د- وليد بوعديلة
من بين الأمور التي جذبت الانتباه في ذكرى ثورة نوفمبر المباركة ذلك المزج الجزائري بين تاريخ النضال والجهاد ضد الاستدمار الفرنسي و المقاومة الفلسطينية للمحتل الصهيوني، وقد كشف الكثير من الكتاب و الباحثين مشاهد الإجرام الاستعماري الفرنسي، كما كشفوا وذكروا بيوميات الإبادة و الإجرام في غزة و لبنان.
وتاريخ أعمال الإبادة و الطمس والتدمير الفرنسي هو تاريخ يثبت الكثير من العداوة نحو فرنسا، ويدفع إلى التردد في كل مناسبة تكون للحوار والتفاعل و تبادل المصالح، والتردد هذا يتأسس نفسيا وثقافيا واستراتيجيا بين الدول و الشعوب، ويكون بأبعاد عميقة بين الدول المستقلة والدول التي احتلتها، بسبب الصراع الفكري الدائم بين المستعمِر و المستعمَر.
ومع العدوان على غزة، لا يمكن اليوم أن نتحدث عن تاريخ المقاومة الشعبية الجزائرية أو ما حدث في ثورة أول نوفمبر 1945 دون الإشارة إلى المقاومة الفلسطينية و اللبنانية التي تواجه البطش و الإجرام الصهيوني المدعوم من الغرب و من بعض الدول العربية المطبعة، ولا غرابة أن نشاهد اليوم الكثير من ملامح الأفعال الإجرامية التي قام بها الفرنسيون وهي تتكرر في قطاع غزة، وكأن المحتل الصهيوني قد قرأ جيدا كتب ويوميات الجنرالات و الضباط الفرنسيين الذي قتلوا واحرقوا ودمروا منذ اليوم الأول لاحتلال الجزائر في 1830.
1- نوفمبر وبطولات فلسطين:
ونحن نقول لدولة الاحتلال المجرمة: لقد قرأ الفلسطينيون التاريخ الجزائري، وعلموا طرق شهادة العربي بن مهيدي، مصطفى بن بوالعيد، ديدوش مراد..وغيرهم من أبطال الجزائر الحرة، كما علموا أن الشهادة و التضحية هي الطريق إلى النصر و التحرر، وأن ليل الاستعمار لن يطول وستشرق شمس الحرية في كل ربوع الأرض الفلسطينية كما أشرقت في ربوع الجزائر، فقدموا الشهداء(الشيخ ياسين، اسماعيل هنية، يحي السنوار،..) وصور الصمود و التحدي.
وفي ظل الاحتفال بذكرى ثورة نوفمبر، علينا أن نعلم أن الطريق إلى تحقيق السيادة الكاملة يمر عبر قلع كل بقايا الاستعمار وكل من يرتبط بمصالحه أو فكره، ضمن استراتيجية كبرى تقاوم الكولونيالية وتواجهها ماديا ومعنويا.
نقول للقارئ الكريم أن عنوان المقال مستمد من قول للشيخ الشهيد العربي التبسي:” من عاش فليعش بعداوته لفرنسا، ومن مات فليحمل معه هذه العداوة إلى القبر” .ومن ملامح تجدد هذه العداوة أن لا ننسى الشهداء المفقودين والذين خطفهم المستعمر وعذبهم ولم يعرف الجزائريون قبورهم إلى اليوم، ومنهم قبر الشهيد الشيخ العربي التبسي.
وهذه العداوة الراسخة للمحتل الفرنسي تجعلنا نرسخ العداوة في قلوبنا وعقولنا للمحتل الصهيوني أيضا، وتجعلنا نهتم بدعم أهلنا في غزة و لبنان بكل الوسائل، ما استمرار ما تقوم به الآلة الإرهابية الصهيونية -في ظل صمت عالمي- إلى درجة الوصول إلى قتل الموظفين العاملين في هيئات ومنظمات الأمم المتحدة في غزة ، كما قام جنود المحتل برمي القوات الدولية بالرصاص و أمرهم بالمغادرة من مناطق تواجدهم في جنوب لبنان، في تحدي مفضوح غريب للقانون الدولي ، مع توقيف عمليات الإغاثة و تدمير المستشفيات وممارسة التهجير القسري ومحاولة محو شمال قطاع غزة من الوجود.فأي دولة إرهاب هذه؟؟
2-أين قبر الشهيد الشيخ العربي التبسي؟
وقبل أيام وفي ندوة تاريخية بمكتبة المطالعة بعزابة ولاية سكيكدة (2 نوفمبر2024) طالبت في مداخلتي بتجديد مطالبة فرنسا الرسمية بكشف مكان قبر الشهيد العربي التبسي، وأن لا توقع الدولة الجزائرية عل أي اتفاق اقتصادي أو استثماري مع فرنسا حتى يتم الكشف عن القبر. كما كشفت الرئاسة الفرنسية عن إعدام الشهيد العربي بن مهيدي، واعترفت بمسؤوليتها عن إعدامه يوم 4 مارس1957، بعد سنوات من إدعاء انتحاره، وأن أمر الإعدام جاء من الجنرال بول أوساريس. فيا أيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قل لنا أين قبر الشهيد العربي التبسي؟
وتقول الروايات عن استشهاد الشيخ العربي التبسي بعد تعذيبه من طرف الجيش السري الإرهابي الفرنسي يوم 4 أفريل 1957، وبعد خطفه من منزله وهو مريض، ثم أنكرت كل الإدارات الاستعمارية وجوده عندها، وقد عذب وقتل بالزيت المغلي بنار كبيرة كبر الإجرام الفرنسي، وهو الإجرام والخطف و التعذيب و القتل المتجدد في غزة ولبنان و الضفة الغربية.
وهو ما أنجزته الآلة الاستدمارية الفرنسية في الجزائر لسنوات كثيرة، قبل أن تخرج ذليلة بمجد و بطولات الأحرار، ولا يجب أن تنسى الأجيال الجزائرية تاريخها وذاكرتها، وعلى أبناء الوطن أن يبادروا بكل الخطوات و الأعمال التي تربط بقوة بين الأطفال والشباب وأمجاد أجدادهم، وهنا الدور الكبير لمؤسسات التنشئة الاجتماعية و لوسائل الإعلام و الفنون و الآداب.
وقد أنجز المخرج محمد والي عملا وثائقيا مهما عن الشيخ العربي التبسي عنوانه” العربي التبسي شهيد بلا قبر”، بدعم من وزارة المجاهدين، أسهم فيه المجاهدون و عائلة الشهيد والمؤرخون، ونحن نشكر الوزارة على مبادراتها و ودعمها لكل المنجز الإعلامي و الفني عن المقاومة الشعبية و ثورة التحرير لكشف الحقائق التاريخية ونقلها لكل الأجيال.
3- السيادة.. وتجدد عداوة الاستعمار:
سنعيش بعداوة فرنسا وبعداوة المحتل الصهيوني كذلك حتى تعيد فرنسا لنا كل الأرشيف الذي سرقته، وحتى تعيد لنا جماجم الشهداء وأبطال المقاومة، وحتى تعيد كل المسروقات التي نهبتها، وحتى تتوقف عن التدخل في شؤوننا، وحتى نعيد للغة العربية مكانتها ومجدها وقوتها وحضورها في كل القطاعات.
ولامجال لابتكار ذاكرة مشتركة دون كشف الحقائق ودون الحوار في ظل سيادة جزائرية كاملة غير منقوصةـ تمتد لكل الميادين السياسية، الاقتصادية الثقافية…، في ظل تحولات كبيرة يشهدها العالم، وتغير طرق النضال والمواجهة، لأن الدول الكبرى قد غيرت طرق ومحاولات تجديد الدماء في فكرها الاستعماري، ونحن بحاجة إلى قوة اقتصادية تتأسس على قوة المعرفة و الذكاء الصناعي، كما تعتمد على قوة ثقافية وأخلاقية تبني الإنسان الذي يبني الوطن.
ومن الواجب أن نعيد البحث في مفهوم السيادة، مع ربطه بالحكامة و المواطنة، ويمكن اختصار تعريف السيادة بأنها وصف للدولة الحديثة حيث يكون لها الكلمة العليا على إقليمها وعلى ما يوجد فوقه أو فيه، أو هي سلطة عليا ومطلقة، وإفرادها بالإلزام وشمولها بالحكم لكل الأمور سواء التي تجري داخل الدولة أو خارجها.
وتقوم السيادة على مظهرين:
– الأول هو المظهر الخارجي، ويكون بتنظيم علاقات الدولة مع الدول الأخرى في ضوء أنظمتها الداخلية، وحريتها في إدارة شئونها الخارجية، وتحديد علاقاتها بغيرها من الدول وحريتها بالتعاقد معها، وحقها في إعلان الحرب أو التزام الحياد.
– والمظهر الخارجي، حيث السيادة الخارجية مرادفة للاستقلال السياسي، تقوم على عدم خضوع الدولة لأية دولة أجنبية، مع المساواة بين جميع الدول أصحاب السيادة، ويكون مبدأ الاستقلال هو روح تنظيم العلاقات الخارجية.
وقد كان العرض العسكري للجيش الشعبي الوطني الجزائري في نوفمبر2024 رسالة لكل العالم عن القوة الجزائرية و عن التحام الشعب مع جيشه، فالقدرات القتالية لكل دولة هي الضمان لمواجهة الأخطار في كل زمن، مع الانتباه أن الأخطار تتنوع وتختلف، وفيها ما هو رمزي خاص بالقيم و الأفكار، و نؤكد في هذا السياق الخاص بالسيادة على أنه لا مجال هنا للتمييز -في القرار السياسي- بين التخصصات و الميادين العلمية (التكنولوجية ،الطبية ، الغذائية ، اللغوية الدينية ،الفكرية، القانونية، الفلاحية ،الاجتماعية ، المائية، النفسية…) فكلها ذات أهمية وكلها أولويات في صناعة القرار السيادي الوطني.
في الختام..
إن المجد و الخلود للشهداء الأبرار في الجزائر وفلسطين، ويظل الجزائريون ينتظرون معرفة مصير شهدائهم الذين فقدوا زمن مقاومة الاستعمار، وتبقى الأجيال تنتظر معرفة قبر الشيخ العربي التبسي، ونحن لا ننتظر أو نأمل كثيرا في أي اعتذار فرنسي بقدر ما نريد وفاء الجزائريين لشهدائهم و السير على نهجهم في حماية الوطن و البحث المتواصل عن استمرار إشعاعه و إشراق شمسه.
أفضل أن اختم بنص شعري لمفدي زكريا، و هي رسالة للاستعمار الفرنسي، و نحن نرسلها رسالة للمحتل الصهيوني كذلك، لأن ممارستهما واحدة و مصيرهما واحد، على أيدي الرجال الأحرار في الجزائر و فلسطين:
“كم أذاق المستعمرين نكالا
في بلاد لا تعرف الإنهزاما
بشباب تخشى لقاه المنايا
ونفوس لا تعرف الإحجاما
ونسور مثل الصواعق تنتفض
فتذرو المستعمرين حطاما
يا لها ثورة بها كم فرضنا
لك يا شعب في الوجود احتراما.”
أوقف حديث القلم اليوم.. وإلى حديث قادم إن شاء الله.