في ظل استمرار العدوان الصهيوني على غزة وما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من تصعيد وتوترات، يبرز مشهد سياسي دولي يحمل في طياته تأثيرًا مباشرًا على هذا الصراع ومع اقتراب دونالد ترامب من العودة إلى منصب رئيس الولايات المتحدة، وفي تطور لافت يعكس المساعي الدولية لإنهاء حالة التصعيد في قطاع غزة، كشفت مصادر إعلامية عن تفاصيل مسودة اتفاق وقف إطلاق النار الذي تجري مفاوضاته في العاصمة القطرية الدوحة الاتفاق، الذي يشمل ثلاث مراحل متتالية تستمر كل منها لمدة 42 يومًا، يأتي تحت إشراف وضمانات دولية من قطر، مصر، والولايات المتحدة، ويهدف إلى تحقيق هدنة طويلة الأمد مع معالجة الجوانب الإنسانية وإعادة الإعمار، لكن يبقى السؤال الأبرز، هل ستنجح هذه المسودة في كسر الجمود وفتح صفحة جديدة للصراع، أم أنها ستكون مجرد حلقة أخرى في سلسلة المبادرات التي فشلت في تحقيق السلام الدائم؟
عماد الدين بن جامع
الخطوط العريضة للصفقة
تتمحور المرحلة الأولى حول وقف متبادل وشامل لجميع العمليات العسكرية بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، وستتضمن هذه المرحلة انسحاب القوات الصهيونية من المناطق المكتظة بالسكان في قطاع غزة، لاسيما من محاور رئيسية مثل وادي غزة ودوار الكويت، كما ستشمل المرحلة الأولى عودة النازحين الذين أجبروا على مغادرة منازلهم بسبب العمليات العسكرية، مع فتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات الإنسانية الطارئة، ويُتوقع أن تكون هذه المرحلة بمثابة خطوة لخلق الثقة بين الأطراف، وفي الوقت نفسه، سيتم الاتفاق على آلية لتبادل الرهائن والمعتقلين بين الجانبين.
وتشير التقارير إلى أن الجدول الزمني للإفراج سيكون تدريجيًا لضمان الالتزام المتبادل، بينما سيتم تسهيل إدخال الإمدادات الأساسية مثل الوقود، المواد الغذائية، والأدوية عبر المعابر الحدودية.
ومع نهاية المرحلة الأولى، تهدف المرحلة الثانية إلى تثبيت حالة الهدوء وتحقيق وقف دائم للعمليات العسكرية ستشمل هذه المرحلة تبادلًا كاملًا للأسرى بين الجانبين، حيث سيتم الإفراج عن معتقلين فلسطينيين في سجون الاحتلال مقابل إطلاق سراح الرهائن الصهاينة، من المتوقع أيضًا أن تتضمن هذه المرحلة انسحابًا شاملًا لقوات الاحتلال من قطاع غزة، مع تقديم ضمانات أمنية لمنع أي تصعيد مستقبلي، و تعد المرحلة الثالثة الأكثر شمولية، حيث تسلط الضوء على إعادة إعمار قطاع غزة بشكل كامل، وستمتد هذه الخطة لفترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، وستكون تحت إشراف دولي بمشاركة الدول الضامنة، كما سيتم فتح المعابر بشكل دائم لتسهيل حركة الأفراد والبضائع بين غزة والدول المجاورة، ما يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، علاوة على ذلك، ستتضمن هذه المرحلة تبادل جثامين الموتى من كلا الجانبين، وهو ما يعد ملفًا حساسًا ظل عالقًا لسنوات، كما كشف رئيس هيئة شؤون الأسرى، قدورة فارس، أن أكثر من 3 آلاف أسير فلسطيني سيفرج عنهم في اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى المرتقب بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، بينهم 200 من المحكوم عليهم بالمؤبد.
ضمانات التنفيذ وتحديات التطبيق
الولايات المتحدة وقطر ومصر، بصفتها الدول الضامنة، ستتحمل مسؤولية متابعة تنفيذ الاتفاق وضمان التزام الأطراف به، ومع ذلك، يبرز التحدي الأكبر في قدرة حكومة الاحتلال على الالتزام بالاتفاق، خاصة في ظل الضغوط الداخلية والتناقضات السياسية داخل الكيان الصهيوني، من جهة أخرى، يشدد المجتمع الدولي على أهمية استمرار دور الأمم المتحدة في تقديم الخدمات الإنسانية والإغاثية في غزة، إلى جانب الإشراف على عملية إعادة الإعمار.
مخاوف من محاولات الالتفاف على الاتفاق
يخشى المراقبون أن تكون هناك محاولات للالتفاف على الاتفاق من قبل الأطراف المتشددة داخل الكيان أو بعض القوى الإقليمية التي لا ترغب في تحقيق استقرار طويل الأمد في قطاع غزة. كما أن بعض الفصائل الفلسطينية قد تتحفظ على بعض البنود، خاصة إذا لم تتضمن ضمانات واضحة لرفع الحصار عن القطاع بشكل كامل.
ردود الفعل الأولية
لم تصدر المقاومة الفلسطينية أو حكومة الاحتلال إعلانًا رسميًا بالموافقة على المسودة حتى الآن. بينما تشير تقارير إعلامية إلى وجود تخوفات من عرقلة الاتفاق نتيجة التوترات القائمة والاختلافات حول بعض البنود الجوهرية، مثل تبادل الأسرى وضمانات انسحاب الاحتلال من القطاع.
رسائل المقاومة من تزايد عملياتها في شمال غزة
تزايد العمليات العسكرية للمقاومة الفلسطينية في شمال قطاع غزة يحمل رسائل واضحة ودلالات مرتبطة بالتطورات الإقليمية والدولية. العمليات تهدف إلى تأكيد قدرة المقاومة على الردع وإحداث تأثير ميداني، وإيصال رسالة بأن خيار المقاومة لا يزال حاضرًا بقوة، رغم كل التحديات. كما تُظهر هذه العمليات استعدادًا لفرض معادلات جديدة على الاحتلال وإرباك استراتيجياته الأمنية، خاصة في المناطق المحاذية للقطاع.
التوقيت يحمل دلالات واضحة، إذ يتزامن مع اقتراب عودة دونالد ترامب للرئاسة في الولايات المتحدة، وسط مخاوف فلسطينية من تبني نهج أكثر انحيازًا لإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تأتي العمليات في ظل التسريبات حول مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار، ما يعكس إصرار المقاومة على عدم تقديم أي تنازلات مجانية أو القبول باتفاق لا يحقق المطالب الفلسطينية الأساسية، خاصة رفع الحصار وتحرير الأسرى.
بهذا التصعيد، تسعى المقاومة إلى تعزيز موقفها في أي مفاوضات مقبلة، وإظهار أن قدرتها على المبادرة والهجوم قائمة، ما يجعلها طرفًا أساسيًا في صياغة المشهد السياسي والميداني في المرحلة المقبلة.
ممثل حركة حماس بالجزائر يوسف حمدان لــ “أخبار الوطن”
“حركة حماس مستمرة في التفاوض رغم العراقيل الاحتلالية “
أكد يوسف حمدان، ممثل حركة حماس في الجزائر، أن الحركة تدير عملية تفاوض معقدة في ظل مواجهة عدو يسعى دائماً إلى وضع العراقيل أمام مسار إنهاء العدوان.
وقال حمدان في تصريح لـ”أخبار الوطن” إن الاحتلال يعمل على تضخيم بعض التفاصيل لتكون سبباً في إفشال المساعي الجادة من قبل الوسطاء، متحججاً بالدعم الأمريكي والسياسي والعسكري، بالإضافة إلى التضليل الإعلامي الذي يقوم به بعض المسؤولين الأمريكيين مثل جون كيري، محاولين تحميل الحركة مسؤولية تعثر التوصل إلى اتفاق.
وأضاف حمدان أن حركة حماس أكدت للوسطاء أنها تتعامل مع التحديات التي يختلقها الاحتلال بمرونة، مع الحفاظ على سلوك تفاوضي منظم، في مقابل ترشيد الحديث الإعلامي عن تفاصيل الاتفاق. كما أكد أن الحركة لن تتوقف عند التصريحات المستمرة من العدو وتوصيفاته لسلوك الحركة وتفاعلها مع العملية التفاوضية.
وأوضح حمدان أن الحركة تواصل سعيها لتحقيق اتفاق يضمن وقف العدوان، انسحاب الاحتلال، وعودة النازحين دون أي شروط، كما شدد على أهمية دخول المساعدات الإنسانية بدون أي قيود، والبدء في إعادة بناء ما دمره الاحتلال، وفق رؤية واضحة.
وأضاف أنه إذا تم تثبيت هذه النقاط في الاتفاق، فإن التوصل إلى صفقة تبادل أسرى سيكون ممكناً، على الرغم من العقبات التي يضعها الاحتلال في هذا الملف، بما في ذلك تهديد سلامة أسراه في يد المقاومة
وفي ختام تصريحه، أكد حمدان أن حركة حماس ستظل تتعامل بمسؤولية وجدية مع هذه المسار التفاوضي، مشيراً إلى أن الحركة ثابتة على مبادئها ولديها التزام قوي تجاه شعبها الذي يتعرض لجرائم إبادة مستمرة، وفي نفس الوقت فهي جاهزة لضغط ميداني على العدو متى اقتضت الضرورة.
عماد الدين بن جامع
الباحث في الشأن السياسي مهدي درفلو لــ “أخبار الوطن”
“المفاوضات مع الكيان الصهيوني محاولات فارغة ونتنياهو يسعى لتأجيل الحل“
أكد الباحث في الشأن السياسي مهدي درفلو، لـ”أخبار الوطن”، أن الحديث عن مفاوضات وآفاق التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني والمقاومة لا يستند إلى أي أساس ثابت، بل هو مجرد اجتهادات ومحاولات من الوسطاء، التي لم تترجم إلى واقع ملموس طوال أكثر من خمسة عشر شهراً. وأوضح درفلو أن السبب في ذلك هو تعنت الكيان الصهيوني، بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي يماطل دائماً، وعندما تصل المفاوضات إلى مراحل متقدمة، يضيف شروطاً تعجيزية جديدة مما يؤدي إلى تمديد فترة المفاوضات أو إعادتها إلى نقطة الصفر. وهذا يبرز عدم وجود رغبة حقيقية لدى الكيان في التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف لإيقاف الحرب.
وأضاف درفلو أن المفاوضات تصبح أكثر تعقيداً وصعوبة في الوقت الذي تقترب فيه من مرحلة الحل، حيث يتدخل نتنياهو لطلب تأجيلها.
وأشار إلى أن نتنياهو لا يسعى للتفاوض إلا بعد القضاء على جميع أشكال الحياة في غزة، بما في ذلك المقاومة، مما يجعل المفاوضات مجرد وسيلة لتهدئة الرأي العام الإسرائيلي فقط، إلى حين فرض السيطرة على الواقع في غزة.
وأكد درفلو أن المفاوضات لن تؤدي إلى نتائج حقيقية ما لم يتدخل المجتمع الدولي بكل صدق ووضع حد لجرائم الكيان الصهيوني.
وأضاف أن تلك المفاوضات قد تتحول إلى ذريعة لتهدئة الرأي العام العالمي والإسرائيلي، بينما يستمر الكيان في قتل أبناء غزة.
عماد الدين بن جامع