لم تتوقف محاولات وقف الحرب على غزة و مجازر الإبادة في كل من فلسطين و لبنان عن طريق مطالبة الأمم المتحدة بمنع بيع الأسلحة للكيان الصهيوني، حيث طالبت أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى الاحتلال الصهيوني، لكن الغريب في الآمر أن بعض هذه الدول التي تبنت المبادرة – ومنها دول عربية -هي نفسها من سمحت برسو سفن صهيونية تحمل أسلحة بموانئها، الأمر الذي يطرح أكثر من تساؤل حول هذا التناقض في المواقف و النفاق السياسي .
طالبت منذ يومين أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى الاحتلال الصهيوني، قائلة إن هناك أسباباً معقولة للاشتباه في أن المواد العسكرية ستُستخدم في الحرب التي يشنها الاحتلال على غزة والضفة الغربية.
وفي رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريس، تتهم هذه الدول، الاحتلال الصهيوني بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية وكذلك في لبنان وبقية بلدان الشرق الأوسط، وجاء في الرسالة: “إن الحصيلة المذهلة للضحايا المدنيين، ومعظمهم من الأطفال والنساء، بسبب الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي من قبل الكيان الصهيوني، القوة المحتلة، لأكثر من عام الآن، لا يمكن تحملها وغير مقبولة”، وأضافت الرسالة: “يجب علينا أن نتصرف بشكل عاجل لوقف المعاناة الإنسانية الشديدة وعدم الاستقرار الإقليمي الذي يهدد باندلاع حرب شاملة في المنطقة”.
وتدعو الرسالة مجلس الأمن إلى “إعلان وقف إطلاق نار فوري لتفادي هذه الكارثة” واتخاذ إجراءات لتنفيذ قرارات سابقة لحماية المدنيين وضمان المساءلة وإصدار “مطالبة واضحة بوقف نقل الأسلحة إلى الكيان الصهيوني”، وأفادت مصادر دبلوماسية تركية، لوكالة “الأناضول”، في وقت سابق، بأن أنقرة أطلقت مبادرة داخل الأمم المتحدة لوقف بيع الأسلحة والذخيرة لإسرائيل،ووقعت على المبادرة 52 دولة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
وتعتقد تركيا أن من واجب المجتمع الدولي قانونياً ووجدانياً أن يوقف توريد الأسلحة والذخيرة وشحنهما إلى الكيان الصهيوني فوراً لمواجهة سياسة الحرب على غزة، ومن الدول التي وقعت على المبادرة فلسطين والبحرين وبنغلاديش والإمارات وبوليفيا والبرازيل وبروناي وبوركينا فاسو والجزائر وجيبوتي والصين وإندونيسيا والمغرب وغامبيا، إلى جانب جنوب أفريقيا والعراق وإيران وقطر، وكازاخستان وقرغيزستان وكولومبيا واتحاد جزر القمر والكويت وكوبا وليبيا ولبنان وجزر المالديف وماليزيا والمكسيك، إضافة إلى مصر وموريتانيا وناميبيا ونيجيريا ونيكاراغوا والنرويج وباكستان وروسيا وسانت فنسنت وجزر غرينادين وساو تومي وبرنسيبي والسنغال والصومال والسودان، والسعودية وتشيلي وتونس وعمان والأردن وفنزويلا وفييتنام واليمن وزيمبابوي.
دول عربية تستقبل سفن الكيان في وقت يرفضها الغرب
الخطوة حسب -المتتبعين- مهمة رغم أن التكهنات بنجاحها تبقى ضئيلة بسبب الفيتو الأمريكي ، إلا أن المثير فيها أن بعض الدول التي تبنت المبادرة هي نفسها الدول التي سمحت برسو أسلحة صهيونية وموانئها متجهة إلى الكيان لاستعمالها ضد الأشقاء في غزة و لبنان، وفي مقدمتها الدولة المبادرة للخطوة تركيا، وبعض الدول العربية كمصر و المغرب والإمارات و السعودية و هو ما يطرح أكثر من تساؤل حول جدوى هذا النفاق السياسي.
في تركيا مثلا داهم منذ يومين داهم ناشطون أتراك السفينة “كاثرين” في ميناء حيدر باشا بعدما استقبلتها موانئ ورفضت أخرى استقبالها بسبب اتهامات بحمل أسلحة صهيونية ستوجه لابادة شعب غزة الاعزل.
و في المغرب أيضا عبرت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع عن إدانتها الشديدة لسماح السلطات المغربية برسو سفينة عسكرية تابعة لجيش الاحتلال في ميناء طنجة المتوسط ، واعتبرت الجبهة أن غض الطرف عن مرور مثل هذه السفن “ليس فقط خرقا لقرار محكمة العدل الدولية، بل تشجيعا للعدو الصهيوني ومشاركة في حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني وتفريطا في السيادة الوطنية”.
وفي مصر رست السفينة “كاثرين”، المحمّلة بمواد متفجّرة ومتّجهة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، مساء الإثنين الموافق 28 أكتوبر الماضي، في ميناء الإسكندرية، فيما يبدو بأنّها قامت بتفريغ حمولتها، في انعطافة خطيرة وغير متوقعة في مسار السفينة، نظراً لرفض عدة دول استقبالها، من بينها مالطا وناميبيا وأنغولا، لكونها تحمل شحنة عسكرية في طريقها لتغذية آلة الحرب الإسرائيلية في حربها الإبادية في غزة وعدوانها العسكري ضد الشعبين الفلسطيني و اللبناني الشقيق.
في ذات السياق، يثير رسو السفينة “كاثرين” في ميناء الإسكندرية، تساؤلاتٍ حول أسباب السماح لهذه السفينة، التي تنقل شحنةً تُستخدم في التصنيع العسكري الإسرائيلي، بالدخول إلى الموانئ المصرية، في وقتٍ تتزايد فيه الضغوط الدولية لمنع تدفق السلاح الذي يسهم في الإبادة الجماعية ضد 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة المحاصر.
من جهة أخرى، سبق و أن كشفت صحيفة عبرية عن اتفاق بين الإمارات وسلطات الاحتلال الصهيوني، لإنشاء جسر بري بين ميناءي حيفا ودبي؛ مرورا بالأراضي السعودية والأردنية لـ “تجاوز تهديد الحوثيين” للسفن التي تمر عبر البحر الأحمر، وأفادت أنه “تم توقيع اتفاق مع شركة “بوريترانس” للخدمات اللوجستية التي تتخذ من دولة الإمارات مقرا لها، والتي تعمل بالتعاون مع موانئ دبي العالمية”، يتم بموجبه تشغيل جسر بري لنقل البضائع على طريق يربط دبي، والمملكة العربية السعودية، والأردن، بميناء حيفا، والعكس، ويتوقع المصدر نفسه، أن يُوفر المعبر البري، الذي حصل على موافقة وزارة الدفاع والحكومة الإسرائيلية، 80 في المائة من الوقت على الطريق البحري، ويوفر بديلا أسرع للمرور عبر قناة السويس، ويحقق حلا للمشاكل الأمنية عن طريق البحر، بسعر منافس.
و الأدهى من كل هذا أن شركات عربية تمول الكيان الصهيوني بالمؤن وورد اسم العديد من الشركات العربية على قائمة المؤسسات التي تصل منتجاتها إلى الكيان الصهيوني، وتتصدره كيانات من مصر والمغرب والإمارات ودول أخرى، في واحدة من الإفرازات الأولية التجارية لمسار التطبيع الذي انطلق منذ نحو أربع سنوات.
كشف تحقيق نشره موقع “عربي بوست”، أن نحو 37 شركة مصرية تصدر منتجاتها إلى الاحتلال الصهيوني، ويصل عددها إلى نحو 206 منتج غذائي، إلى جانب نحو 25 شركة مغربية تقدم 113 منتجا من نفس القطاع، كما تأتي في المقدمة الإمارات العربية المتحدة، التي قادت مسار التطبيع، بـ 11 شركة تقدم 99 منتجا وبعدها الأردن بـ 5 شركات تصدر 19 منتجا غذائيا، وتتذيل القائمة السعودية وتونس، بأدنى مستوى من الصادرات
حظر غربي على توريد السلاح إلى الكيان الصهيوني
تبنت مجموعة من الدول، شملت دولا أوروبية وكندا واليابان، قرارات تتعلق بحظر كامل أو جزئي على توريد السلاح إلى الكيان الصهيوني، وذلك على إثر العدوان الذي شنه الاحتلال على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، وارتكابه جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب بحق المدنيين فيها، وقد تم اتخاذ القرارات المتعلقة بالحظر تحت ضغوط كبيرة مارستها مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، والمنظمات الإنسانية المحلية، التي رفع بعضها قضايا ضد سلطات الدول المعنية، معتمدة على قوانين محلية وقرارات دولية، أبرزها قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الصادر في السادس من أبريل 2024، القاضي بحظر تصدير السلاح إلى الكيان المحتل، وكانت تلك الدول قد صدَّرت إلى إسرائيل عام 2023 من السلاح ومكوناته ما تقدر قيمته بعشرات الملايين من الدولارات، وساهمت في تزويد الاحتلال بالقنابل والذخيرة ومكونات العتاد وقطع طائرات “إف-16″ و”إف-35” المقاتلة، التي قصفت المدنيين في غزة على مدار الحرب طويلة الأمد.
و من ابرز الدول التي اتخذت إجراءات للحد من تصدير السلاح إلى إسرائيل، بعد السابع من أكتوبر ،2023 ، نجد إيطاليا التي منعت إصدار تصاريح جديدة متعلقة بتصدير السلاح إلى الكيان الصهيوني.
و في بريطانيا ونتيجة للضغوط الداخلية والخارجية، قررت السلطات تعليقا جزئيا لتوريد السلاح إلى الكيان.
في 10 سبتمبر 2024 علقت 30 تصريحا لبيع أسلحة لإسرائيل وألغت عقدا مع شركة أميركية تبيع ذخيرة للجيش الإسرائيلي، أما هولندا فأوقفت تصدير قطع غيار طائرات “إف-16″ و”إف-35” إلى الكيان في فبراير 2024، بناء على حكم قضائي استصدرته منظمة “أوكسفام نوفيب”، و باسبانيا ، أعلن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل في يناير 2024، أن بلاده لم تبع أي أسلحة للكيان منذ بداية الحرب، لكن موقع البرلمان الأوروبي كشف عن تصدير ذخيرة من إسبانيا إلى إسرائيل في نوفمبر 2023، بقيمة بلغت 987 ألف يورو، وعللت السلطات الإسبانية ذلك بأن الذخيرة كانت تجريبية بموجب ترخيص قديم، هذا إلى جانب دول مثل بلجيكا و اليابان.
طاوس.ز/ الوكالات
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة، البروفيسور نور الصباح عكنوش “لأخبار الوطن” :
“مبادرة تركيا متأخرة ودعم أنظمة عربية للكيان لعبة قذرة”
- طالبت أمس أكثر من 50 دولة من مجلس الأمن وقف بيع الأسلحة إلى الكيان الصهيوني ، كيف تقرءون هذه المبادرة و هل ستنجح مع وجود الفيتو الأمريكي ؟
تبقى المبادرة الخمسينية إن صح التعبير على مستوى المنتظم الأممي مهمة و إن كانت في اعتقادي متأخرة و غير كافية بالنظر لحجم الإبادة الغير مسبوقة التي تستهدف اهلنا في غزة بشكل ممنهج، و لهذا تبدو الحركة الأخيرة لوقف بيع السلاح إلى الكيان الصهيوني قد تجاوزتها الأحداث و تأتي في سياق الانتخابات الأمريكية، بحيث تحتاج لآليات حقيقية و قوية لتفعيلها في الواقع خاصة في ظل الدعم الأمريكي المباشر للكيان الصهيوني و الذي يقتل في المهد أي أمل لوقف المجزرة أو عزل الكيان الصهيوني و بالتالي تبقى المطالبة الجديدة نية طيبة لا أكثر و لا اقل .
- الخطوة جاءت بمبادرة من تركيا التي سمحت منذ أيام برسو سفينة صهيونية تحمل أسلحة بموانئها، ألا تعتقد أن هذا تناقض في الموقف التركي؟
هي كما قلنا تبقى بعنوان مبادرة فقط، و لمن سعى لها أجرها إن صح التعبير بالمعنى الأخلاقي، لكن بالمعنى السياسي فالمبادرة تتطلب بيئة دولية حاضنة لها و تسويق إعلامي و دبلوماسي كبير و إلا فهي تبقى موقف من بلد إسلامي كبير بإمكانه في إطار استراتيجي القيام بأكثر من هذا بحكم المعطى التاريخي و الرمزي لعلاقة اسطنبول بفلسطين، لكن يبدو أننا أمام حسابات أخرى تحدد سلوك الأمة ككل و ليس تركيا فقط تجاه القضية الفلسطينية.
- عدد من الدول العربية سمحت برسو هذا النوع من السفن في موانئها ، في وقت رفضت فيه دول غربية ذلك ، كيف تعلقون على هذا الموقف العربي المخزي؟
اعتقد أن قضية السفن هو ما نراه فقط من حقيقة “التصهين” الذي يميز موقف بعض العرب من العدوان على غزة ،و أكيد هناك صفقات مالية و مصالح اقتصادية كبرى تحت الطاولة بين الكيان و عواصم عربية عديدة اختارت دعم الكيان ضد الأطفال و النساء و المدنيين العزل في غزة، مقابل ضمان بقاء حكامها في سدة الحكم لسنوات قادمة وهي لعبة قذرة ،عرت بؤس النظام الرسمي العربي في لحظة تاريخية كاشفة لوهن أمة تتعاضد مع عدوها التاريخي دون أن تدري أن الدور قادم على الجميع من عرب التطبيع و الشراء و البيع .
سألته: طاوس.ز
المحلل السياسي محمد الشريف ضروي لـ “أخبار الوطن”:
“السيادة المطعون فيها لبعض الدول العربية أو الإسلامية تحول دون منع نقل وبيع الأسلحة للكيان”
قال المحلل السياسي، محمد الشريف ضروي، إن إمضاء أزيد من خمسين دولة على اتفاقية تمنع تزويد الكيان الصهيوني بأي شكل من الأشكال من الأسلحة والعدة والذخيرة الحربية يعتبر شكلا من أشكال الحصار على هذا الأخير، لكن ذلك لا يمنع وجود تقاعس من دول عربية وإسلامية اتجاه هذه الممارسات.
واعتبر ضروي في اتصال بـ “أخبار الوطن”، هذه المبادرة كإجراء وقائي ذو طابع قانوني يهدف إلى التقليل من حجم الترسانة العسكرية الصهيونية التي تستعمل ضد قطاع غزة ودخلت في مرحلة جد خطيرة، تسمى الآن مرحلة الإبادة الجماعية والعقاب الجماعي.
وأشار ضروي إلى أنه عند الحديث عن بعض الدول التي تسمح بمرور السفن المحملة بالأسلحة أو ذخائر حربية موجهة من طرف الدول الغربية على سبيل المثال نحو الموانئ، لا يجب أن نركز فقط على انه هذا تناقض في التعامل مع الموضوع من الناحية القانونية والإدارية التنظيمية فقط، يوجد بعض الدول حقيقة هي تخضع لاتفاقيات، لأن عمليات مرور السفن تخضع لاتفاقيات بحرية تضمن من الحقوق والالتزامات لفائدة الطرفين.
وأوضح المتحدث ذاته، أن هنالك ما يسمى الإقليم الوطني البحري، ويوجد دائما المناطق الفاصلة ما تسمى أعالي البحار، يعني المناطق الدولية التي يمكن من خلالها عبور كل العالم دون استثناء بشتى أنواع السلع يعني. وهي بعيدة عن أي شكل من أشكال المراقبة من طرف القوات البحرية للدولة المجاورة أو حتى الجمارك التي لديها إمكانيات للتعامل والرقابة على عمليات الشحن والنقل.
وفي سياق آخر، أشار ضروي إلى وجود نوع من التقاعس من بعض الدول التي تتغاضى بشكل معين عن مثل هذه الممارسات، وذلك يخضع أيضا إلى ما يسمى بنفوذ الدول الغربية في حد ذاتها المسطرة لهذه الشحنات من الأسلحة.
وأوضح الخبير الاستراتيجي ذاته، أنه عندما نتحدث عن شحنات تحملها بواخر بريطانية وأمريكية، يعني هنا الحديث عن نفوذ الدول الغربية على حساب المصالح الضيقة أو سيادة مطعون فيها لبعض الدول سواء العربية أو الإسلامية أو حتى دول أخرى آسيوية، حتى لا نحتج دائما بالتطبيع أو التقاعس فيما يخص القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني الذي يزود بالعديد من الأشكال من الأسلحة، على حد قوله.
واختتم ضروي بالقول أن اتفاقا بهذا الحجم سيساهم في التقليص من عمليات الإمداد خاصة ونحن نتكلم عن الأسلحة، كما أنه سيكون مفتوحا لدول أخرى ترغب في الانضمام إليه، كما يمكن أن تتحول هذه الاتفاقية إلى مبادرة أو مقترح يطرح على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لتفعيله بصفة رسمية.
حكيمة حاج علي