في خطوة تسعى إلى ضمان الالتزام بمقتضيات الدستور وصيانة التوازن المالي للدولة، أخطر كل من رئيس مجلس الأمة، صالح ڨوجيل، والوزير الأول، نذير العرباوي، أول أمس السبت، المحكمة الدستورية بشأن تعارض بعض التعديلات التي طالت مشروع قانون المالية لسنة 2025 مع نص المادة 147 من الدستور.
وجاء هذا الإخطار عقب مصادقة مجلس الأمة على القانون، وذلك استنادا إلى أحكام المادتين 192 و193 من الدستور التي تتيح لرئيس مجلس الأمة رفع هذه الإشكالات إلى المحكمة الدستورية للنظر فيها.
وتتعلق التعديلات المعنية بالمواد 23، 29، 33 و55 من قانون المالية 2025، التي وصفها ڨوجيل بأنها قد تؤدي إلى تقليص الموارد المالية للدولة دون تقديم بدائل واضحة لتعويض هذا النقص، مما يتعارض مع المادة 147 من الدستور، والتي تنص على أنه “لا يُقبل أي اقتراح قانون أو تعديل قانون يقدمه أعضاء البرلمان، يكون مضمونه أو نتيجته تقليص الموارد العمومية، إلا إذا كان مرفقا بتدابير تستهدف زيادة إيرادات الدولة أو توفير مبالغ مالية في فصل آخر من النفقات العمومية تعادل على الأقل المبالغ المقترح إنفاقها”.
ومن بين المواد محل الإخطار، جاءت المادة 23 مكرر التي تنص على تخفيض نسبة الضريبة المفروضة على سائقي سيارات الأجرة من 12 بالمائة إلى 5 بالمائة.
كما تمثل المادة 29 نقطة خلاف أخرى، حيث رفض النواب زيادة مبلغ الضريبة الجزافية الوحيدة إلى 30.000دينار، مفضلين الإبقاء عليها عند المستوى الحالي البالغ 10.000 دينار.
أما المادة 33، فقد تضمنت تعديلا يقضي بخفض الغرامة المالية المفروضة على الموثقين وكتّاب الضبط والمحضرين القضائيين إلى 5.000 دينار، وتشير إلى أنه لا يمكن للموثقين أو المحضرين قبول أي وثيقة دون دمغة رسمية أو غير مسجلة قانونيا.
وبالنسبة للمادة 55، فقد نصت على خفض الغرامة المفروضة على قسيمة السيارات المطبقة على السيارات السياحية والنفعية.
إخطار المحكمة الدستورية دليل على أننا نعيش الديمقراطية الحقيقية
وفي هذا السياق أكد أستاذ القانون الدستوري بجامعة الجزائر، الدكتور موسى بودهان، لـ”أخبار الوطن” بأن قيام كل من رئيس مجلس الأمة والوزير الأول بإخطار المحكمة الدستورية بشأن مدى دستورية المواد 23، 29، 33، و55 من مشروع قانون المالية لسنة 2025، يعد مؤشرا واضحا على أننا نعيش في عهد الديمقراطية الحقيقية.
وأوضح الدكتور بودهان أن هذه الخطوة تجسّد متطلبات ومبادئ دولة الحق والقانون، وتعكس التطبيق السليم لمبدأ الفصل بين السلطات كما ورد في ديباجة الدستور وفي مواد متعددة، خصوصا المادة 16 التي تنص على أن الدولة تقوم على مبادئ التمثيل الديمقراطي، والفصل بين السلطات، وضمان الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية.
وأشار محدثنا إلى أن ما قام به رئيس مجلس الأمة والوزير الأول يندرج ضمن تجسيد متطلبات مبدأ الفصل بين السلطات، الذي يقوم على التعاون والتنسيق والتكامل، وليس على الفصل الجامد كما هو الحال في العديد من الدول ذات الأنظمة الرئاسية.
وأضاف أن هذه الخطوة تمثل ممارسة واضحة للحقوق الدستورية المكفولة بموجب مواد الدستور، لاسيما المادتين 192 و193، مؤكدا أنها تعد سابقة في الحياة الدستورية الجزائرية، حيث إنها المرة الأولى التي يقوم فيها مجلس الأمة بإخطار المحكمة الدستورية بشأن مدى دستورية مواد من مشروع قانون المالية.
وبيّن الدكتور بودهان أن هذه الخطوة جاءت لعدة أسباب ودوافع، أبرزها أن المواد محل الإخطار، حسب التفسيرات المقدمة، قد تكون خرقت مبدأ دستوريا ورد في المادة 147 من الدستور، مؤكدا أن إخطار المحكمة الدستورية تحكمه عدة مواد دستورية، منها المواد 116، 192، و193.
وشدد على أن المحكمة الدستورية أنشئت لتحقيق هذا الغرض وغيره من الأهداف الدستورية، وأنه لا بد من تفعيل دورها في مراقبة دستورية القوانين، مؤكدا إن المحكمة “بالمرصاد لكل الاختلالات والتجاوزات التي قد تمس الدستور”.
ندى عبروس