يعود رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو مرة أخرى إلى استراتيجياته التقليدية لضمان بقائه في السلطة، وهذه المرة على حساب دماء الأطفال في غزة. فمنذ استئناف العدوان على القطاع بعد قرابة شهرين من اتفاق وقف إطلاق النار، أصبح واضحا أن الاعتبارات السياسية الداخلية، وليس فقط العسكرية، هي الدافع الأساسي وراء هذه الحرب.
وتواجه حكومة نتنياهو تحديات متزايدة، سواء من المعارضة الداخلية أو من أهالي الأسرى الذين يرون في هذا التصعيد مغامرة غير محسوبة العواقب.
ومع اقتراب موعد التصويت على الميزانية العامة في الكنيست قبل نهاية الشهر الجاري، يسعى نتنياهو جاهدا لضمان دعم حزب “العظمة اليهودية” بزعامة إيتمار بن غفير، حتى لا تنهار حكومته أمام ضغوط الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تدفع باتجاه استمرار الحرب وعدم تقديم أي تنازلات لحماس في مفاوضات تبادل الأسرى.
ومن الواضح أن استئناف العمليات العسكرية يهدف إلى إعادة خلط الأوراق داخليا وإطالة عمر حكومته، حتى لو كان الثمن هو المزيد من الضحايا المدنيين في غزة.
ندى عبروس
////////////////////////////////////////////////
لكن هذه المرة، ورغم دعم واشنطن المعلن، فإن الوضع مختلف عن بداية الحرب في أكتوبر 2023، إذ أن الحرب التي كانت تلقى تأييدا واسعا داخل الكيان الصهيوني باتت اليوم محل انقسام كبير، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية وصدور مذكرات اعتقال دولية ضد مسؤولين صهاينة، وهو ما يجعل مستقبل نتنياهو السياسي في مهب الريح، ويزيد من احتمالات انهيار حكومته خلال الأشهر المقبلة.
//////////”استئناف الحرب.. هروب من الأزمات الداخلية “
لم يكن قرار استئناف العدوان على غزة مفاجئا، بل كان خيارا متوقعا في ظل الضغوط المتزايدة التي تحاصر حكومة نتنياهو، فبعد فشل الجهود الدبلوماسية الأخيرة في القاهرة، والتي سعت للوصول إلى حل بشأن تبادل الأسرى، بدا واضحا أن نتنياهو لم يكن يبحث عن اتفاق حقيقي، بقدر ما كان يسعى لإطالة أمد الحرب لتحقيق مصالحه الخاصة.
حاولت حكومة الاحتلال فرض شروط جديدة على حركة حماس، تقوم على إطلاق سراح الأسرى الصهاينة مقابل هدنة مؤقتة ودخول مساعدات إنسانية، دون الالتزام بوقف الحرب أو الشروع في إعادة إعمار غزة.
هذا الطرح قوبل بالرفض، مما أعطى نتنياهو ذريعة جديدة لاستئناف العدوان بحجة أن “حماس غير مستعدة للحل”.
لكن خلف هذا القرار، تكمن أزمات داخلية تهدد استقرار حكومة نتنياهو، أبرزها الخلافات العميقة داخل الائتلاف الحاكم، حيث يضغط كل من بن غفير وبتسلئيل سموتريتش باتجاه التصعيد العسكري وعدم تقديم أي تنازلات سياسية.
كما يواجه نتنياهو تحديات قانونية خطيرة، في ظل استمرار التحقيقات حول فساده، إضافة إلى الاتهامات الموجهة إليه من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب.
//////”مقامرة الميزانية.. حرب لضمان التصويت “
من بين أهم العوامل التي دفعت نتنياهو لاستئناف الحرب، سعيه لضمان تصويت بن غفير وحزبه إلى جانب الحكومة عند عرض الميزانية العامة على الكنيست قبل نهاية الشهر الجاري.
فالموافقة على الميزانية تعني استمرار حكومة نتنياهو، في حين أن فشل تمريرها قد يقود إلى انهيار التحالف الحاكم، وإجراء انتخابات مبكرة ستضعف موقفه السياسي بشدة.
بن غفير، الذي يدعو إلى سياسة أكثر تشددا تجاه الفلسطينيين، لم يكن راضيا عن إدارة نتنياهو للحرب خلال الأشهر الماضية، وكان يلوح بإمكانية التصويت ضد الميزانية إذا لم يتم تنفيذ مطالبه، وأبرزها توسيع العمليات العسكرية في غزة واستهداف قادة المقاومة.
في ظل هذا الضغط، لجأ نتنياهو إلى استئناف العدوان، ليس لأسباب عسكرية أو أمنية، بل كورقة سياسية تضمن له دعم الأحزاب المتطرفة، وإطالة عمر حكومته.
وبذلك، أصبح دم الأطفال الفلسطينيين مجرد ورقة مساومة في صراع داخلي على السلطة، وهو ما يثبت أن الحرب لم تعد تُدار من قبل المؤسسة العسكرية فقط، بل باتت خاضعة لمصالح نتنياهو وحساباته السياسية.
///////”المقاومة تتكيف مع المتغيرات.. معادلة جديدة في الميدان”
رغم شراسة العدوان، فإن المقاومة في غزة أثبتت أنها قادرة على التكيف مع الظروف الميدانية الجديدة.
فمنذ اليوم الأول لاستئناف الحرب، واصلت الفصائل الفلسطينية عملياتها ضد الاحتلال، مستخدمة تكتيكات جديدة جعلت من الصعب على الجيش الصهيوني تحقيق اختراقات حقيقية.
التقارير العسكرية الصهيونية نفسها تشير إلى أن الهجوم المفاجئ على غزة لم يحقق الأهداف المرجوة، حيث نقلت هيئة البث الصهيونية عن مسؤول أمني قوله:”من يعتقد أن الهجوم على غزة سيجعل حماس أكثر مرونة في المفاوضات مخدوع”.
هذا التصريح يعكس إدراك المؤسسة الأمنية أن التصعيد لم ينجح في فرض شروط جديدة، بل ربما زاد من تعقيد المعركة السياسية والعسكرية على حكومة الاحتلال.
في المقابل، استمرت التظاهرات داخل الكيان الصهيوني، حيث خرج عشرات الآلاف في تل أبيب للمطالبة بعودة المفاوضات لإطلاق سراح الأسرى.
هذه الاحتجاجات، إلى جانب التقارير الدولية عن المجاعة التي تضرب غزة بسبب الحصار الخانق، تضع حكومة نتنياهو في موقف صعب، خاصة مع تزايد الدعوات الدولية لوقف الحرب وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية.
////////////////////////////////////////////
المحلل السياسي المصري و الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور عمرو حسين لـ ” أخبار الوطن “
“نتنياهو أمام مأزق داخلي معقد ويلجأ إلى التصعيد للهروب من إخفاقاته”
قال المحلل السياسي المصري و الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور عمرو حسين في تصريح لـ ” أخبار الوطن “، أن التصعيد في قطاع غزة ليس مجرد خطوة عسكرية عابرة، بل هو انعكاس لأزمة عميقة في السياسة الصهيونية، حيث يجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه أمام مأزق داخلي معقد، لم يعد بإمكانه الهروب منه إلا عبر إشعال مزيد من المواجهات، فمنذ توليه الحكم، اعتمد نتنياهو على تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج، مستخدما التصعيد الأمني كأداة سياسية للهروب من إخفاقاته، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي حيث لا يزال يواجه اتهامات بالفساد تهدد مستقبله السياسي.
ومع تزايد الغضب الشعبي داخل الكيان الصهيوني بسبب التدهور الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة، لم يجد سوى اللجوء إلى الخيار العسكري لتوحيد الجبهة الداخلية حوله، رغم إدراكه أن ذلك لن يكون حلا مستداما.
وأضاف محدثنا أن العنف الصهيوني ليس وليد اللحظة، بل هو جزء أصيل من العقيدة الأمنية للدولة العبرية، التي تأسست على القوة والاحتلال وفرض الأمر الواقع، الكيان الصهيوني لم يكن يوما دولة تبحث عن السلام، بل كيان يستمد وجوده من الصراعات، ويعتمد على التفوق العسكري لضمان استمراره، فيما تتحول أي محاولة فلسطينية للمطالبة بالحقوق إلى ذريعة لحروب جديدة، هذه الاستراتيجية أن رجوع الكيان الصهيوني للحرب كان مجرد إرضاء لليمين الصهيوني واجبار الفلسطينيين على التهجير قسريا باستخدام قوة السلاح.
ندى عبروس
////////////////////
الباحث الليبي المختص في الشؤون السياسية والاستراتيجية محمود إسماعيل الرملي لـ”أخبار الوطن”:
“القادة العرب كان عليهم أن يضغطوا بالمال لإنقاذ غزة مادام ان ترامب لا يفهم إلا لغة المصالح “
أخبار الوطن: غزة تباد مجددا أمام أنظار العالم، باعتقادكم ما هي دوافع “النتن ياهو ” استئناف حرب الإبادة على غزة؟
محمود اسماعيل الرملي: إن ما يحدث في غزة هو جريمة بشعة من جرائم الكيان الصهيوني، ولا شك أن نتنياهو يسعى بدوافع سياسية لتمديد هذه الجرائم دون تغيير في الداخل الصهيوني، لكن ما يصدمنا مواقف العديد من دول العالم، التي تدعو للسلام في أوكرانيا بينما تُغض الطرف عن مذابح غزة، يُعامل الفلسطينيون وكأن دماءهم ليست دماً، وكأنهم لا يستحقون العيش.
يُثبت المجتمع الدولي مرة أخرى بأنه منافق وغير قادر على الوقوف مع الحق، حيث يستهدف الأطفال والشيوخ والنساء في غزة بشكل وحشي ويتم منع الغذاء والوقود والكهرباء، ويتم منعهم من العبادة، هذه جريمة إبادة جماعية يقوم بها نتنياهو وميليشياته، ولا يمكن قبولها بأي شكل من الأشكال، وما يُثير الاستغراب عدم وجود جهود فعالة من الدول العربية والإسلامية، كان من الأولى أن تتخذ موقفًا حازمًا ضد هذه الجرائم المروعة لكن تصريحاتها خجولة وغير فعالة.
في نظركم لماذا تراجع ترامب عن توقيف الحرب في غزة بعدما كان قد وعد بذلك لدى توليه الحكم؟
أعتقد أن الأسباب التي أدت إلى تراجع ترامب تكمن في عدة نقاط، أبرزها الوعود الانتخابية، وعد ترامب بدعم إسرائيل بشكل قوي، وهو موقف شائع في الولايات المتحدة الأمريكية الى جانب استخدام القوة، حيث يحاول ترامب إظهار قوته باستخدام القوة المفرطة لدعم الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط، كما أن الرئيس الأمريكي يسعى لفرض الهيمنة وفرض رؤيته لحل الصراع، بما في ذلك طرد سكان غزة إلى دول أخرى، هذا الى جانب الضعف العربي، أي ضعف اللوبي العربي والمطالب العربية والإسلامية أدى إلى عدم وجود ضغط قوي على ترامب الذي لا يعرف إلا لغة المصالح، والمال لذلك كان على القادة العرب أن يضغطوا على للولايات المتحدة الأمريكية و ترامب بالمال، وخاصة الشركات الأمريكية، لضمان عدم دعم ترامب لإسرائيل .
ما هي السيناريوهات المحتملة للوضع في غزة في قادم الأيام ؟
أعتقد أن السيناريو الرئيسي هو أن المذابح قد تستمر، لكن في المقابل سيستمر الصمود، وسينتصر الفلسطينيون. لا مجال لبقاء الكيان الصهيوني، ولا مجال لعدم انتصار الفلسطينيين لأنهم على حق، ولأنهم قادرون، ولأنهم أثبتوا أنهم شعب الجبارين القادرين على الصمود، لكن يجب أيضًا في المقابل ألا يُنظر إلى الموضوع وكأنه لا يعني المنطقة نهائيًا، يجب العمل على دعمهم، يجب أن تكون هناك مظاهرات، يجب أن تكون هناك بيانات، يجب أن تكون هناك أيضًا مساعدة دولية قضائية وإعلامية وعملية، ويجب أن يكون هناك تذكير بالمذابح التي يرتكبها الصهاينة في غزة، ويجب أن يكون هناك وضع لحد، هناك أيضًا دول أخرى يمكن العمل على اللجوء إلى مساعدتها. نتكلم على الصين وروسيا، ربما تكون أقرب، وأيضًا بعض الدول الغربية التي يحاول قدر الإمكان القول نعم هي ربما تقترب في رؤيتها من إسرائيل، لكن لا تتطابق فيما يتعلق برؤيتها للإبادة، الإبادة ممنوعة من الجميع ويجب أن يكون هناك وضوح بأن الفلسطينيين من حقهم تقرير مصيرهم وأن هذا الاستعمار سيزول مهما طال.
الحرية لفلسطين والحرية لهذا الشعب. وأيضًا هذه الإبادة الجماعية، على الحقوقيين والقانونيين أن يحركوا دعاوى ويجب أن يُطارد نتنياهو ومن أعانه.
طاوس.ز