انطلاق مفاوضات حول الملف النووي الإيراني اليوم بسلطنة عمان
تشهد الساحة الدولية توتراً متصاعداً بين الولايات المتحدة وإيران، وسط تطورات متسارعة تعكس حجم التعقيد الذي يكتنف العلاقات بين البلدين. وفي خضم هذا التوتر، تنطلق ابتداءً من اليوم في سلطنة عُمان، مفاوضات بين واشنطن وطهران، تتركّز بشكل أساسي على الملف النووي الإيراني. وبينما أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن محادثات مباشرة، تؤكد طهران أن اللقاءات ستجري بشكل غير مباشر، ما يعكس استمرار التباين في المواقف ويضيف طبقة جديدة من التعقيد على مسار الحوار.
ش.شبور
إيران تعتبر مهلة واشنطن غير واقعية وتسعى لتجنب التصعيد
نقلت وكالة “أكسيوس” الأمريكية ، عن دبلوماسي أوروبي ومصدر مطلع أن طهران تعتبر المهلة الزمنية التي حددها البيت الأبيض، والمقدرة بشهرين، غير كافية لإنجاز اتفاق شامل ومعقد تقنياً. وبحسب نفس المصدر، فإن إيران تسعى إلى كسب المزيد من الوقت لتفادي أي تصعيد قد يُشعل المنطقة.
خيارات متباينة بين الدبلوماسية والعسكرة
وحسب ذات الوكالة ، فإن الإقتراح الإيراني المؤقت قد يشمل تمديد آلية “العودة السريعة” التي تسمح بإعادة فرض عقوبات مجلس الأمن على إيران تلقائياً عند انتهاك الاتفاق النووي لعام 2015، والتي ينتهي مفعولها في أكتوبر المقبل. كما يتضمن المقترح مطالبة بتعليق سياسة “الضغوط القصوى” التي تمارسها واشنطن على الاقتصاد الإيراني.
وفي المقابل، وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهلة زمنية لا تتجاوز شهرين للتوصل إلى اتفاق جديد، ملوّحاً بخيارات عسكرية بديلة في حال فشل المسار الدبلوماسي.
وذكرت “أكسيوس” أن ترامب قد يُصدر أوامر بتوجيه ضربة عسكرية مباشرة ضد المنشآت النووية الإيرانية، أو دعم ضربة صهيونية، إذا لم يتم التوصل إلى تفاهم خلال الفترة المحددة.
/الخارجية الإيرانية : المحادثات المقبلة مع الولايات المتحدة”فرصة حقيقية”
أعلنت طهران، عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أنها تنظر إلى المحادثات المقبلة مع الولايات المتحدة كـ”فرصة حقيقية” لإعادة إحياء المسار الدبلوماسي، رغم ما وصفته بخطاب واشنطن العدائي.
وفي منشور له على منصة “إكس” أمس الجمعة، قال بقائي: “سنعطي الدبلوماسية فرصة حقيقية بحسن نية ويقظة تامة. على أميركا أن تقدّر هذا القرار الذي اتُّخذ رغم خطابها العدائي”.
من جانبها، أفادت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن المحادثات المرتقبة ستُجرى بقيادة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، والمبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف.
إيران: مفاوضات مسقط جدية وصلاحيات كاملة للفريق التفاوضي وسط تأهب عسكري
أفاد مصدر رسمي إيراني، بأن طهران تتعامل بجدية وروح بنّاءة مع المفاوضات غير المباشرة الجارية مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الوفد الإيراني المفاوض سيشارك في المحادثات التي تستضيفها سلطنة عمان وهو يتمتع بصلاحيات كاملة وواسعة.
وأكد المصدر أن إيران تضع تفكيك أو تعليق برنامج تخصيب اليورانيوم ضمن الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها، موضحاً أنه في حال رغبت واشنطن في الحصول على ضمانات بشأن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، فإن التوصل إلى اتفاق سيكون ممكناً وفي متناول اليد.
وأشار إلى أن هذه الجولة من المفاوضات تأتي في ظل استعدادات عسكرية غير مسبوقة داخل القوات المسلحة الإيرانية، مؤكداً أن طهران حريصة على إنجاح المحادثات والوصول إلى اتفاق، لكنها في الوقت نفسه ترفض لغة التهديد.
طهران تلوّح بإجراءات ردعية في حال استمرار التهديدات العسكرية
حذّر مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون السياسية من استمرار محاولات الضغط على إيران عبر التهديد باستخدام القوة العسكرية، مؤكداً أن مثل هذا النهج سيُقابل بإجراءات ردعية حازمة.
وأشار المستشار إلى أن من بين الخطوات التي قد تتخذها طهران في هذا الإطار، طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من البلاد ووقف التعاون معهم، بالإضافة إلى نقل المواد النووية المخصبة إلى مواقع داخلية آمنة وسرية، في خطوة تهدف إلى تعزيز قدرات الردع الإيرانية ومواجهة التصعيد المحتمل.
الرئيس الإيراني :”لا قوة في العالم تستطيع التآمر على الشعب الإيراني ومنعه من التنمية والتطور”
من جانبه، صرّح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خلال زيارته لمحافظة البرز، أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والدول الغربية تعتقد أن إيران أصبحت ضعيفة ويمكن تهديدها بسهولة، مؤكداً أن لا قوة في العالم تستطيع التآمر على الشعب الإيراني ومنعه من التنمية والتطور.
وتشدد إيران، على أن برنامجها النووي مخصص بالكامل لأغراض مدنية تتعلق بإنتاج الطاقة، في حين تتهمها الدول الغربية بالسعي إلى تطوير أسلحة نووية، مستندة إلى مستويات التخصيب المرتفعة التي تتجاوز ما تعتبره مبرراً لبرنامج سلمي.
إيران بين التحذير والدبلوماسية.. رسائل صارمة لدول الجوار وسط تصعيد أمريكي متزايد
أطلقت إيران ، الإثنين الماضي، تحذيرات مباشرة وصريحة لعدد من دول الجوار، محذّرة من “عواقب وخيمة” في حال دعمت أي هجوم أمريكي محتمل ضد أراضيها. وجاء هذا التصعيد في وقت تكثّف فيه الولايات المتحدة تحركاتها العسكرية في المنطقة، ما دفع طهران إلى تعزيز جهودها الدبلوماسية لتهدئة التوترات وبناء جسور تواصل مع الدول المجاورة.
وأكد مسؤول إيراني رفيع، الأحد الفارط، رفض بلاده لأي مفاوضات مباشرة مع واشنطن بشأن الملف النووي، لكنه أشار إلى انفتاح طهران على استئناف المحادثات غير المباشرة بوساطة سلطنة عُمان، موضحاً أن هذا النهج قد يختبر مدى جدية الإدارة الأمريكية في التوصل إلى تسوية سياسية، رغم التحديات المتوقعة.
ووجه المسؤول نفسه، تحذيرات شملت العراق، الكويت، الإمارات، قطر، تركيا والبحرين، مشدداً على أن استخدام أراضي هذه الدول أو أجوائها في أي عمل عسكري ضد إيران سيُعتبر عملاً عدائياً يستدعي ردّاً قاسياً، وفق تعبيره. في الوقت ذاته، أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي وضع القوات المسلحة الإيرانية في “حالة تأهب قصوى”.
الخبير الأمني مصطفى دموش لـ”أخبار الوطن”
“المفاوضات المنتظرة في سلطنة عمان تشكل اختبارًا جديدًا للدبلوماسية الدولية”
صرح الخبير الأمني مصطفى دموش، لـ”اخبار الوطن” بأن سلطنة عُمان ستشهد جولة جديدة من المفاوضات المرتقبة اليوم، بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن الملف النووي الإيراني، في خطوة تعكس تحركًا دبلوماسيًا لاحتواء التصعيد وتفادي الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة في المنطقة، مضيفا أن هذه المبادرة”تأتي في توقيت بالغ الحساسية، وسط توتر متصاعد وتغير لافت في مواقف القوى الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة نفسها.”
وأشار دموش ، إلى أن “هذه الجولة، تأتي في ظل توقف شبه تام لمساعي إيران في تخصيب اليورانيوم، بعد ضغوط صهيونية قوية دعت إلى توجيه ضربة عسكرية مباشرة”، مضيفا :” إلا أن الإدارة الأمريكية فضّلت، على غير العادة، تبني خيار الدبلوماسية، مدفوعة بمخاوف من انفجار الوضع الإقليمي وتداعياته غير المحسوبة، ما أعاد الملف إلى طاولة الحوار، رغم الأصوات المنتقدة داخل الكيان الصهيوني ودوائر اللوبي المؤيد لها في واشنطن.”
وأوضح المحلل الأمني، بأن “المؤشرات كافة تدل على أن المفاوضات لن تقتصر على لقاء واحد، بل من المرجح أن تمتد على مراحل، في ظل تعقيدات الملف النووي وتشابكه مع قضايا إقليمية أخرى، مثل سوريا ولبنان والعراق، إذ يلاحظ أيضًا أن هذه المحادثات تجري وسط تجاهل غير مسبوق للمطالب الصهيونية، التي طالما كانت عامل ضغط في سياسات واشنطن تجاه طهران، موضحا:” وفي اللقاء الأخير بين رئيس الوزراء الصهيوني والمسؤولين الأمريكيين، بدا واضحًا أن الإدارة الأمريكية غير مستعدة هذه المرة للانجرار خلف دعوات التصعيد، وهو ما فسره بعض الخبراء بأنه تحول غير مسبوق، بل وفشل حقيقي في التأثير الإسرائيلي على القرار الأمريكي.”
أما بالنسبة لاحتمال الحرب،كشف دموش ، على أنه “لا يمكن استبعاده بشكل كامل، خصوصًا في حال فشل هذه المفاوضات، إلا أن الموقف الأمريكي، كما صرح به الرئيس ترامب مؤخراً، يميل إلى استبعاد الخيار العسكري في المرحلة الحالية، باعتباره سينهي كافة الحروب الدولية”، وبدلًا من ذلك، تفضل واشنطن تكثيف الضغوط الاقتصادية، وتشديد الحصار على طهران، بهدف إضعاف موقفها التفاوضي وتقليص قدرتها على المناورة إقليميًا.
وأشار دموش ، إلى أن “المفاوضات المنتظرة في سلطنة عمان تشكل اختبارًا جديدًا للدبلوماسية الدولية، في لحظة حرجة من تاريخ المنطقة، وبين مساعٍ لخفض التصعيد وضغوط لا تهدأ من أطراف إقليمية، يبقى مستقبل هذه المحادثات رهين توازن دقيق بين الواقعية السياسية، ومصالح متشابكة لا يُستهان بها”.
شهيناز شبور
المحلل السياسي إسماعيل خلف الله لـ” أخبار الوطن”:
” ما يحدث بين واشنطن وطهران إرهاصات تسبق مفاوضات تخشى إيران أن تكون مباشرة”
يرى المحلل السياسي إسماعيل خلف الله، أن “ما يجري حالياً بين الولايات المتحدة وإيران، هو إرهاصات طبيعية تسبق مفاوضات تسعى واشنطن لأن تكون مباشرة، بينما تُصر طهران على أن تبقى غير مباشرة، لأسباب متعددة”.
وأوضح خلف الله لـ”أخبار الوطن” أن “من أبرز هذه الأسباب، أن طهران ترى في الرسائل التي توجهها واشنطن عبر الوسطاء نوعاً من التهديد”، معتبرة أن “التهديد لا يمكن أن يبشر بمفاوضات مباشرة”، وأضاف أن “اعتماد إيران على المفاوضات غير المباشرة هو في حد ذاته وسيلة تعبير عن انزعاجها من لغة الخطاب الأميركي تجاهها”.
واعتبر خلف الله أن هذا اللقاء المرتقب، قد يشكل “مرحلة تمهيدية لمراحل لاحقة”، مضيفاً أن “كل الأطراف تُدرك أن تجنب التصادم المباشر هو الخيار الأفضل لحماية المنطقة من تداعيات سلبية قد تعصف باستقرارها”.
كما أشار خلف الله ، إلى أن “التحركات الروسية مؤخراً تؤكد وجود تخوف حقيقي من انفجار الوضع، وأن موسكو تحاول تهدئة الأجواء وتشجيع الأطراف على التفاوض عبر القنوات الدبلوماسية بعيداً عن لغة الصواريخ”.
وتابع خلف الله قائلاً: “أعتقد أن هذه المفاوضات التي ستُعقد في مسقط تمثل مرحلة جديدة في سلسلة التفاوضات السابقة، ومحورها سيكون الملف النووي الإيراني”. ولفت إلى أن “إيران تُصرّ على أن برنامجها النووي سلمي ولا يهدف إلى التسليح أو دخول النادي النووي”، في حين ترى الولايات المتحدة، وخاصة إدارة ترامب، إلى جانب الكيان الصهيوني، أن “إيران تسعى إلى التهرب من الرقابة الدولية والاقتراب من امتلاك ترسانة نووية”.
وأكد خلف الله أن هذه المفاوضات تأتي ضمن نفس الإطار الذي دار فيه الاتفاق النووي السابق، مشدداً على أن “الكثير من القوى تسعى لتجنيب المنطقة صداماً مباشراً، لما قد يحمله من وبالٍ على الجميع”. وختم تصريحه بالقول: “أستبعد أن نكون أمام مرحلة ما قبل الصدام المباشر، رغم ما يكتنف المشهد من إرهاصات وتشنج وتخوف، فطهران ما زالت ترى أن ما تمارسه واشنطن هو سياسة تهديد، بينما تتهمها واشنطن بالتهرب من مفاوضات مباشرة لا ترغب بها”.
ش.شبور
المحلل السياسي العيد زغلامي لـ “أخبار الوطن”:
”إيران ترى نفسها في موقع قوة ولن ترضخ لأي ضغط دولي”
في تصريح للمحلل السياسي العيد زغلامي، تناول فيه آخر مستجدات المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، أكد أن اللقاء المرتقب بين الطرفين في سلطنة عمان يمثل فرصة حاسمة للاتفاق على قضايا شائكة.
وأضاف زغلامي، لـ”اخبار الوطن” أنه رغم الضغوط الأمريكية، والتي تشمل المطالبة بوقف برنامج إيران النووي، فإن إيران تتمسك بحقها في الحصول على التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية.
وأشار المحلل السياسي، إلى أن زيارة وزير الخارجية الإيراني الأخيرة إلى الجزائر أكدت موقف طهران الثابت في دعم المقاومة، وأن إيران لن تتنازل عن هذا المبدأ مهما كانت الضغوط الخارجية، خاصة من الكيان الصهيوني التي تحاول الضغط على الولايات المتحدة للقيام بشن هجوم ضد إيران.
وقال زغلامي، إن هذا الموقف الإيراني يزعج إسرائيل التي تسعى جاهدة لتقويض القوة الإقليمية لإيران.
وفيما يخص التحركات الأمريكية، أشار زغلامي إلى أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يسعى لتحقيق مقايضات في المفاوضات مع إيران، مع احتمال السماح لطهران بالحصول على الأسلحة النووية مقابل رفع العقوبات الأمريكية.
ولفت المحلل السياسي، إلى أن الولايات المتحدة تسعى لتحقيق مصالح اقتصادية عبر التفاوض مع إيران، في ظل سياستها المتقلبة والمتناقضة.
أما بالنسبة للملف النووي الإيراني، فقد أكد زغلامي، أن إيران لن تتنازل عن طموحاتها النووية، خاصة بعد أن أصبح هذا السلاح بمثابة ضمانة أمنية لها. واعتبر أن الضغوط الغربية والعقوبات المفروضة على إيران لن تؤثر في موقفها، خصوصاً وأن إيران تدرك تماماً أن أي تنازل عن برنامجها النووي سيعرضها لخطر كبير، كما حدث مع بعض الدول العربية مثل العراق وليبيا.
وشدّد زغلامي، على أن إيران لن تكون غبية إلى درجة التنازل عن حقها في الحصول على الأسلحة النووية، خاصة في ظل التوازنات الإقليمية والدولية الحالية، مشيراً إلى أن إيران تعتبر هذا السلاح جزءاً من أمنها القومي، تماماً مثل الكيان الصهيوني الذي يمتلك أسلحة نووية دون أن يتعرض للمحاسبة الدولية.
واختتم زغلامي حديثه قائلاً: “إيران ترى نفسها في موقع قوة، ولن ترضخ لأي ضغط دولي يهدف إلى تقويض قدراتها العسكرية”.
شهيناز شبور