعمل ورقة التوت الأخيرة، مع الرئيس الأسبق ليامين زروال الذي عرف كيف يستقيل في الوقت المناسب بعقلية العسكري المنضبط، وفضح المخطط الذي دفع بمؤسسة الجيش إلى أن تختار بين العصابة أو الشعب الممثل في الحراك، إذ لم يعد هناك مسلك ثالث”.