عندما يدخل إنسان عادي المستشفى لمراجعة طبيب أو لعيادة مريض، فلن يخرج منه إلا وقد لامست شغاف قلبه نسمة من طيب الإنسانية، لما قد يراه من رجاء في عيني مريض أو عطف في عيني طبيب أو ممرض، وما قد يسمع من بكاء وأنين أو دعاء وحنين… أما إن كان الشخص قد ولج المستشفى مريضا، وحالته متقدمة وتحتاج إلى عملية جراحية، فالأكيد أن إحساسه بآلام الآخرين سيكون عاليا لما يجد من الألم ويكابد من القلق.
يزيد بوسنة
إن كان هذا الوصف يصدق على البشر العاديين الذين يملكون قلوبا بشرية وأحاسيس إنسانية، فهو لا يصدق على رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، الذي كشف مكتبه، عن خضوع الأخير، يوم الأحد الفارط، لعملية جراحية بسبب تضخم في البروستات.
وذكر البيان: “خضع رئيس الوزراء نتنياهو، الأربعاء، لفحص في مستشفى هداسا، حيث تم اكتشاف التهاب في المسالك البولية ناتج عن تضخم حميد في البروستات”، وأوضح أنه منذ ذلك الحين، ولعدة أيام، تلقى نتنياهو العلاج بالمضادات الحيوية التي قضت على العدوى.
لكن احتكاك النتنياهو البالغ من العمر 74 عاما، بالمستشفيات وخضوعه لعمليات جراحية سابقة في أوت 2013. وفي شهر جويلية من العام الماضي، وفي أفريل من هذا العام، لم يجعله يأنس بالأطباء والممرضين، إلا أطباء مشفى هداسا، إذ أنه زاد من وحشية قمع قواته للأطباء والمرضى على حد سواء. فالظاهر أنه كلما دخل مشفى في الكيان قرر تدمير مستشفى في غزة، وكلما امتعض من جرعة دواء أمر باغتيال مجموعة من الأطباء.. إنه منطق رأس الاحتلال وزعيم الجيش “الأكثر أخلاقية” حسب زعمه.
هذا الجيش الذي قصف يوم أول أمس الأحد 29 ديسمبر (يوم دخول النتنياهو المشفى)، مبنى مستشفى “الوفاء” وسط مدينة غزة، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، التي نقلت عن بيان للدفاع المدني الفلسطيني، بأن فرقه نقلت جثامين 7 شهداء بينهم أشلاء، وعددا آخر من المصابين بينهم حالات خطيرة، جراء استهداف الاحتلال للطابق العلوي من مبنى مستشفى “الوفاء”، الذي يعد الصرح الصحي الوحيد المتخصص في رعاية وتأهيل المرضى من كبار السن، ويضم مركزا متخصصا في العلاج الطبيعي والتأهيل الطبي. لكن النتنياهو، لا يمارس العنصرية بين المستشفيات الفلسطينية، لأن قوات الاحتلال قصفت في نفس اليوم مستشفى الأهلي العربي “المعمداني” في مدينة غزة بقذيفة مدفعية أصابت أحد مبانيه، مخلفة أضرارا في المكان. وكانت قوات الاحتلال الغاصب قد دمرت من قبل، مستشفى “كمال عدوان” شمالي القطاع، وأخرجته عن الخدمة بعد محاصرته ومنع إمداده بالأدوية والمستلزمات الطبية لأسابيع عدة، واعتقلت عددا كبيرا من طواقمه، فيما استشهد عدد آخر من العاملين فيه.
عندما كان النتنياهو في قاعة العمليات، كان جيشه يدمر قاعات مستشفى الوفاء ويُنكل بالمرضى والممرضين والأطباء، قتلا واعتقالا وتشريدا. وعندما كان النتنياهو ينظر إلى الطبيب ويستسلم لمفعول التخدير اختطف جيشه الدكتور حسام أبو صفية مدير مستشفى الوفاء، ونقله إلى وجهة غير معلومة.
وبعد أن أفاق النتنياهو، أفاد أعضاء الكنيست (أمس الإثنين) بأنه طلب من الجيش تدمير البنى التحتية التابعة للحوثيين، وقال: “وجّهت قواتنا المسلحة بتدمير البنى التحتية للحوثيين”، وبعدما رأينا المئات من المجازر والمذابح التي قام بها جيشه “المغوار” ضد كل مظاهر المدنية في غزة، نستطيع أن نستشف ما يعنيه بـ”البنى التحتية”.
ملاحظة: نشر هذا المقال على صفحات جريدة “أخبار الوطن” يوم الثلاثاء 31 ديسمبر 2024م.