صرح الباحث والأكاديمي، وحيد بن بوعزيز، عند نزوله ضيفا على برنامج ” المقابلة” الخاص بشبكة “أخبار الوطن”، بخصوص الاعتذار الفرنسي للجزائريين لما عايشته فرنسا للشعب الجزائري من الام ومعاناة خلال فترة الاستعمار قائلا: “لكي نصل إلى مرحلة حقيقية للإعتذار، لابد أن نبادر من جهتنا أولا، ذلك أن الاعتذار لا يعطى ولكن يؤخذ عن طريق عمل جبار.
ولفت بن بوعزيز، فيما يخص الاعتراف الفرنسي بمقتل الشهيد البطل محمد العربي بن مهيدي، إلى أنها خطوة لبداية الغوص في ملف الذاكرة أو ما يطلقون عليها تسمية ” الذاكرة المشتركة”. وتابع بن بوعزيز قوله:” أعتقد أن هذا الاعتراف متأخر وهو نوع من اللغو المتعمد لكي يتماشى مع فكرة التقادم المعروفة في الحقوق الدولية، والمعروف في القانون الدولي، انه عند الاعتراف بجريمة بعد أكثر من 60 سنة، تزول المحاكمة، وان هذا التأخير من شأنه أن يخدم ملف الذاكرة في المستقبل.”
مسألة الذاكرة المشتركة التي يروج لها ماكرون محاولة غير جادة لمعالجة التاريخ الاستعماري
كما وتحدث الباحث بن بوعزيز عن مسألة “الذاكرة المشتركة”، التي يروج لها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مشيرًا إلى أنها محاولة غير جادة لمعالجة التاريخ الاستعماري، وانها وسيلة لتخدير الذاكرة التاريخية الجزائرية وطمس جرائم الاستعمار الفرنسي.
وفي هذا السياق، استذكر بوعزيز المحاكمة الشهيرة لـ”أدولف أيخمان” عام 1961، والتي كانت “كرنفالية” بقدر ما فرضت مفهوماً عالميًا بعدم التقادم في الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك جرائم الاستعمار.
وأشار بن بوعزيز إلى أن “الذاكرة المشتركة” التي تروج لها فرنسا تهدف في المقام الأول إلى معالجة الألم الفرنسي الناتج عن الاحتلال، من خلال التركيز على “ضحايا الاستعمار الفرنسي” من الفرنسيين الذين كانوا يعيشون في الجزائر، مثل “الأقدام السوداء”، في حين أن الجزائر لم تجد من جانبها أي علاج حقيقي لجرائم الاستعمار.
وبخصوص سبب إصرار فرنسا على ترسيخ فكرة الذاكرة المشتركة، أشار بن بوعزيز إلى أن الرئيس الفرنسي ماكرون حضر عام 2000 ندوة لفيلسوف فرنسي Paul Ricœur تحت عنوان:” التاريخ، الذاكرة والنسيان”، اين عرف أنه بعد 60 سنة الذاكرة ستموت، وكل ما هو مرتبط بالآلام وبصدمة ما، سيتلاشيان مع الزمن.
كما ناقش بن بوعزيز قضية إعادة كتابة التاريخ الجزائري بعد الاستقلال، معتبرًا بذلك أن الجزائريين لديهم القدرة على إعادة كتابة تاريخهم. بحيث ان كتابة التاريخ يجب أن تكون عملية نقدية خالية من عقدة القداسة. مؤكدا، على ضرورة مواجهة “تناقضات التاريخ” الجزائري، بما في ذلك الأخطاء التي ارتكبت أثناء الثورة، وذلك من أجل التعلم من الماضي وعدم تكرار هذه الأخطاء في المستقبل.
وفيما يتعلق باللغة الفرنسية في الجزائر، أقر بن بوعزيز بأن الوقت قد حان للتخلي عن مفهوم “اللغة كغنيمة حرب”، مشددًا على ضرورة تجديد اللغة العربية لتواكب التطورات العالمية. مؤكدا، على أن العولمة جعلت العديد من اللغات تتفوق على الفرنسية، على سبيل الذكر اللغة الإنجليزية، والتي تتفوق عليها في العديد من المجالات.
وبخصوص وضعية الهوية الجزائرية بعد ستين عامًا من الاستقلال، أكد بن بوعزيز، على أن الجزائر لا تزال تواجه تحديات كبيرة في تحديد هويتها بسبب التناقضات العميقة بين الثقافة الوطنية والفرنسية، خاصة في أوساط النخب. وأوضح بن بوعزيز أن الهوية لا يجب أن تكون ثابتة أو مغلقة، بل هي بناء مستمر يعكس التنوع الثقافي واللغوي في الجزائر.
واعتبر بن بوعزيز بخصوص الدراسات ما بعد الاستعمارية، بأن المناهج النقدية غالبًا ما تقع في فخ “التنازلات” التي تروج لها الدراسات الثقافية الغربية، والتي تتبنى في بعض الأحيان خطابات تدعو إلى “الاندماج” والتفاوض مع الآخر دون الانتباه إلى مخاطرها على الهوية الوطنية.
كما شدد على أن الجزائر بحاجة إلى تطوير دراسات استعمارية خاصة بها تتجاوز التأثيرات الغربية. مشيرًا إلى أهمية العودة إلى الدراسات التي تتعامل مع “تصفية الاستعمار”، بدلًا من الاهتمام فقط بالخطابات ما بعد الحداثية التي تفتقر إلى التحليل الجاد لمخلفات الاستعمار.
كما تحدث بن بوعزيز عن دور المثقف في المجتمع، مؤكدًا أن المثقف لا بد أن يكون “ملتزمًا” بنقل الحقيقة كما يراها. وان المثقف الحقيقي ليس مجرد “مراكم للمعلومات”، بل هو شخص نقدي يتعامل مع الواقع بتعقيداته ويعمل على تطوير المجتمع من خلال أفكار راديكالية تتحدى الأوضاع القائمة.
مالك بن نبي اختطف من قبل جماعة معينة وتيار سياسي معين.
وبخصوص مفهومي “القابلية للاستعمار” و”الفاعلية”، التي طرحها المفكر مالك بن نبي. أشار بن بوعزيز الى ان مالك بن نبي اختطف من قبل جماعة معينة وتيار سياسي معين، مشددا بن بوعزيز، على أن مفهوم “القابلية للاستعمار” لدى بن نبي لم يُفهم بشكل صحيح، اذ حيث اختُزل في تفسيرات قاصرة سواء من مؤيدي أو معارضي بن نبي. فقد أقر هذا الأخير بوجود قابلية اجتماعية ونفسية للاستعمار، لكنه في الوقت ذاته دعا إلى تجاوز هذه القابلية عبر “الفاعلية” التي تمثل أحد أسس مشروعه الفكري. منتقدا بذلك التفسير السطحي لهذا المفهوم الذي استخدمه البعض كتبرير للجمود الفكري، بينما كان بن نبي يدعو إلى نهضة فاعلة وقادرة على مقاومة الاستعمار.
محمد الميلي ظلم فرانز فانون واليسار الجزائري عاداه.
وفيما يتعلق بفكر فرانز فانون، أشار بن بوعزيز إلى أن هناك محاولات لتشويه أفكار فانون أو تحميله مسؤولية الثورة الجزائرية بشكل مبالغ فيه. مضيفا، محمد الميلي ظلم فانون بقوله انه هو الذي ساعد الثورة الجزائرية، والاصل هو ان فانون كان واحدًا من المفكرين المهمين في الثورة، وان الثورة الجزائرية كانت نتاجًا لجهود جماعية من العديد من الفئات والمفكرين.
كما نوه بن بوعزيز إلى معاداة اليسار الجزائري لفكر فانون بعد الاستقلال، وانتقادات اليسار الأوروبي، بسبب رفضه للفهم الماركسي التقليدي للاستعمار، حيث اعتبر فانون أن الاستعمار ليس مجرد أزمة في الرأسمالية الغربية، بل علاقة هيمنة ثقافية واجتماعية.