أصدرت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، أمس الأربعاء، بيانا ردا على التأكيد الأخير للولايات المتحدة لموقفها المؤيد للمغرب في النزاع حول الصحراء الغربية. الموقف الذي أكدت فيه واشنطن دعمها لمخطط الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، وهو ما اعتبرته الجزائر تجاهلا لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
وقالت إن الجزائر “أخذت علما بتأكيد كتابة الدولة لموقف الولايات المتحدة الأمريكية الذي يعتبر مخطط الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية كحل أوحد لنزاع الصحراء الغربية”.
وأضاف البيان أن الجزائر “تتأسف لتأكيد هذا الموقف من قبل عضو دائم في مجلس الأمن يفترض فيه الحرص على احترام القانون الدولي بشكل عام وقرارات مجلس الأمن بشكل خاص”.
ندى عبروس
تأكيد الولايات المتحدة.. دعم غير مشروط للمقترح المغربي
أعلنت الولايات المتحدة أول أمس الثلاثاء، عبر بيان لوزارة الخارجية الأميركية، موقفها الداعم للمغرب في النزاع حول الصحراء الغربية.
البيان جاء بعد اجتماع بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، ووزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو، الذي أكد دعم واشنطن لمخطط الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب في إطار سيادته على الصحراء الغربية باعتباره “الأساس الوحيد” لحل عادل ودائم لهذا النزاع.
وأردف روبيو قائلا: “لا تزال الولايات المتحدة تعتقد أن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن، مؤكدا أن الرئيس ترامب حثّ الأطراف على الانخراط في مناقشات دون تأخير، باستخدام مقترح الحكم، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ستُسهّل التقدم نحو هذا الهدف”.
هذا الموقف كان قد تم الإعلان عنه لأول مرة في عام 2020، خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلا أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تتراجع عنه رغم عدم تجديده بشكل رسمي.
الجزائر تُجدد موقفها.. حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره
في المقابل، أعربت الجزائر عن أسفها لهذا الموقف، مؤكدة أن القضية الصحراوية الغربية تتعلق بالأساس بمسار تصفية استعمار لم يُستكمل، وبحق في تقرير المصير لم يستوف، والواقع أن الصحراء الغربية لا تزال إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي، بالمعنى الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، ولا يزال شعب هذا الإقليم مؤهلا لممارسة حقه في تقرير المصير، على النحو المنصوص عليه في قرار الجمعية العامة 1514 (د15) بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.
ميثاق الأمم المتحدة.. وعد الشعوب المعلّق
عند تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945، كان أكثر من 750 مليون شخص يعيشون في أقاليم تُدار من قِبل قوى استعمارية، دون أن يتمتعوا بأبسط مقومات الحكم الذاتي.
منذ ذلك الحين، قطعت الأمم المتحدة أشواطا طويلة في مسار تصفية الاستعمار، إذ نالت أكثر من 80 مستعمرة سابقة استقلالها، ونجحت جميع الأقاليم الأحد عشر المشمولة بنظام الوصاية في تحقيق تقرير المصير، سواء بالاستقلال التام أو من خلال الارتباط الحر بدول مستقلة.
لكن رغم هذه المكاسب، لا تزال قضية الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي قائمة، حيث تضم القائمة اليوم 17 إقليما فقط، يعيش فيها أقل من مليوني نسمة. وهي أقاليم تقف على هامش السيادة الكاملة، ويُنظر إليها كآخر ما تبقى من حقبة استعمارية كان يُفترض أن تُطوى إلى الأبد.
وقد استندت جهود الأمم المتحدة في هذا المسار إلى المادة الأولى، الفقرة الثانية من ميثاقها، التي تنص على “التسوية في الحقوق بين الشعوب، وحق كل منها في تقرير مصيرها”، فضلاً عن الفصول المخصصة لمصالح الشعوب التابعة، والتي أرست المبادئ التي توجه عمل المنظمة في هذا المجال حتى اليوم.
وبموجب الفصل الحادي عشر من الميثاق، طُرحت مسؤولية واضحة على عاتق الدول القائمة على إدارة هذه الأقاليم: الاعتراف بأولوية مصالح شعوبها، والسعي إلى تمكينها سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، وتعليميا، مع احترام هويتها الثقافية.
كما ألزمت تلك الدول بتقديم تقارير دورية للأمم المتحدة عن أوضاع الأقاليم، ومراحل تقدمها نحو الحكم الذاتي.
عام 1960 شكّل نقطة تحول حاسمة، حين اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 1514، المعروف باسم “إعلان المتعلق بإنهاء الاستعمار ومنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة”.
وقد جاء هذا القرار ليرفع السقف السياسي والأخلاقي، مطالبًا بإنهاء الاستعمار بجميع أشكاله، دون شروط أو تسويف.
وفي العام نفسه، وُضعت مبادئ القرار 1541 (د -15) لتحديد متى يمكن اعتبار إقليم ما قد بلغ الحكم الذاتي الكامل: إما بصيرورته دولة مستقلة ذات سيادة، أو دخوله الحر في رابطة مع دولة مستقلة، أو الاندماج الطمع دولة مستقلة.
وإضافة إلى ذلك، بموجب ”إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة“، بالصيغة التي وافقت عليها الجمعية العامة بموجب قرارها 2625 (د-25) لعام 1960، أعلنت الجمعية العامة رسميا مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول، بما في ذلك مبدأ ”تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها“.
وفي إطار هذا المبدأ، يُذكر أنه ”يكون إنشاء شعب من الشعوب لدولة مستقلة ذات سيادة، أو ارتباطه ارتباطا حرا بدولة مستقلة، أو اندماجه الحر في هذه الدولة أو اكتسابه أي مركز سياسي آخر يحدده بنفسه بحرية، إعمالا من جانبه لحقه في تقرير مصيره بنفسه“.
لكن رغم وضوح النصوص وتراكم السوابق، لا تزال بعض الأقاليم رهينة لمعادلات سياسية معقدة، أو لعجز دولي عن فرض تسويات عادلة. وهنا، يبرز سؤال ملح: هل سيظل الحق في تقرير المصير شعارا مكررا على منابر الأمم المتحدة، أم أن العالم سيتحرك أخيرًا لإغلاق ملف الاستعمار بشكل نهائي، احترامًا لإرادة الشعوب وكرامتها.
واشنطن في مواجهة القوانين الدولية.. الجزائر تؤكد ثبات الموقف الأممي
شددت الجزائر على أن موقف الولايات المتحدة يتناقض مع قرارات الأمم المتحدة التي أكدت مرارا على الحق غير القابل للتصرف للشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
وأضاف البيان “إن أي حياد عن هذا الإطار لا يخدم بالتأكيد قضية تسوية هذا النزاع، مثلما أنه لا يُغيّر البتة من الحقائق الأساسية اللصيقة به، والتي أقرتها وثبتتها الأمم المتحدة عبر جميع هيئاتها الرئيسية، بما في ذلك الجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية”.
الحكومة الصحراوية تعرب عن “أسفها العميق” لموقف الإدارة الأمريكية
أعربت حكومة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، أمس، عن “أسفها العميق” لانحياز الإدارة الأمريكية إلى الأطروحات التوسعية المغربية ضدها، مؤكدة رفض أي ربط أو مقايضة لقضية الصحراء الغربية، باعتبارها قضية تصفية استعمار، مع مواقف أو تحالفات تتعلق بقضايا أخرى.
وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية والشؤون الإفريقية الصحراوية، أن الحكومة الصحراوية وجبهة البوليساريو تابعتا فحوى التصريحات الصحفية الأخيرة لكتابة الدولة الأمريكية والظروف التي جاءت فيها، وتعربان عن “الأسف العميق تجاه انحياز الإدارة الأمريكية الواضح للأطروحات التوسعية المغربية ضد الجمهورية الصحراوية”.
وشددت الخارجية الصحراوية على أن الأمر “تناقض صارخ مع الشرعية الدولية، المتمثلة في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وكذا الأحكام الصادرة عن محاكم دولية، إفريقية وأوروبية، والتي لا تعترف للمغرب بأية سيادة على الصحراء الغربية”، مذكرة أنها “تؤكد جميعها على الطبيعة القانونية لقضية الصحراء الغربية بأنها قضية تصفية استعمار لم تكتمل نتيجة لمحاولة المملكة المغربية التملص من التزاماتها بمقتضى خطة التسوية التي وافقت عليها مع جبهة البوليساريو سنة 1991 تحت إشراف منظمتي الوحدة الافريقية والأمم المتحدة، والتي صادق عليها مجلس الأمن بالإجماع وأنشأ بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) لتنفيذها”.
و أضاف بيان الخارجية أن الطرف الصحراوي “يرفض أي ربط أو مقايضة لقضية الصحراء الغربية، باعتبارها قضية تصفية استعمار، مع مواقف أو تحالفات تتعلق بقضايا أخرى”، وأنه “لا يمكن أن تعالج القضية الصحراوية خارج إطار الشرعية الدولية المبنية على قدسية مبدأ حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال والسيادة، وعلى احترام حقوق الإنسان، والمبادئ الديمقراطية التي تشكل الأساس لأي حل عادل ودائم”.
(وأج)
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، البروفيسور نور الصباح عكنوش لـ”أخبار الوطن”:
“القضية الصحراوية لا تقبل المساومة في السوق السوداء للعلاقات الدولية”
أكّد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، البروفيسور نور الصباح عكنوش في تصريح لـ”أخبار الوطن”، أنّ بيان وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية بشأن الموقف الأمريكي الأخير الداعم للمغرب في النزاع حول الصحراء الغربية “يعيد القضية إلى إطارها الموضوعي، الذي يحتكم إلى القانون الدولي، باعتبارها قضية تصفية استعمار”.
وشدّد عكنوش على أنّه “لا يمكن التصرف في هذه القضية دون استفتاء الشعب الصحراوي، الذي يُعد الطرف الأصيل أولًا، والسيد ثانيًا، والواقع تحت الاحتلال ثالثًا، وهو صاحب القضية رابعًا”. ولفت إلى أنّ المسألة بالنسبة للجزائر “ليست قضية نزاع حدودي، بل قضية ذات بُعد أخلاقي وقانوني، ولا يمكن أن تكون موضوع مساومة في السوق السوداء للعلاقات الدولية”.
وأوضح محدثنا أنّ “بعض القوى الغربية، ووفق أجندة صهيونية، تسعى إلى تقديم القضية كجائزة للمغرب بعد تطبيعه المطلق، وذلك على حساب حقوق شعب بأكمله يناضل من أجل حريته واستقلاله، تمامًا كما ناضل الشعب الأمريكي ذات يوم من أجل انتزاع حريته”.
وأضاف المتحدث ذاته أنّ الجزائر “تؤسس سياستها الخارجية على ثوابت نابعة من دعم القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الصحراوية، بما يضمن استقرار النسق الدولي، ويحُول دون تحوّله إلى فوضى تهدد السلم والأمن الدوليين”.
ندى عبروس